info@suwar-magazine.org

الفيلم الفنلنديّ رسائل الأب جاكوب

الفيلم الفنلنديّ رسائل الأب جاكوب
Whatsapp
Facebook Share

 

لمسةٌ من السحر والغفران في عالمٍ من العزلة

عمار عكاش 

 

هل ثمّة عناصر في الحياة سينمائيّةٌ وأخرى غير سينمائيّة؟!؛ سؤالٌ لطالما راودني. يتصدّى المخرج الفنلنديّKlaus Härö لهذا السؤال بشخصيّتين ونبض الطبيعة ومجرد كوخٍ ناءٍ؛ اقتصادٌ في العناصر يقارب خشبة مسرحٍ يعتليها ممثلان اثنان، يُعرض عليها ما يمرّ ببساطةٍ في الحياة دون أن يغري صُنّاع الفن؛ فيلمٌ بديعٌ ببساطته دون مفاجآتٍ أو أحداثٍ حقيقيّة.. كثيرٌ من ملامح واختلاجات وجوهٍ وسكون طبيعةٍ إلهيٍّ.

 

 

علاقةٌ غير اعتياديّةٍ بين سجينةٍ محكومةٍ بالسجن المؤبّد، اسمها لايلا، تحصل على عفوٍ وتعمل لدى الأب جاكوب في قراءة رسائل يتلقاها من بشرٍ ينشدون شفاعته. يؤدّي جاكوب المهمّة بحبٍّ وشغفٍ، بينما تقابل لايلا شغفه هذا بازدراءٍ واحتقار، حتى أنها تتخلّص من رسائله برميها في بئرٍ قديمٍ. فبطلتنا امرأةٌ مسترجلةٌ خشنةٌ، تحمل ضغينةً، وليست ضحيّةً مغلوبةً على أمرها.

 

يلتقط المخرج موادّ يوميّةً شبه ميكانيكيّةٍ، عبر مجموعة أصواتٍ: (غلّاية الماء، الشاي المسكوب في الفناجين، قرقعة الفناجين، تقطيع الخبز الخشن، صرير أخشاب أرضيّة المنزل القديم)، تدعمها أصوات الطبيعة المحيطة، مع موسيقى تصويريّةٍ لبيانو حِدادي؛

عالمٌ من العزلة يعيشه جاكوب لكنه في صومعته هذه يتواصل مع البشر ومع الله على طريقته الخاصّة، رجلٌ أعمىً يتغلّب على الوحدة أكثر من المُبصِرين!!

 

تُظهِر لقطات الكاميرا القريبة نسبيّاً تعب جاكوب وحزنه، مقابل وجه لايلا المتبلّد الجامد الحانق، وحين تبتعد الكاميرا ترسم البعد بين الشخصيتين.

ويبرع Heikki Nousiainen (في دور جاكوب) في استخدام حركات يديه وخلجات وجهه ليرسم انفعالاته وردود فعله. ويتبدّى ميراث المخرج السويديّ Ingmar Bergman في توظيف الضوء لخلق المناخ النفسيّ، فالمنزل المُعتِم يُنيره ضوءٌ خافتٌ طبيعيٌّ متسلّلٌ من النوافذ، ليعبِّر عن مناخٍ من القنوط والسوداويّة والصراع الداخليّ.

 

 

يحدث التحوّل المفاجئ في الحبكة حين تأخذ لايلا الأبَ إلى الكنيسة المهجورة لإتمام مراسم زفافٍ موهومةٍ. تتركه هناك وحده، ويقول هو بحرقةٍ:

من ذا الذي يحتاج قسّاً عجوزاً؟!.. بعد محاولة انتحارٍ تعود لايلا إلى قراءة رسائل الأب، ثمّ تبكي بحرقةٍ وتسأل: هل سأحصل على الغفران؟!..

 

فلايلا تعتقد أنها دمّرتْ حياة أختها حين قتلت زوجها الذي كان يعنّفها دوماً، تضاف إليها طفولةٌ بائسة. يُعْلِمُها الأب، في مشهدٍ مؤثّرٍ، أنَّ من دفعه إلى مساعدتها كانت أختها التي لم تكفّ يوماً عن مراسلته لتطلب منه التوسّط لدى السلطات لطلب العفو للايلا..

 

ثم يرحل الأب جاكوب خفيفاً إلى السماء، إلى إلهٍ يؤمن به يحبُّ الناس ويغفر لهم، وتهدأ نفس لايلا وقد نالتِ الغفران؛ غفرانٌ ذاتيٌّ يسمح لها بالتحرّر من عباءة الماضي الثقيلة..

 

فالكلمات حين تقال بعذوبةٍ ورقّةٍ وصدقٍ لها وَقْعُ السحر، ولعلّ هذا ما دفع الإنسان إلى الإيمان بسحر التعاويذ. أوَلسنا بحاجةٍ إلى لمسةٍ من السحر في عالمٍ واسعٍ لم يعد فيه شيءٌ مجهولاً فضاق حتى أطبق علينا في سجوننا الذاتيّة؟!!

 

 

 

 مشاهد من الفيلم؛

الترجمة غير متوفرة

 

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard