النظام العالميّ ونظرية الحريق
نارت عبد الكريم
إنَّ محاربة الحريق بالحريق أسلوبٌ ناجعٌ يستخدمه رجال الإطفاء للتعامل مع حرائق الغابات، ومن جهةٍ أخرى يتمّ استخدامه في عالم السياسة لتحقيق مصالح عدّة أطرافٍ مجتمعة. فبعض الدول، بسبب خشيتها من اندلاع النار في عقر دارها، تلجأ إلى تغذية الحرائق في دولٍ أخرى لإبعاد النار عن نفسها. وهو ما يصبّ في مصلحة دولٍ عظمى تعتاش، مثل الطفيليات، على صناعة السلاح وتصديره. إذ يُقدّر حجم تجارة السلاح في العالم بنحو 1650 مليار دولارٍ سنوياً. لذا فإنَّ العلاقة بين ازدهار هذه التجارة واستمرار الحروب والأزمات وتصاعدها علاقةٌ طرديَّة. وما يحدث في سوريا منذ أربع سنوات، والآن في اليمن، على سبيل المثال، خير دليلٍ على ذلك.
ووفقاً لبعض التقارير تستحوذ الدول الخمس العظمى على 75% من هذه السوق؛ إذ تأتي الولايات المتحدة الأمريكية في المرتبة الأولى، فهي أَكْبَر تاجر سلاحٍ في العالم، وحِصَّتُها من صادرات السلاح تتجاوز 30%، ومن بعدها روسيا الاتحادية بنحو 23%، ثم ألمانيا بنسبة 11%، تليها فرنسا بـ7%، وبريطانيا بنسبة 4%، ومن بعدهم هولندا والصين والسويد وإسرائيل. وتزوّد الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، دول الخليج بمختلف أنواع السلاح المتطوّر والحديث، في حين تزوّد روسيا كلاً من إيران وسوريا وحلفاءهما بالعتاد والسلاح والذخيرة.
لكن من المفارقات التراجيديَّة الكبرى التي نحياها منذ عقودٍ أنَّ تلك الدول العظمى هي نفسها من يتحكّم بقرارات مجلس الأمن، الذي من المفترض أنَّ مهمته الأساسيَّة هي الحفاظ على السلم الدوليِّ وإطفاء الحرائق وحلّ النزاعات والأزمات الدوليَّة من خلال تطبيق القانون وتحقيق العدالة والمساواة. فكيف يمكننا أنْ نصدّقَ أنَّ تاجر السلاح سيسعى بيديه إلى كساد تجارتهِ وخسارة أرباحهِ؟
في عملهِ المعنوَن "الحدث السياسيِّ"، الصادر في العام 2003، يُشيرُ عدنان حب الله إلى الأزمة التي وصلتْ إليها الديمقراطيات الحديثة. فهي، بحسب وجهة نظره، لم تعد نموذجاً صالحاً لأنها أصبحتْ تخدمُ شعوباً بعينها وتؤمن رفاهيتها على حساب شعوبٍ أخرى، وذلك بسبب نرجسيتها.
إنَّ تلك النرجسيَّة المريضة هي التي نراها تتجلى بوضوحٍ حين يتفاخر البعض، وبالأخصّ أولئك المسؤولون والدبلوماسيون الغربيون، مستخدمين عباراتٍ من قبيل قيم حضارتنا ونظامنا العالميّ الحرّ وديمقراطيتنا، في كلّ محفلٍ ومن على كلّ منبر. إنَّ نظامنا العالميِّ هذا، الذي يتحكّم به تجّار السلاح -أي تلك الدول العظمى التي تُنَصِّبُ نفسها مُشرّعاً وقاضياً وحكَماً وشرطياً في الآن عينه- لا يُذكّرنا إلاَّ بالمثل القائل: حاميها حراميها.