أطباء سوريا: المشردون الذين يستهدفهم الجميع!

المنظّمات الدولية تعالج السوريين في تركيا
وقيودٌ قانونيةٌ على الأطباء السوريين في ممارسة عملهم
(1)
كمال السروجي
يتولى عددٌ من المنظمات الطبية الدولية اليوم، كأطباء بلا حدود، والهلال الأحمر، إضافةً إلى الحكومة التركية، وبعض أصحاب رؤوس الأموال من المغتربين السوريين، المسؤولية الأساسية عن تقديم الرعاية الطبية للاجئين السوريين في تركيا. وذلك عبر افتتاح مستشفياتٍ ومراكز طبيةٍ في المنطقة الحدودية بين تركيا وسوريا، يسهم في تكوين كادرها عددٌ من الأطباء السوريين. وتسعى هذه الأطراف، مجتمعةً، إلى تعويض ما فقده السوريون من الرعاية الطبية في بلادهم، بعدما دمّرت آلة الحرب معظم المنشآت الطبية في مناطقهم.
علاجٌ متأخرٌ في كلّس، وإهمالٌ من الحكومة المؤقتة
كلّس هي إحدى المدن التركية التي تحتضن عدداً كبيراً من المشافي المخصّصة للسوريين. وعن واقع هذه المشافي يروي الدكتور نور الدين لمجلة "صور"، وهو من الأطباء العاملين في إحدى المشافي التابعة للهلال الأحمر: "مقارنةً مع العمل في المناطق المحرّرة، فالوضع هنا أفضل بكثير. لكن الحالات التي تصل إلى هنا صعبةٌ جداً، إذ تصل معظمها متأخرة، بسبب القصف المستمرّ على المناطق المحرّرة. بعض إصابات الأطراف التي تصل إلينا تكون مصابةً بالتعفن، ويكون المريض عرضةً لخطر انتشار الغرغرينا إلى باقي جسده، لذا غالباً ما نلجأ إلى البتر".
ويضيف الدكتور نور الدين: "يهتمّ المشفى الذي أعمل فيه بالحالات الإسعافية، إلا أن هناك نقصاً في عدد دور الاستشفاء. وهناك تقصيرٌ كبيرٌ من قبل الحكومة المؤقتة في تقديم رعايةٍ طبيةٍ للمرضى، وتأمين حياة المصابين في تركيا".
عدم الاعتراف بالشهادات الطبية السورية
تعاني الكوادر الطبية السورية التي تعيش في تركيا من عددٍ من العوائق في ممارسة عملها هناك، إذ تشترط القوانين التركية على ممارسي الطب أن يكونوا من حملة الجنسية التركية، ما يمنع الأطباء والصيادلة السوريين من مزاولة المهنة، إلا في حال اجتياز امتحان اللغة التركية وتعديل الشهادة.
وعن تجربتها، تروي الدكتورة هالة، وهي طبيبة أسنانٍ مقيمةٌ في تركيا، لمجلة "صور": "نعاني من صعوبةٍ كبيرةٍ في إيجاد فرصٍ للعمل، مع أن السوريين هنا في أمسّ الحاجة إلى الأطباء السوريين. أمضيت مع عائلي سنةً في تركيا، وأنفقنا جميع مدّخراتنا المالية".
وحول قوانين مزاولة المهن الطبية في تركيا، تقول هالة: "أمارس المهنة منذ عشرة أعوام. ليس هناك أيّ مبررٍ للحكومة التركية لوضع هذه العوائق، وخصوصاً لأصحاب الخبرة والدراسات العليا، فقد عملتُ في عدّة دولٍ عربيةٍ وأجنبيةٍ بسلاسةٍ أكبر. اضطررت أخيراً لافتتاح عيادةٍ في منزلي سرّاً، يتوجّه إليها بعض السوريين لعلاج أسنانهم، في ظلّ تكاليف العلاج الكبيرة في العيادات التركية".
وفي تجربةٍ أخرى لجأ الدكتور سامي، المقيم في مدينة مرسين، إلى افتتاح مشفىً صغيرٍ في إحدى القرى التابعة للمدينة، بالتعاون مع شركاء أتراك، إلا أن المشروع لم يكتمل. وعن أسباب هذا يوضح الدكتور سامي أن "أحد المواطنين الأتراك تقدّم بشكوى ضدهم، وتمّ إغلاق المشفى على أثر ذلك".
ويتابع: "أعمل اليوم في الخفاء. فقد نشرت رقم هاتفي على صفحات الفيس بوك المخصّصة للسوريين في مدينة مرسين، وأذهب لمعالجة من يتّصل بي في بيته، أو يأتي إليّ لأعالجه في بيتي سرّاً".
في السياق نفسه، أطلقت مجموعةٌ من الأطباء السوريين مبادرةً، بدعمٍ من جمعية (IHH) الإغاثية التركية، تطالب الأطباء السوريين بتسجيل أسمائهم واختصاصاتهم لدى جمعية إعانة المرضى الدولية، في مدّةٍ أقصاها 31/8/2014، من أجل تقديم طلبٍ لوزارة الصحّة التركية بالسماح للكوادر الطبية السورية بمزاولة المهنة في تركيا بشكلٍ نظاميٍّ ودون أيّة قيود.
***
القطاع الصحيّ في مناطق النظام: أطباءٌ يهربون من أنقاض مشافيهم
(2)
جورج. ك. ميالة
يعاني القطاع الصحيّ السوريّ العديد من المصاعب، التي أنتجها التراجع الاقتصاديّ والعمليات العسكرية المستمرّة، إضافةً إلى الاعتبارات الأمنية والسياسية للنظام السوريّ. وينعكس هذا على صحّة المرضى، ومستوى الرعاية الصحية المقدمة لهم، وأحوال الأطباء وقدرتهم على مزاولة مهنتهم.
خسارات المنشآت الطبية تحرم آلاف المرضى من تلقّي العلاج
أصيبت المنشآت الطبية السورية بأضرارٍ ماديةٍ فادحةٍ بفعل آلة الحرب. ففي حلب وحدها تعرّضت أكثر من نصف المنشآت الطبية للدمار الكامل، أبرزها مشفى الكندي الذي تهدّم بفعل الاشتباكات، والذي كان يعدّ أحد أضخم مستشفيات علاج السرطان ومرضى الكلية في الشرق الأوسط. أما المجمّع الطبيّ الذي تمّ قصفه في حيّ قاضي عسكر، فكان يضم أكبر مركزٍ لعلاج العيون في سوريا. كما تعرّضت بعض المشافي لأضرارٍ ماديةٍ جزئيةٍ أدّت إلى توقفها عن العمل، كمشفى "زاهي أزرق". ولم يبقَ لمرضى حلب من خياراتٍ سوى المشفى الجامعيّ ومشفى الرازي، وعددٍ من المشافي الصغيرة الخاصّة، معظمها متخصّصٌ في التوليد.
ويتحمّل مرضى السرطان ومرضى الكلية في حلب المعاناة الأكبر، بسبب عدم توافر مراكز علاجٍ كاملةٍ لحالاتهم في مدينتهم. ويشير الدكتور غسان، أحد أطباء مشفى الرازي، إلى أنه قد "تمّ افتتاح أقسامٍ جديدةٍ لمرضى السرطان والكلية في المشفى الجامعيّ ومشفى الرازي، إلا أنها لا تزال ذات إمكانياتٍ محدودة. وغالباً ما يضطرّ المرضى للسفر إلى دمشق لاستكمال فحوصاتهم التشخيصية، بسبب نقص الأجهزة في حلب. أو لاستكمال علاجهم بسبب تأخر وصول بعض العلاجات، كالجرعات الكيماوية التي لا تصل بكميةٍ كافيةٍ لجميع المرضى".
أما عن المعدّات الطبية في المشافي الحكومية فيتحدّث الدكتور ثائر، أحد مقيمي قسم العظمية، لمجلة "صور": "نعاني من نقص البدائل الصناعية، كالمفاصل وصمّامات القلب وأجهزة التثبيت العظمية. وإن وجدت فثمنها مرتفعٌ جداً، لأن أغلبها ذو منشأٍ إيرانيٍّ أو صينيٍّ أو هنديّ. بينما في السابق كنا نستوردها، بثمنٍ أقلّ، من أمريكا وأوروبا واليابان".
وعن انعكاسات ذلك على المرضى يضيف الدكتور ثائر: "نضطرّ في كثيرٍ من الحالات إلى البتر، بسبب قلة المواد والأدوية، وتلوّث الإصابات بالإنتانات، نتيجة صعوبة الإسعاف وخصوصاً في الليل. أنا في غاية الأسى لهذا الواقع، ولكن ليس لدينا حلٌّ آخر لإنقاذ أرواح البشر".
كما تشهد المشافي التي لا تزال تفتح أبوابها في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في حلب حضوراً عسكرياً مكثفاً، إذ يضمّ كلّ مشفىً مفرزةً أمنيةً خاصّةً به، ومعتقلاً للمرضى تحت الأرض. وتغلب إرادة السلطة العسكرية على قرارات الأطباء والحالة الصحية للمرضى، عدا عن تدخل عناصر مليشيات "الشبيحة" الذين يهدّدون الأطباء والعاملين بالسلاح إذا اضطرّهم الأمر.
يحدثنا عمر، وهو أحد ممرّضي مشفى الرازي: "نجري الكثير من العمليات للمصابين من الجنود والشبيحة تحت ضغط السلاح، كما نجبَر على إعطائهم الأولوية المطلقة في قسم الإسعاف. ولا يملك أحدٌ من إدارة المشفى السلطة لإيقافهم".
هجرة الكوادر الطبية من البلاد
فقد الكادر الطبيّ الوطنيّ عدداً كبيراً من الأطباء، الذين فضّلوا الهجرة إلى خارج البلاد، بحثاً عن فرصةٍ جديدةٍ وحياةٍ أفضل. وتبعاً لنقابة الأطباء في مدينة حلب، فقد تمّ إغلاق ما يقارب الـ60% من العيادات الخاصّة، لظروفٍ مختلفة، أهمّها هجرة الأطباء.
وعن أهمّ الوقائع التي تسبّبت في هجرة هذا الكمّ من الأطباء يحدّثنا الدكتور عزيز بكري، وهو أحد الأطباء الذين هاجروا إلى ألمانيا: "ما دفعني شخصياً إلى الهجرة هو الهرب من الاختطاف. بقيت لفترةٍ طويلةٍ متردّداً بين السفر وعدمه، إلا أن حادثة خطف أحد زملائي دفعتني إلى السفر فوراً".
وعن الصعوبات التي يعاني منها الأطباء في البلاد يضيف: "بات الدخل الماديّ للطبيب قليلاً جداً نسبةً إلى غلاء المعيشة، إضافةً إلى تعرّضه للضغط النفسيّ الشديد. فعليه أن يعمل في مشافٍ قد لا يتوافر فيها الحدّ الأدنى من المستلزمات، كالكهرباء مثلاً. عدا عن كونه دائماً تحت المساءلة الأمنية فيما يخصّ هوية المرضى الذين يقوم بعلاجهم أو بإسعافهم. هذه الأمور، مجتمعةً، تجعل من الصعب على الأطباء مقاومة فرصة عملٍ في الخارج، توفّر لهم حياةً مختلفةً تماماً".
وقد شكلت المضايقات الأمنية، التي تعرّض لها عددٌ من الأطباء، حافزاً لانتقال الكثير منهم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة أو السفر خارجاً.
ويروي لنا الدكتور مصطفى تجربته بالقول: "بعد استشهاد صديقي الدكتور صخر حلاق، أشهر أطباء حلب، على يد فرع الأمن العسكريّ، خفتُ كثيراً على نفسي. الأمر الذي دفعني إلى إغلاق عيادتي، والسفر إلى بيروت، منتظراً انتهاء الأزمة لأعود إلى حلب. كنت أتوقع أن الأزمة سوف تنتهي سريعاً. وها قد مضت سنتان، صرفت فيهما كلّ مدّخراتي، دون وجود أفقٍ للحلّ".
يُذكر أن عدداً من أبرز الوجوه الطبية في حلب قد تعرّض للقتل أو للاختطاف. وقد ورد في تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، منتصف العام الماضي، أن "143 عاملاً في القطاع الطبيّ قد قتلوا، بينهم 64 طبيباً و27 صيدلياً و 52 مسعفاً". وتشير إحصائيات توزّع الضحايا إلى أن النسبة الأكبر من الأطباء الشهداء كانت تتركّز في مدينة حمص، يليها ريف دمشق وإدلب ثم حلب.
أما عن الأطباء المعتقلين في سجون النظام فتذكر الشبكة السورية لحقوق الإنسان وجود قرابة الثلاثة آلاف معتقلٍ من العاملين في المجال الطبيّ، وأن 13 منهم قد قضوا تحت التعذيب. بينما لا تمكن معرفة مصير الباقين، أو ظروف الاعتقال التي يعيشونها.
فقدان الدواء وعوائق استيراده وإنتاجه
نقص الدواء هو الوجه الآخر لخسائر القطاع الصحيّ السوريّ، إذ يعاني القطاع الدوائيّ اليوم من نقصٍ حادٍّ في عددٍ من الأصناف الدوائية. ويعود السبب الرئيسيّ في ذلك إلى توقف المعامل المحلية عن إنتاجها، وصعوبات استيرادها من الخارج.
ويصل عدد المعامل التي توقفت عن العمل إلى 30 معملاً، وفق تقديرات وزارة صحّة النظام. بينما خرج ما يقارب الـ24 معملاً عن سيطرة النظام، واستمرّ في إنتاج الدواء ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. أدّى هذا إلى انخفاض نسبة تغطية الدواء لاحتياجات السوق المحلية إلى 20% عام 2013، بينما بلغت هذه النسبة 90% في عام 2010.
وعن الأصناف الدوائية المفقودة في مناطق سيطرة النظام في سوريا يوضح الصيدليّ فارس لمجلة "صور": "هناك نقصٌ كبيرٌ في مادة (النتروغليسيرين)، وهي أحد أدوية الذبحة الصدرية، و(الدافلون) لتنظيم عمل الأوردة، إضافةً إلى علاجات السرطانات، خصوصاً الجرعات الكيميائية. كما تتوافر بعض الأدوية بكمياتٍ قليلةٍ جداً لا تفي بالحاجة، خاصّةً بعض الأدوية الهضمية، وأدوية التهاب الكبد، وبعض المضادّات الحيوية".
استيراد الدواء المفقود محلياً هو الحلّ الذي لجأ إليه عددٌ من المستودعات والشركات الدوائية، في سعيه لسدّ النقص الحاصل في السوق المحلية. وقد صدرت العديد من القرارات عن حكومة النظام تحدّد شروطاً معينةً لاستيراد الدواء، أهمها حصر الاستيراد بالدول "الصديقة" لسوريا، وهي روسيا وإيران والصين وبعض الدول الآسيوية. ويتعر ّض كلّ من يخالف هذا القرار للملاحقة القانونية.
يشتكي عددٌ من الأطباء والصيادلة من انعدام فعالية بعض الأدوية المتوافرة في السوق. ويرى الصيدليّ صلاح أن "انعدام الرقابة الدوائية خلال عملية التصنيع، في جميع المعامل، سهّلت على هذه المعامل القيام بتجاوزاتٍ في الالتزام بشروط التصنيع والجودة. فعمليات الرقابة باتت تقتصر على عيّناتٍ يقدمها المعمل لوزارة الصحة من الأدوية التي يريد طرحها في مناطق النظام، فيما تنعدم الرقابة بشكلٍ تامٍّ في المناطق المحرّرة".
وتنتشر في بعض مناطق سيطرة المعارضة في شمال سوريا سوقٌ سوداء لتجارة الأدوية، التي لا يُعرف مصدرها بالتحديد، إلا أن معظمها مصنّعٌ في الهند. ويعتبرها عددٌ من الصيادلة مشبوهةًّ، مما يشكل خطراً على صحّة المرضى هناك.
***
الأطباء في مناطق سيطرة المعارضة:
اعتداءات وإضرابات... تحت قصف البراميل
(3)
سامي الحلبي
تتعرض المنشآت الطبية في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة في مدينة حلب، إلى الكثير من الصعوبات، خلال عملها في تقديم الرعاية الطبية لسكان هذه المناطق. إذ تعاني بشكل مستمر من مخاطر استهدافها من قبل طيران النظام من جهة، ومن مضايقات بعض الفصائل العسكرية المعارضة من جهة أخرى.
ضرب وإضراب!
مؤخراً تكررت حوادث الاعتداء على الكوادر الطبيّة في عدد من المشافي، كمشفى القدس في حي السكري، ومشفى دار الشفاء بحي الشعار. وأتت حادثة مشفى عمر بن عبد العزيز بحي المعادي، لتفجر الوضع، مؤدية إلى توقف العمل الطبي في المدينة، حتى تحقيق مطالب العاملين في المجال الطبي.
وعن تفاصيل الحادثة، يشرح ناشطٌ من المدينة، رفض الكشف عن اسمه، لمجلة "صور"، أن "عناصر مسلحين تابعين لحركة حزم، تهجموا بتاريخ 23-8-2014 على عاملين في مشفى عمر بن عبد العزيز، على خلفية دخول أحد عناصر الحركة إلى المشفى بقصد العلاج، ومحاولته فرض إرادته على الطبيب المعالج والكادر الطبي".
ويسرد الناشط التفاصيل بالقول: "طلب العنصر من الطبيب الذي عاينه أن يجري له صورة شعاعية، فقال له الطبيب أن جهاز التصوير معطل ولا يعمل، وبعد إصرار العنصر على طلبه بطريقة فظة، تعالت الأصوات بين الطبيب والعنصر، وتدخل رفاق المريض المسلحين، وقاموا بضرب الطبيب، مع مجموعة من العاملين والممرضين، الذين تدخلوا لحل الخلاف. في أعقاب ذلك تدخلت مجموعة ثانية، من عناصر حركة حزم، واعتدت مرة ثانية على الطاقم الطبي. ما استدعى القائمين على المشفى، إلى إعلان إغلاقه حتى إشعار آخر، بغرض حماية الكادر الطبي والمرضى المتواجدين فيه".
ويوضح "أبو الفحم"، وهو أحد المسعفين في النقطة الطبية في حي بستان القصر، لمجلة صور، أن من قام بالاعتداء على الطاقم الطبي، هم مجموعة تعرف بـ "النحلاوية"، وهي مجموعة من مقاتلي الجيش الحرّ، انضموا مؤخراً لحركة حزم.
ويضيف أبو الفحم أن "النحلاوية هم مجموعة من أبناء قرية تدعى نحلة، ولهم تاريخ طويل من الفساد، وكانوا سابقاً مسؤولين عن معبر كراج الحجز الفاصل بين شطري حلب، وقد فرضوا حينها الكثير من الأتاوات على المدنيين المنتقلين بين شطري المدينة".
وتعتبر هذه الحادثة الثانية من نوعها، حيث اعتدى عناصر من حركة حزم أيضاً، منذ أسابيع، على عاملين طبيين في مشفى القدس بحي السكري، ما دفع كوادر المشفى إلى إعلان الإضراب، والتوقف عن العمل. وخرجوا بمظاهرة تندد بالانتهاكات التي يتعرض لها العاملون في القطاع الطبي من بعض فصائل المعارضة.
بالمقابل، نفى أبو عرب، أحد القادة العسكريين لحركة حزم بحلب، في بيان مصور، مسؤولية الحركة عن الاعتداءات، وادّعى أن من قام بها إحدى الفصائل الأخرى، وأن الحركة تدخلت لحل الإشكال بعد سماع عناصرها أصوات إطلاق النار.
هذه الحادثة وغيرها، أثرت سلباً على سير العمل في مشافي حلب، ودفعت العديد من العاملين بها، لترك عملهم بسبب تعرضهم للخطر. ويعتبر أبو الفحم أن على الفصائل المقاتلة "أن تحترم الخدمة الإنسانية التي يقوم بها العاملون في المشافي، لإنقاذ حياة عناصرها، وحياة بقية المرضى، كما عليها التدخل لحماية المشافى لا التسبب بالمشاكل".
الهيئة الشرعية تتدخل كوسيط لحماية المشافي
على خلفية الاعتداءات المتكررة على المشافي والكوادر العاملة فيها، ناشدت الهيئة الشرعية بحلب بتاريخ 24-8-2014، كافة الأطباء العاملين في مشافي حلب الواقعة تحت سيطرة المعارضة، بالرجوع إلى أعمالهم، ووعدتهم بأنها "ستضرب بيد من حديد كل من يعتدي عليهم بسوء"، وأكدت أن"أي اعتداء على الكوادر الطبية، هو اعتداء على كل مسلم شريف مرابط على أرض الشام".
وطالبت العناصر المسؤولين عن حماية المشافي، بالتواصل مع الهيئة الشرعية، عند حدوث أي طارئ، لاتخاذ الإجراءات اللازمة على وجهة السرعة.
إلا أن معظم العاملين في المجال الطبي، توقفوا عن أداء عملهم، بدءً من تاريخ 26-8-2014، بقرار من لمجلس الطبي الموحد، وأعلنوا إضراباً شاملاً عن أداء العمل في كافة أنحاء المدينة، احتجاجاً على عمليات الاعتداء التي يتعرضون لها، مطالبين بإيجاد حل جذري للمشكلة.
وبرر المجلس الطبي إضرابه "بعدم تسليم الجناة من حركة حزم للهيئة الشرعية، التي قبلت كل الأطراف الاحتكام إليها، بعد مضي 72 ساعة على الحادثة، إضافة لأسباب سابقة كالاعتداءات المتكررة، على العاملين في مشفى الزرزور والقدس، وتكسير صيدلية تابعة لمشفى دار الشفاء، من قبل عناصر تابعين للجيش الحرّ"
على إثر ذلك، اجتمع ممثلون عن كل من جيش المجاهدين، وحركة نور الدين الزنكي، وجبهة النصرة، والجبهة الإسلامية، والهيئة الشرعية، والمجلس الطبي لمدينة حلب، مساء السادس والعشرين من ذات الشهر، في محاولة لإيجاد حل للأحداث الأخيرة، وأعلنوا توصلهم لاتفاق صلح، تضمّن تسليم العناصر الذين قاموا بالاعتداء على مشفى عمر بن عبد العزيز، ومحاكمتهم أصولاً، وعدم السماح لعناصر الحماية المفرزين إلى المشافي بالدخول إليها دون عذر طبي، كما تضمنت الاتفاقية عدم اعتقال إي عنصر من الكادر الطبي، إلا بعد إبلاغ إدارته أصولاً عبر الهيئة الشرعية.
واشترط المجلس الطبي تقديم اعتذار مكتوب من الفصائل الموقعة على الاتفاقية، ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وتعهد بدوره بتقديم العلاج لجميع أبناء المدينة، مدنيين وعسكريين.
"الدولة الإسلامية" تقتل الأطباء بعد تكفيرهم
لم تسلم الطواقم الطبية من ممارسات تنظيم "الدولة الإسلامية"، إذ قام عناصر "الدولة" بخطف وتصفية الكثير من الأطباء والممرضين، إضافة لاعتقال العشرات، الذين ما يزالون مجهولي المصير.
وفي حادثة مروعة، أقدم التنظيم على ذبح الطبيب محمد أبيض، أحد أبناء منطقة اعزاز، الذي يعمل في مشفى "أطباء بلا حدود"، بحجة أنه ينوي السفر وإكمال دراسته في "بلاد الكفر" (ألمانيا)، إضافة لاتهامه بالعمل مع "أعداء الإسلام".
في حادثة أخرى، قتل عناصر التنظيم، الطبيب حسين سليمان، الملقب بأبي ريان، وهو أحد الأعضاء الفاعلين في حركة أحرار الشام الإسلامية، حيث تم العثور على جثته، بعد أن تم تعذبيه بطريقة شنيعة. وبرّر التنظيم حادثة القتل بأن أبا ريان يعمل مع "الصحوات".
كما أعدم التنظيم اثنين من المسعفين العاملين في النقطة الطبية بحي بستان القصر، بتهمة "الرّدة" والتعامل مع "الغرب الكافر"، حيث تم العثور على جثتي المسعفين في مشفى الأطفال في حي قاضي عسكر، إضافة لحوالي خمسين جثة تعود لناشطين من أبناء المدينة.
طائرات النظام تستهدف المشافي بالبراميل المتفجرة
في سابقة تاريخية، استهدفت طائرات النظام المشافي والكوادر الطبية المتواجدة بها، بقصف ممنهج، باستعمال الصواريخ والبراميل المتفجرة.
يقول أبو الهدى، وهو طبيب في أحد المشافي الميدانية بحلب، إن "القصف لا يميز بين المنشآت الطبية ومقرات الجيش الحر ومنازل المدنيين. نحن نعرف أنه يستهدف الإنسان، من خلال استهدافه المتكرر للمشافي الميدانية، ما اضطرنا لإلغاء أسماء المشافي في حلب وعدم الإعلان عنها، والإشارة لها برموز تتغير كل فترة، من أجل حمايتها من قصف البراميل المتفجرة".
وقد عبّرت الكثير من المنظمات الدولية ذات الشأن، عن استيائها الكبير، من الاستهداف الممنهج من قبل قوات النظام للمنشآت الطبية، ومن المضايقات التي تستهدف العاملين في القطاع الصحي، في مدينة تعتبر الأخطر في العالم. فيما يشدد القانون الدولي الإنساني على أهمية حماية المنشآت الطبية والعاملين فيها أثناء الحروب، ويؤكد على حياديتها، وعلى ضرورة إبعاد هذه المنشآت والعاملين فيها، عن الأعمال العسكرية والقتالية.