عن التقسيم والتهجير وبقية المفردات السورية
*فريق صور
النظام السوري في طريقه إلى الزوال، أو في أحسن الحالات إلى الانحسار والتقوقع في مناطق محدودة، بعد أن أدخل سوريا الدولة إلى نفقٍ مظلم، لن تعرف طريق الخروج منه، إلا وهي جثةٌ مفككة.
النظام انتهى، وأنهى معه الدولة السورية، التي تأسست على يد الاستعمار الفرنسي البريطاني، كما معظم دول المنطقة، على ضوء المصالح الدولية، التي لم تراعٍ عواقب التنازع القومي والطائفي، الذي يمكن أن تعيشه مثل هذه الدول.
الدولة السورية التي مرت بطور الاستقلال والانقلابات العسكرية، ومن ثم استيلاء حزب البعث على السلطة، لم تتمكن من تشكيل كيانٍ وطنيٍ، وهويةٍ وطنيةٍ جامعة، بل أفرزت الاستبداد والاستيلاء على مقدرات الدولة، لأكثر من أربعين عاماً، ما أدى إلى أزمةٍ عميقة، بين مكونات المجتمع السوري، المتنوع عرقياً ودينياً، والممسوك بفعل القوة والقسوة التي كان يمارسها النظام، وليس بفعل الاندماج الطبيعي بين المكونات، بعكس الاختزال الذي يقدمه البعض للصورة، بمقولاتٍ تبسيطيةٍ على غرار: «كنا عايشين مع بعض وما أحلانا».
بعد خروج احتجاجاتٍ الى الشوارع، تطالب النظام بالقيام بالإصلاح والمشاركة والتداول السلمي للسلطة، توقع كثيرون أن من شأن هذا الحراك أن يصنع الاستقرار والرفاه للبلاد، لكن للأسف، لم يتحقق شيءٌ من هذا، فسقطت البلاد في دوامة الخراب والاحتراب، بسبب تمسك رأس النظام بالسلطة، رغم أنف فئاتٍ كبيرةٍ من الشعب.
وفي غياب الثقة بين المكونات، وخوف الناس من بعضها، انتقل الاحتراب الى مستوياتٍ أخرى في البلاد، بعد أن كانت محصورةً بين النظام والمعارضة المسلحة، وهذا ما يهدد بتقسيم الدولة، في ظل حملاتٍ إعلاميةٍ موتورة، تغذي التحريض وتنشر الكراهية بين مكونات البلاد، في غياب الضمانات والثقة المتبادلة بين تلك المكونات.
ولعل أحداث تل أبيض، التي اتُهمت فيها وحدات حماية الشعب الكردية، دون دليلٍ موثق، بتنفيذ تهجيرٍ عرقيٍ ضد السكان العرب، وما قيل عن قيام داعش بإعطاء مهلةٍ لأكراد مدينة الرقة لمغادرتها، هي من أخطر المؤشرات على الكوارث التي ستحل بالبلاد، إذا لم يتم التوصل بسرعة إلى حلٍ سياسي، ينهي العنف العبثي، ويعيد ترميم حياة ملايين البشر، الذين تمزقت مجتمعاتهم، وباتوا ضحية التهجير الديموغرافي السافر والممنهج. وأحلام التقسيم، التي لا تقوم على أساسٍ واقعي قابلٍ للترسخ والاستمرار، سوى التهاويم الأيديولوجية والعقائدية لميليشياتٍ أدمنت الحرب.