دروس (كوباني/عين عرب) وأسئلة المستقبل
صور
كوباني، أو عين عرب، تلك المدينة السورية ذات الأغلبية الكردية، على الحدود مع تركيا، ترزح اليوم تحت وطأة حرب تدور رحاها منذ أكثر من ثلاث سنوات، تعددت فيها الجبهات العسكرية والسياسية المتصارعة، وتداخلت فيها المصالح والاستراتيجيات الدولية.
هنا لا بد من أن يُطرح السؤال: لماذا كل هذا الإصرار من قبل تنظيم الدولة الاسلامية على السيطرة على هذه المدينة الصغيرة عديمة الموارد، والتي لا أهمية إستراتيجية لها من الناحية العسكرية؟
قد تكون أهمية كوباني/ عين عرب نابعة من كونها أول مدينة تصمد في وجه تنظيم الدولة، مما دفع الرأي العام العالمي لدعمها والوقوف مع مقاومتها، لخشيتهم من وقوع المجازر بحق المدنيين من سكانها، في حال سقوطها بأيدي التنظيم.
وقد يكون لخصوصية وتعقيدات العلاقة بين الدولة التركية والأحزاب السياسية الكردية، وخاصة حزب الاتحاد الديموقراطي، دورٌ كبير في زيادة حدة التجاذبات الإقليمية في تلك البلدة المنكوبة.
كما يجب ألا ننسى أن كوباني/عين عرب، صارت في قلب النقاشات التي تثار حول العلاقة العربية الكردية في سوريا، وباتت المؤشر الأول للتفاعل بين مكونات الشعب السوري، واختباراً كبيراً لمستقبل العيش المشترك في سوريا.
وإذا ما استثنينا البعض من أصحاب النظرة القومية الضيقة الرافضة للآخر، فهناك مزاج عربي عام، يرفض الهجوم على المدينة، تجسد ذلك خاصةً في مشاركة بعض كتائب الجيش الحر في معارك التصدي لتنظيم الدولة، عبر غرفة عمليات "بركان الفرات" .
مأساة كوباني/عين عرب ينبغي لها أن تجمع السوريين عربا وكرداً، للبدء بفتح النقاشات والحوارات، بهدف التفاهم حول جملة من المشكلات المستعصية العالقة بين الطرفين. فهذه المشكلات التي تم توريثها من قبل الحكومات السابقة، يجب أن توضع على طاولة البحث والنقاش، وتشارك في بحثها منظمات المجتمع المدني والأحزاب والشخصيات الفاعلة على المستوى الثقافي والاجتماعي، لتقريب وجهات النظر، وإيجاد حلول مستدامة، تحول دون تقسيم المنطقة، وإلا سنكون أمام نتائج كارثية، قد تفتح أبواب الحرب الأهلية، خاصة أن بعض الدول الإقليمية تتلاعب بهذا الملف، وتحاول جهدها لخلق الشقاق بين صفوف السوريين.
لقد فتحت معركة كوباني/عين عرب جملة من الملفات العالقة، التي تأجل بحثها طويلاً، مثل ماهية الانتماء القومي، العربي منه والكردي، والتنوع الثقافي والإثني في الهوية السورية، واضطهاد الأقليات ومدى استعداد المجتمع لحمايتها والحفاظ على حقوقها، ودور المرأة في الحرب والسلم، خاصة بعدما أصبحت صورة المقاتلات الكرديات نموذجاً محلياً، بل وحتى عالمياً، يكسر الصورة النمطية للمرأة الشرقية. بالإضافة لدور الدين كمرجعية ثقافية، ومدى تماسه أو تعارضه مع الانتماءات القومية والاجتماعية الأخرى. فضلاً عن مخاطر التطرف الديني، وبدء نفور المجتمعات التقليدية من مظاهره وعواقبه، وأخيراً وليس آخراً جوهر الكيان السوري نفسه: على أي أساس يقوم وما هي فرصه في الاستمرار؟
كل هذه الملفات ستحضر بقوة في الأيام والسنوات القادمة، وسيكون لها دور محوري في صياغة المستقبل، لكن الغريب في الأمر هو غياب صوت منظمات المجتمع المدني، التي يفترض أن تكون حاضرة بقوة مع المواطن السوري، خاصة في مثل هذه الظروف القاسية، وأمام كل تلك التحديات التي تدخل في صلب عمل واختصاص هذه المنظمات.
توجد اليوم فرصة تاريخية في البلاد، لخلق إجماع وطني، على أساس محاربة الاستبداد والتطرف، وتفهم الحقوق الثقافية والسياسية، لكل مكونات الشعب السوري، وإذا لم تعمل منظمات المجتمع المدني على استغلال هذه الفرصة، وبناء جسور التواصل، والعمل بين الفئات الاجتماعية الأكثر تأثيراً وتأثراً، فإنها ستفقد مبرر وجودها، وسيكون من حق الشعب السوري مستقبلاً محاسبتها على تقاعسها في القيام بدورها.