مرضى السرطان في سوريا
المعاناة في ظلّ الحرب وغياب الدواء
ليلى الحلبي
يدفع المرضى السوريون اليوم ضريبة التراجع الكبير في المنظومة الصحية السورية. وإلى جانب خصوصية حالتهم الصحية، يعاني مرضى السرطان الأمرّين للحصول على العلاج داخل الأراضي السورية، متحدّين ظروف الحرب القاسية، أملاً بأن تتغلب إرادة الحياة على الموت الذي يحيط بهم من كلّ جانب.
لا يحظى مرضى السرطان السوريون بتوافر عيادات الأورام، أو المشافي المتخصّصة بالكشف المبكّر عن المرض، في مدنهم وقراهم. كما لا يحظون بتوافر العلاج، ما يضطرّهم إلى السفر ساعاتٍ طويلةً إلى أحد المراكز العلاجية القليلة الموجودة في المدن الكبرى. ويتحمّل مرضى العلاج الكيماويّ آلام العلاج ومشقّة السفر، الذي قد يستمرّ، في كثيرٍ من الأحيان، يوماً كاملاً. وتحصل قلةٌ قليلةٌ منهم على العلاج مجاناً، تبعاً لحالتهم الصحية، أو (الواسطة) التي يأتون بها. ويضطرّ آخرون إلى شراء العلاج من خارج المشفى، بالرغم من الأسعار المرتفعة لهذا النوع من الأدوية.
مراكز قليلةٌ للعلاج
معظم السوريين الذين بدأوا علاجاً مبكّراً للمرض، اكتشفوه مصادفةً خلال قيامهم بفحوصاتٍ لأمراضٍ أخرى، بسبب عدم وجود فحوصاتٍ دوريةٍ في المشافي والمستوصفات السورية. إلا أن غالبية المرضى يتمّ اكتشاف مرضهم بشكلٍ متأخّر، حين تتدهور حالتهم الصحية، ما يجعل معظمهم بحاجةٍ ماسّةٍ إلى تلقّي علاجٍ مكثّفٍ وسريعٍ لمحاربة المرض. يذكر أن سرطان الرئة عند الرجال، وسرطان الثدي عند النساء، يتصدّران قائمة الأورام التي يعاني منها مرضى السرطان السوريون، تبعاً لتقرير وزارة الصحة السورية.
يتوافر علاج الأورام في أماكن محدودةٍ جداً في سوريا. ويعدّ مشفى البيروني في دمشق أكبر المراكز المتخصّصة في علاج الأورام في البلاد. وهو يقدّم اليوم أوسع مجموعةٍ من الفحوصات والأدوية لمرضى السرطان، مقارنةً بباقي المراكز. وتشير مصادر إداريةٌ من داخل المشفى إلى أن 80% من مرضى السرطان السوريين مضطرّون إلى التوجّه إليه مرّةً واحدةً على الأقلّ، لإجراء الفحوصات التشخيصية الدقيقة، فيما يتلقّى أكثر من 50% من المرضى علاجهم كاملاً فيه.
يقول الدكتور ليث، وهو طبيبٌ متخصّصٌ في علاج الأورام: "مرضى المشفى يأتون اليوم من جميع المحافظات السورية، لإجراء الفحوص وتلقّي العلاج. يصل إلينا بعض المرضى منهكين وغير مؤهّلين لبدء العلاج، بسبب صعوبات السفر الطويل. مع هذا لا يستطيع الكثير من المرضى التوجّه إلى دمشق لاعتباراتٍ عديدة، منها قيودٌ أمنيةٌ بسبب وجودهم في مناطق تحت سيطرة المعارضة، أو لاعتباراتٍ مادّية. وفي حين كنا نستقبل أكثر من 400 مريضٍ في المتوسّط، خلال سنواتٍ سابقة، نستقبل الآن ما لا يتجاوز الـ300 مريضاً، بالرغم من أن المشفى بات يتفرّد اليوم بإجراء بعض الفحوصات، بسبب تعطّل المراكز الأخرى".
إلا أن مشفى البيروني يواجه عدداً من الصعوبات، التي تحول دون تقديمه الرعاية الأمثل لمرضى السرطان. ويوضح الدكتور ليث أن أبرز الصعوبات تتمثل بـ"نقص كمية العلاجات الكيماوية التي يحصل عليها المشفى، نسبةً إلى عدد المرضى. فالكثير من المرضى لا يحصلون إلا على الأدوية السامّة للخلايا السرطانية. كما يسبّب التوافر غير المنتظم للتيار الكهربائيّ خللاً في تقديم العلاج الشعاعيّ، بما فيه العلاج الشعاعيّ الموضعيّ. أما العلاج بوحدة الكوبالت فلا يعمل دون وجود مصدرٍ بديلٍ للطاقة".
يضطرّ معظم المرضى، اليوم، إلى شراء العلاج بأنفسهم قبل التوجّه إلى المشفى. ويقتصر توافر العلاج على صيدليةٍ واحدةٍ فقط في كلٍّ من حلب واللاذقية ودمشق. وفيما تعدّ تكاليف الأدوية السرطانية باهظةً جداً، لا يجد الفقراء من المرضى حلاً سوى انتظار دورهم للحصول على الدواء المجانيّ من المشفى، أو اللجوء إلى علاجاتٍ تقليديةٍ تعدّ عديمة الفائدة، من وجهة نظرٍ طبية.
يقول عدنان، وهو مريضٌ من سكّان دمشق: "لا أملك المال لشراء الدواء. تأجّل موعد تلقّي جرعتي من المشفى ثلاث مرّات، بسبب عدم توافر الدواء. وحالتي تسوء يوماً بعد يوم".
أما عن المراكز الأخرى في سورية، فهي تقتصر على مشفى تشرين في مدينة اللاذقية، وهو يستقبل معظم مرضى المنطقة الشمالية للبلاد. وقد وصل عدد مرضاه خلال عام 2013 إلى 2800 مريض، أكثر من نصفهم جاؤوا من خارج المدينة. إضافةً إلى شعبةٍ للأورام افتتحت مؤخراً في مشفى حلب الجامعيّ، ومشفى زاهي أزرق في مدينة حلب. وتعدّ إمكانيات هذه المراكز محدودةً جداً.
وقد نال مرضى السرطان في حلب النصيب الأكبر من الحرمان من العلاج، بسبب ظروف الحرب التي تعاني منها المدينة، إضافةً إلى فقدان مشفى الكندي، الذي كان من أكبر المراكز المتخصّصة في علاج الأورام، إلى أن تهدّم بشكلٍ كاملٍ بفعل المعارك الدائرة في المدينة.
دروب الآلام!
السفر برّاً هو الوسيلة الوحيدة للتنقّل بين المدن السورية. وبالرغم مما يحمله السفر من مخاطر الاعتقال أو الخطف أو التعرّض لنيران معارك قد تنشب بشكلٍّ فجائيّ، لا يجد المرضى خياراً آخر غير خوض هذه المجازفة في سبيل الحصول على العلاج.
يقول صادق مرعي، وهو أحد المرضى: "أسافر كلّ أسبوعين إلى دمشق لأخذ جرعتي من المعالجة الكيماوية. الطريق غير آمنٍ على الإطلاق، ويستغرق 13 ساعةً على الأقلّ. في كلّ مرّةٍ نسلك طريقاً مختلفاً تبعاً للوضع الأمنيّ. نمرّ في مناطق غير مأهولةٍ، ولا توجد أيّة استراحاتٍ أو احتياطاتٌ إسعافيةٌ أو طبيةٌ خاصّةٌ بالمرضى على طول الطريق".
يضاف إلى معاناة صادق المتكرّرة، عدم وجود مرافقٍ له خلال السفر. وهو حال معظم المرضى الذين يضطرّون إلى السفر وحدهم لاعتباراتٍ عدّة، منها الخوف وارتفاع تكاليف السفر، أو فقدان من كان يهتمّ لأمرهم.
اختفاء الدواء
اعتمدت سوريا، فيما مضى، على الأدوية السرطانية المستوردة. إلا أن كلاً من العقوبات الاقتصادية، وحصر النظام تعاونه الاقتصاديّ مع دولٍ معينة، أدّى إلى نقصٍ كبيرٍ في توافر الأدوية السرطانية في البلاد. يقول أحمد الحجّي، وهو صيدلانيٌّ ومدير أحد المستودعات الدوائية: "ليست هناك أية بدائل محلية الصنع لأدوية السرطان. وقد حظرت قوانينٌ جديدةٌ تأمين هذه الأدوية من أية جهةٍ لا تنتمي إلى ما سمّي بالدول الصديقة لسوريا، ما تسبّب بمشاكل قانونيةٍ للعديد من المستودعات التي استوردت الأدوية في وقتٍ سابق، بهدف سدّ الحاجة المتزايدة وإنقاذ المرضى".
ولا يبدو حال مرضى السرطان من اللاجئين السوريين أفضل من أقرانهم في الداخل. فقد صرّحت منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأنها باتت مضطرّةً إلى وقف تقديم العلاج لمرضى السرطان السوريين من اللاجئين، بسبب ضعف التمويل.
ويعدّ مرضى السرطان الموجودون في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة الأسوأ حالاً، في ظلّ غياب جهةٍ معنيّةٍ بتقديم العلاج لهم في مناطقهم، ما يضطرّهم إلى السفر إلى دولٍ أخرى، كتركيا أو لبنان، بحثاً عن علاجٍ مجانيّ.
ويرجّح الأطباء زيادةً مستقبليةً في عدد مرضى السرطان السوريين. والسبب، تبعاً للدكتور ليث، هو "التأثير طويل الأمد لمخلّفات الحرب، كالتلوّث بالمواد الكيماوية والعضوية والمعدنية".