أهمية التوثيق القانوني للانتهاكات في سوريا ..
أهمية التوثيق القانوني للانتهاكات في سوريا، و ماهية التوثيق و صعوباته و ارتباطه بالعدالة الانتقالية
عاصم الزعبي
يعد توثيق الانتهاكات هو العملية الأهم لتسجيل ما يجري من انتهاكات و مخالفات أثناء الحروب و النزاعات و مخالفة مواثيق حقوق الإنسان من قبل الحكومات و الجماعات بحق المواطنين .
و التوثيق هو مرحلة التسجيل الدقيق لتفاصيل الوقائع و الأحداث و الأدلة المخالفة لأحكام و قواعد حقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني .
و مع اندلاع الثورة الشعبية في سورية في آذار عام 2011 بدأت تطفو إلى السطح أنماط متنوعة من الانتهاكات التي تمارسها الأجهزة الأمنية التابعة للنظام بحق المتظاهرين السلميين و تحولت لانتهاكات تتم بطريقة ممنهجة و تصدر بأوامر عليا مع مرور الوقت و خصوصاً بعد دخول الثورة في مرحلة العسكرة لتتحول إلى نزاع داخلي مسلح .
في سورية لم يكن مفهوم توثيق الانتهاكات معروفاً سابقاً بسبب منع وجود المنظمات الحقوقية و منظمات المجتمع المدني من قبل نظام الحكم , لذا بدأ عمل التوثيق من قبل أفراد ناشطين عن طريق التصوير بطرق بسيطة و تسجيل اسماء الضحايا لبثها على الإعلام دون الأخذ بالناحية القانونية لهذه المسألة .
و مع الازدياد المضطرد لأعداد الضحايا و تنوع الاساليب القمعية من قبل النظام كان لا بد من التوجه الحقيقي لتفعيل دور التوثيق القانوني لهذه الانتهاكات , فتشكلت عدة منظمات حقوقية تعمل في هذا المجال و لكن ما تزال دون المستوى المطلوب حسب المعايير المتبعة دولياً .
فهناك العديد من الصعوبات و المعوقات التي تعترض عمل هذه المنظمات في التوثيق و تتفرع إلى عدة أشكال :
أولا : الصعوبات المتصلة بأعمال التوثيق :
1: تعرض الناشطين للاضطهاد من اعتقالات تعسفية و اختطاف و محاكمات جائرة و قتل خارج نطاق القانون .
2: صعوبة التنقلات المحلية و خطورتها مما يعيق الوصول إلى العديد من أماكن وقوع الحدث .
3: الحملات المستمرة لقوات النظام من جهة و بعض الجماعات المسلحة المعارضة للنظام من جهة أخرى و التي تستهدف الناشطين في مختلف المناطق .
4: الدورات التدريبية التي تجري خارج سوريا تعرض المدافعين عن حقوق الإنسان للاختطاف و الاعتقال التعسفي و مخاطر أخرى أثناء السفر من و إلى سورية .
ثانياً : معوقات التوثيق المتصلة بالمجتمع السوري
1: ثقة الشعب السوري متدنية في مفهوم حقوق الإنسان و في العمل الذي تضطلع به منظمات حقوق الإنسان السورية و الدولية .
2: عدم فهم قسم من الشعب السوري لعملية التوثيق يشكل عائقاً في الحصول على المعلومات .
3: مصداقية ناشطي حقوق الإنسان ضعيفة نسبياً لدى السوريين غير المثقفين .
4: غالباً ما يختفي الشهود و الضحايا بعد مقابلتهم إما بسبب نزوحهم أو هجرتهم إلى خارج البلاد مما يعوق قدرة الناشطين السوريين على استكمال القضايا التي يوثقونها .
ثالثاً : معوقات التوثيق المتصلة بأعمال التوثيق بحد ذاتها .
أ: على صعيد التنسيق
1: أدى المناخ الاستبدادي في سوريا منذ عقود إلى الحيلولة دون نشوء مجتمع قوي و نابض لحقوق الإنسان و المجتمع المدني في سوريا .
2: ثمة نقص عام في التنسيق بين منظمات حقوق الإنسان السورية التي تحتاج إلى قدرات و تخصصات تنظيمية أكبر .
3: المنظمات الدولية الداعمة لجهود التوثيق لا تنسق بما يكفي فيما بينها و تواجه صعوبات في صياغة استراتيجيات مشتركة .
4: ليست هناك منهجية موحدة لأعمال التوثيق التي تقوم بها منظمات حقوق الإنسان السورية و لا توجد لذلك قاعدة بيانات موحدة تضم النتائج التي تتوصل إليها تلك المنظمات .
ب : على صعيد جمع البيانات و تحليلها
تفتقر منظمات حقوق الإنسان السورية إلى القدرات في مجال التوثيق :
1: تحتاج منظمات حقوق الإنسان السورية إلى المزيد من الخبرة القانونية المتعلقة بمختلف جوانب القانون الدولي ( قانون حقوق الإنسان – القانون الجنائي الدولي – القانون الإنساني الدولي ) .
2: كثيراً ما يتم الخطأ في التفريق بين الجرائم الدولية ( جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية و انتهاكات حقوق الإنسان ) .
صعوبة الحصول على صور الأقمار الصناعية و تحليلها .
ارتباط التوثيق بالعدالة الانتقالية
تعرف العدالة الانتقالية عموماً على أنها تطبيق لعدد من الإجراءات الرامية إلى ضمان المحاسبة على انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان بحيث تكون هذه الإجراءات مهيأة خصيصاً لتناسب سياق معين يحدث فيه تغيير في القيادة الوطنية أو تركيبة الحكم مما يفتح المجال أمام انطلاق عملية المحاسبة على جرائم ارتكبت في الماضي .
و لضمان فاعلية العدالة الانتقالية من أجل استعادة الثقة المدنية و منع وقوع عنف مستقبلي بحيث تطبق إجراءات العدالة الانتقالية معاً و هي: البحث عن الحقيقة و العدالة الجنائية و جبر الأضرار و إصلاح المؤسسات و تخليد الذكرى.
و هنا نجد أن توثيق الانتهاكات و تسجيلها و أرشفتها بالشكل الصحيح وفق المعايير و القوانين الدولية و تشكيل قاعدة بيانات موحدة لهذه الانتهاكات يشكل القاعدة الأساسية التي ستنطلق منها العدالة الانتقالية بشكل صحيح و دقيق و خصوصاً الإجراءات التي تشكل القسم الأول من العدالة الانتقالية و هي البحث عن الحقيقة و العدالة الجنائية .
بالنتيجة نجد أن عملية توثيق الانتهاكات لها من الأهمية ما يمكن اعتبارها الأساس الذي ستبنى عليه عمليات المحاسبة المستقبلية و إعادة الامور القانونية و المدنية إلى وضعها الطبيعي و من ثم الانطلاق نحو تشكيل قانون جديد يضمن العدالة و المساواة لكل أبناء سوريا دون استثناء .