info@suwar-magazine.org

تجفيف الفواكه لمجابهة حصار غوطَتَي دمشق

تجفيف الفواكه لمجابهة حصار غوطَتَي دمشق
Whatsapp
Facebook Share

 

المهندس الزراعيّ سامر كعكرلي

 

تعود إلى ذاكرتي قصّةٌ قرأتها، مفادها أن أحد ضيوف الخليفة الأمويّ يزيد بن معاوية وصف أهالي دمشق بالمبذّرين. وذلك لأنه لاحظ ثمار الفواكه تجري على سطح نهر بردى في المدينة، فظنّ أن أهل دمشق يرمون الفواكه فيه كنوعٍ من هدر النعمة التي خصّهم الله بها. ولما سمع الخليفة الأمويّ كلام ضيفه قال له إن اكتظاظ أشجار الفاكهة على جانبي النهر، من منبعه إلى مصبّه، يؤدّي إلى تساقط الثمار عليه، فتجري مع الماء لتصل إلى دمشق.

 

اشتهرت هذه المدينة، عبر التاريخ، بالفاكهة التي تنمو في جميع مناطقها، من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها. ففي الغرب جبال الزبداني وسرغايا وسهل بردى. ومن الشرق الغوطة الشرقية. ومن الجنوب خان الشيح وبيت جن وبيت سابر وعرنة وسعسع. ومن الشمال سهول صيدنايا ورنكوس وجبال القلمون. وكلّ هذه المناطق تزخر بكافة أنواع الفواكه. فالتفاح والأجاص والسفرجل والكرز واللوز والمشمش والتين والدرّاق والعنب والجانرك والنارنج والكبّاد والخوخ والرمّان، والكثير غيرها، من الفواكه التي تشتهر بها دمشق.

 

وبسبب تلك الوفرة لجأ الدمشقيون إلى طرقٍ عديدةٍ لتخزين فائض إنتاجهم الطازج، عن طريق تجفيف تلك الفواكه بهدف استهلاكها في غير مواعيد نضجها. فظهرت الفواكه المجفّفة، التي لا يمكن لأيّ زائرٍ لهذه المدينة العريقة إلا أن يبتاع منها، لتكون هديّته المحبّبة لأهله وأصدقائه.

 

يُعتقد بأن أوّل من جعل الفواكه المجفّفة منتجاً مُميّزاً لدمشق هو أحد تجّار أسواقها القديمة، الذي يُدعى بـ"سوق البزورية". إذ بدأ هذا التاجر بتجفيف الفواكه، بغرض الإتجار بها، عام 1882. وانتشرت هذه الحرفة بين بعض العائلات الدمشقية، كعائلة "السليق" و"الزنبركجي" و"الغراوي"، منذ ذلك الوقت.

 

 ولم تقتصر عملية تجفيف الفواكه على دمشق فقط، وإن كانت من أشهر المحافظات السورية بها. فالتين المجفّف اشتهرت به إدلب، والعنب المجفّف (الزبيب) اشتهرت به السويداء، واشتهرت حلب بالجوز المجفّف. ويعود التخصّص بتلك الأنواع إلى وفرة إنتاجها في تلك المحافظات.

 

يُعرّف تجفيف الفواكه بأنه جملةٌ من الإجراءات التي تهدف إلى تخليص الفواكه من معظم ما تحتويه من ماء. وتتمّ طبيعياً بواسطة أشعة الشمس أو صناعياً بواسطة الهواء الساخن، الذي يلعب دورين في عملية التجفيف الصناعيّ؛ الأوّل هو حمل الحرارة إلى الفاكهة، والثاني حمل الرطوبة إلى خارج غرفة التجفيف.

 

أما عن القيمة الغذائية فإن الفواكه المجفّفة تحتفظ بمعظم المواصفات الغذائية التي تتمتع بها الفواكه الطازجة. ولذلك فإن أوساط المتخصّصين في التغذية تنصح بتناولها. وتتميّز الفواكه الطازجة بخلوّها من الدهون، والدهون المشبعة، والكوليسترول، وبانخفاض مستوى الصوديوم وارتفاع مستوى البوتاسيوم. وتعدّ الفواكه المجفّفة مصدراً مهمّاً للألياف ولبعض العناصر الغذائية، مثل الفيتامين A في المشمش والدرّاق، والفيتامين K في الخوخ، والكالسيوم في التين. كما تحوي الفواكه المجفّفة الكثير من العناصر المغذّية المفيدةً لصحّة الإنسان، كالحديد والبورون وغيرها.

 

وإضافةً إلى الفوائد الصحّية للفواكه المجفّفة، هناك فوائد اقتصاديةٌ كثيرةٌ، يمكن تلخيصها بما يلي:

 

  1. يعدّ التجفيف من أنجح الطرق وأبسطها في مجال حفظ الغذاء.
  2. تتميّز الفواكه المجفّفة بقدرتها الفائقة على تحمّل التخزين لأوقاتٍ طويلة.
  3. المحافظة على المكوّنات الغذائية الجيّدة في الفواكه المجفّفة.
  4. يعمل التجفيف على خفض وزن المادة الغذائية المجفّفة، بسبب نزع الماء منها. مما يساعد على خفض نفقات النقل والتداول والتخزين، والاستغناء عن نفقات التبريد.
  5. يساعد التجفيف على سهولة الحصول على السلعة المجفّفة على مدار العام.
  6. يساعد التجفيف على زيادة إمكانية عرض الفواكه المجفّفة بأشكالٍ وأحجامٍ مختلفة، بما يتناسب مع أذواق المستهلكين.
  7. يعدّ تجفيف الفواكه من الصناعات الغذائية، مما يُكسب المُنتجات القيمة المضافة التي تساعد في خلق أرباحٍ إضافيةٍ للمزارع.

أما بالنسبة إلى طرق التجفيف فهناك طريقتان؛ طريقةٌ طبيعيةٌ باستخدام أشعة الشمس، وطريقةٌ صناعيةٌ بواسطة الحرارة. أما الفرق بين الطريقتين فينحصر في ما يلي:

  • يمكن التحكّم في عناصر التجفيف، من حرارةٍ ورطوبةٍ وهواء، في التجفيف الصناعيّ. أما في التجفيف الطبيعيّ فهي تتبع الظروف الجوّية التي لا يمكن التحكم فيها. ولذلك فإن الفواكه المجفّفة صناعياً تتصف بتجانسها من حيث الجودة، عكس الفواكه المجفّفة طبيعياً.
  •  
  • في التجفيف الطبيعيّ، بواسطة أشعة الشمس، تحتاج الثمار إلى مساحةٍ واسعة. أما في التجفيف الصناعيّ فيمكن الاقتصار على غرفة تجفيفٍ ذات مساحةٍ صغيرةٍ لتتمّ العملية.
  • نظراً لتجفيف الفواكه في العراء، بالنسبة إلى التجفيف الطبيعيّ، فإن عوامل التلوّث بالغبار والحشرات والطيور تكون بمعدّلٍ أكبر بكثيرٍ من التجفيف الصناعيّ، الذي يمكن التحكّم في الشروط الصحية له أكثر.
  • في التجفيف الصناعيّ يمكن التحكّم في وقت التجفيف بأن يكون قصيراً. أما في التجفيف الطبيعيّ فلا يمكن التحكّم في الوقت، الذي غالباً ما يكون طويلاً.
  • نظراً لتجهيزات غرف التجفيف الصناعيّ الباهظة، فإنه يحتاج إلى تكاليف كبيرةٍ، عكس التجفيف الطبيعيّ.
  •  

 

ونظراً للظروف القاسية التي تمرّ بها سوريا بشكلٍ عامٍّ، وغوطة دمشق بشكلٍ خاصٍّ، والمتمثلة في الحصار وتدمير البنى التحتية من كهرباء وماء ومرافق، مما يؤدّي في الوقت الراهن إلى صعوبة إقامة منشآت تجفيفٍ صناعيٍّ؛ سيتمّ التركيز على التجفيف الطبيعيّ، نظراً لتوافر شروطه.

 

عند استخدام التجفيف الطبيعيّ تجب مراعاة الشروط الصحية وشروط النظافة قدر الإمكان، للحصول على مُنتجٍ ملائمٍ للتسويق. كما يجب اختيار مكان التجفيف بعيداً، قدر الإمكان أيضاً، عن مصادر التلوّث مثل حظائر الحيوانات وأماكن تجميع القمامة. ونظراً لاحتواء الفواكه على السكّر، الذي يعدّ غذاءً للنحل، فيجب الابتعاد عن أماكن خلايا النحل. وتفضّل إحاطة مكان التجفيف بمصدّات الرياح الطبيعية، مثل الأشجار العالية كأشجار السرو Cupressus sempervirens.

 

وبهدف سرعة إنجاز العمل، مما يحافظ على جودة الثمار المعدّة للتجفيف، من ناحيةٍ، ومن ناحيةٍ أخرى تخفيف نفقات النقل؛ يجب أن تكون الأمكنة المخصّصة لإقامة غرف التبخير بغاز ثاني أوكسيد الكبريت SO2، وأحواض التغطيس، وأماكن الفرز والتدريج والتقطيع، قريبةً من أماكن التجفيف.

 

ولغرض الحصول على أكبر قدرٍ من الهواء الساخن من أشعة الشمس، من ناحيةٍ، ومن ناحيةٍ أخرى الحفاظ على الفواكه بعيدةً عن مصادر التلوّث من الغبار والحشرات؛ يمكن استخدام نوعٍ من الأقفاص

الخشبية والزجاجية التي تعمل على تركيز تسخين الهواء بواسطة أشعة الشمس. كما هو موضّحٌ في الشكل المرفق.

 

أما أنواع الفاكهة التي ينجح تجفيفها بالطرق الطبيعية فهي كثيرة. ولكن، ونظراً إلى ظروف حصار الغوطتين الشرقية والغربية، وتوافر المشمش والعنب فيهما كمحصولين رئيسيين، ولصعوبة تسويقهما بالحالة الطازجة في الظروف الراهنة؛ فسيتمّ عرض تجفيف العنب بهدف الحصول على الزبيب، وتجفيف المشمش بطريقتين؛ النقوع وقمر الدين.

 

 

تجفيف العنب للحصول على الزبيب:

 

الزبيب من الفواكه المجفّفة ذات الفائدة العالية. والتي تحوي العديد من العناصر الغذائية التي يحتاج إليها الجسم، كالفيتامينات والمعادن. أما طريقة الحصول عليه فيمكن تلخيصها بالخطوات التالية:

 

  1. نغمر ثمار العنب في ماءٍ يغلي، مضافاً إليه الصودا الكاوية بنسبة 0.5%، بهدف إزالة الطبقة الشمعية الموجودة في قشرة الثمار، لتسهيل خروج الماء منها. مع مراعاة عدم إطالة مدّة الغمر.
  2.  تُغسل الثمار جيداً عدّة مرّاتٍ، للتخلص من المادة القلوية.
  3. ثمّ تتمّ كبرتتة الثمار، إما بغمرها لدقيقةٍ واحدةٍ في محلول 2% من ثيوكبريتات الصوديوم Na2So3، أو تُعرّض الثمار لأبخرة الكبريت الناتجة عن حرق زهر الكبريت الخام.
  4. بعد الكبرتة توضع الثمار على أطباقٍ كرتونيةٍ أو خشبيةٍ، وتعرّض لأشعة الشمس المباشرة لمدّة 2-3 يوم، مع مراعاة ما يلي:
    1. عدم تكديس الثمار فوق بعضها.
    2. ضرورة تقليبها مرّةً واحدةً في اليوم.
    3.  
    4. تغطيتها في الليل لغاية شروق الشمس، لتفادي تشرّبها الندى.
  5. تنقل الثمار نصف الجافّة إلى مكانٍ مظللٍ جيد التهوية إلى أن تجفّ إلى الدرجة المطلوبة، مع مراعاة التقليب مرّةً واحدةً في اليوم.
  6.  
  7. بعد انتهاء عملية التجفيف يتمّ التخلص من الأعناق الكبيرة يدوياً. ويمكن استخدام الغربلة للتخلص من الأعناق الصغيرة.
  8. بعد ذلك تبدأ عملية الفرز والتدريج والتعبئة، ليصبح الزبيب جاهزاً للتسويق.

 

 

تجفيف المشمش للحصول على النقوع:

 

عند تجفيف المشمش بهدف الحصول على النقوع يُراعى اختيار الثمار ذات الحجم الكبير، وذات الدرجة العالية من الحلاوة. قبل البدء بالتجفيف تجب إزالة النوى يدوياً. وبعدها تبدأ عملية التجفيف التي لا تختلف عن طريقة تجفيف العنب للحصول على الزبيب، لا سيمّا في إزالة الطبقة الشمعية للثمار والكبرتة، وصولاً إلى التعبئة.

 

تجفيف المشمش لصناعة قمر الدين:

 

قمر الدين من السلع السورية، وتحديداً الدمشقية، المشهورة على مستوى العالمين العربيّ والإسلاميّ. إذ كان قمر الدين دمشق يصدّر إلى كافة أنحاء العالم، ولا سيّما في شهر رمضان الكريم. وقد اشتهر أبناء الغوطة بهذه الصناعة.

 

 

أما عن طريقة تحضير قمر الدين فتتلخّص بالخطوات التالية:

  1. يتمّ اختيار ثمار المشمش ذات الحبّات الصغيرة، والتي تتمتع بدرجة حلاوةٍ جيدة.
  2. توضع ثمار المشمش في غرفةٍ محكمة الإغلاق، لتعريضها لأبخرة الكبريت، لمدّة يومٍ واحد.
  3. بعد كبرتتة المشمش يتمّ عصر الثمار، إما يدوياً أو باستخدام آلة فرز النوى عن الثمار، التي تعمل بطريقة الطرد المركزيّ.
  4. يخلط العصير الناتج بشكلٍ جيدٍ، إما يدوياً أو آلياً، حتى يتجانس. مع إضافة القطر الصناعيّ (الغلوكوز)، بمعدّل 300 كغ لكلّ طن مشمش.
  5. يُضاف السكّر أثناء الخلط، مع استمرار التحريك، بمعدّل 100 كغ سكّرٍ لكلّ طن مشمش.
  6. بعد تجانس عصير المشمش تماماً، تحضّر دفوف النشر. وهي بارتفاع 2 سم، وعرض 25 سم، وطول 2 متر. مع ملاحظة دهنها بزيت الزيتون منعاً للالتصاق.
  7.  
  8. يوضع العصير ضمن الرفوف. ويعرّض لأشعة الشمس ليومين، مع مراعاة التغطية بشبكٍ معدنيٍّ.
  9. بعد الجفاف يُنزع قمر الدين باستخدام أدواتٍ معدنيةٍ. ويقطع حسب المرغوب. ويغلّف ليصبح جاهزاً للتسويق.

 

 

وختاماً، ففي ظلّ ما يجري في غوطتَي دمشق من حصارٍ خانقٍ طالَ البشر والشجر، وأدّى إلى موت البشر جوعاً، وإلى فساد فواكه الغوطة لعدم القدرة على التسويق خارجها؛ فإن تجفيف الفواكه ربما يكون أحد الحلول الواجب اتباعها لكسر هذا الحصار الجائر. وذلك لما تؤمّنه هذه الطريقة من موادّ عالية القيمة الغذائية، لمحاربة الجوع من ناحيةٍ، ومن ناحيةٍ أخرى لسهولة تخزين الفواكه المجفّفة المنتجة في المناطق المحاصرة ريثما يتمّ تسويقها. والأهمّ هو سهولة التجفيف وقلة تكاليفه.

 

 

  • المراجع 
  • الفوائد الصحية والغذائية للفواكه المجفّفة. الدكتور عبد الحكيم عزيزية.
الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard