الشعب السوري و«التحالف ضد الإرهاب»
بات الجميع يراقب ما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا، بعد قرار تشكيل التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، والذي بدأ أعماله في العراق بضربات محدودة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
تعددت المواقف وتضاربت حول هذا التحالف والهدف منه، غير أن الشيء المؤكد هو أن الشعب السوري هو الخاسر الوحيد في هذه المعمعة، بعدما آلت إليه أوضاع البلاد من دمار وقتل وتهجير، جراء الحرب العبثية المستمرة منذ أربع سنوات، والتي مزقت الدولة وأحالتها إلى إقطاعات لأمراء الحرب، وشرّعت الحدود أمام كل المتطرفين في العالم، لتصبح الأرض السورية مستنقعاً تنمو فيه كل أشكال التطرف والعدمية.
وإذا كان تنظيم الدولة قد دخل المعادلة السورية من بوابة أزمتها المستعصية، فإن هذه البوابة باتت مفتوحة لدخول المزيد من الجهات والقوى والأطراف، وليس علينا أن نتوقع من أية جهة، سواء كانت دولية أو إقليمية أو محلية، أن تتدخل لأغراض إنسانية، أو بهدف العمل الخيري فحسب!
أن يكون لمختلف المتدخلين في الشأن السوري مصالحهم وغاياتهم، فهذا أمر منطقي، ولكن غير المنطقي هو أن يعتقد البعض أن هذه القوى ستتدخل لأجل مصلحته الخاصة، وأنها ستنفذ كل رغباته وتطلعاته دون مقابل.
هكذا عوّل الكثيرون فيما مضى على التدخل العسكري الأجنبي ضد النظام، رغم تصريحات المسؤولين الغربيين المتكررة بعدم نيتهم التدخل، واليوم تعول نفس الأطراف على التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، رغم أن الأمريكيين صرحوا بلا أي مجال للالتباس، أن التدخل سيكون محدوداً ومقتصراً على تنظيم الدولة، دون أن يشمل بأي صورة من الصور، التعرض لنظام الأسد.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار، الانتقادات التي وجهت إلى إستراتيجية الرئيس أوباما ضد تنظيم الدولة، والاتصالات المعلنة بين الحكومة العراقية الجديدة ونظام الأسد، حول التعاون في مجال «الحرب على الإرهاب»، فإننا سندرك أن ما يحمله التحالف الجديد في جعبته لا يبشّر كثيراً بالخير.
يمكننا أن نضيف لهذا طبيعة تنظيم الدولة، الذي لا يعتمد على مواقع ثابتة وواضحة، بل يستمد قوته أساساً من مرونته وقدرته على إعادة توطين نفسه في مختلف البيئات والظروف، عدا عن خبرته في حرب العصابات والتفجيرات والهجمات الانتحارية، مما يشكك جدياً في نجاعة الأسلوب الأمريكي في مواجهته، والذي قد يكسبه دفعة جديدة، وتعاطفاً في أوساط كانت معادية له حتى وقت قريب.
ولكن هل غاية الإستراتيجية الأمريكية هي القضاء على تنظيم الدولة حقاً؟ أم الاقتصار على منعه من التمدد والسيطرة على المزيد من المناطق، وحصر وجوده في أماكن معينة، لا أهمية إستراتيجية وسياسية لها من وجهة نظر الغرب (شمال شرق سوريا مثلاً). في هذه الحالة فإن القوى «المعتدلة» في المعارضة السورية المسلحة، ستخوض حرباً بالوكالة، لن تربح فيها سوى الدمار والخراب (الذي سيدفع ثمنه المدنيون بالدرجة الأولى)، فلا هي استطاعت الخلاص من تنظيم الدولة، ولا هي تمكنت من إسقاط النظام.
لا يمكن لنا أن نتجاهل الوقائع الإقليمية والدولية، فهناك حرب بإمكانات كبرى ستجري في المنطقة، يتم التخطيط لها في مراكز صناعة القرار العالمي، ولا يستطيع أن طرف محلي أن يعتزلها أو يعلن حياده تجاهها، ولكن التعامل مع هذه الحرب لا يكون بالانخراط فيها بناء على مصالح سياسية ضيقة الأفق، لا تضع في اعتبارها مصالح الشعب السوري ومعاناته. وعلى منظمات المجتمع المدني السوري أن تكون واضحة في مواقفها: هل هذه الحرب هي حربنا؟ ما دورنا فيها ولمصلحة من؟ ما هي واجباتنا تجاه الشعب السوري الذي سيكون الخاسر الأكبر؟
وأخيراً: كيف نرى مستقبل هذا البلد المدمر، الذي أرهقته أربع سنين من النزاع، وهاهو الآن يستعد لاستقبال حرب جديدة، ولكن بمقاييس «دولية» هذه المرة؟!