من ملامح الحداثة في فن دريد رفعت الأسد*
ملاذ الزعبي
لم يدرس دريد رفعت الأسد الفن أكاديمياً، لكن هذا لا يعني أنه لا يبز فنانين كبار ابتكاراً وتجديداً بل وقدرة على الإدهاش. وفيما يدخل بإنتاجه الغزير تاريخ الفن التشكيلي في المنطقة من أوسع أبوابه، تحاول هذه المقالة مقاربة التطور التاريخي لتجربة هذا الفنان السوري البارز، وإن كانت لا تعتمد على الترتيب الزمني لأعماله من الأقدم إلى الأحدث.
حمرة (زيت على كانفاس)
والحق أن التأريخ لمسيرة دريد الأسد يبدو صعباً للغاية، إذ تتداخل معالم أكثر من مرحلة زمنية حتى ليحار المراقب الناظر إلى لوحته في تحديد إلى أي من المراحل الفنية تنتمي. ولكن بشكل عام، نستطيع تحديد تاريخين للقول بشكل تقريبي إنهما مفصليين في نضج تجربة دردو، الأولى تتمثل في الحرب الأهلية التي يشهدها بلده الشرق أوسطي منذ العام 2011، والثانية تتلخص في خروج صديقه المعارض السوري لؤي حسين من البلاد خوفاً من الجهاديين.
مع ذلك، قد يكون من المبالغة الادعاء بأن فن دردو ما بعد 2011 مثل شيئاً غير مسبوق كلياً في مسيرته، فجذور أعماله الأخيرة تمتد في تربة أعماله السابقة، إلا أننا من الممكن أن نشبه أعماله الأقرب زمنياً من وقتنا الراهن بأنها "حداثة متأخرة".
تمشيط 3 (زيت على كانفاس)
التجديد في أعماله يتخذ موقعاً ضمن ذات الإطار العام المؤسس، وإن كانت بعض اللوحات تؤذن بتغير واضح في الأسلوب.
في لوحته "الجوزاء.. أعداء" Gemini.. Enemies، (زيت على كانفاس)، يغوص دردو في خوف الإنسان من نظيره الإنسان، المثيل المطابق ليس مصدراً للطمأنينة والشعور بالأمان أبداً بل النقيض من ذلك. الخوف من الآخر، هذا الموضوع الأثير قاربه فلاسفة ومفكرون وكتاب ورجال سياسة وفنانون، لكنه في لوحة الفنان السوري يأتي في سياق اجتماعي سياسي مغاير، فدردو يدرك أن كل الانتهاكات والمجازر التي ارتكبها مقاتلو المعارضة السورية إنما كانت بسبب جهلهم بذاك الآخر الذي يلقي عليهم براميلاً متفجرة من السماء.
أما من ناحية الأسلوب فلا يمكن إغفال هذا الجمع المميز بين التعبيرية التجريدية من جهة وشخوص البوب آرت كما في الصورة الشهيرة لغلاف ألبوم فرقة بينك فلويد "جرس التقسيم" The Division Bell الصادر عام 1994، من جهة أخرى.
الجوزاء.. أعداء (زيت على كانفاس)
قدرة دردو اللافتة على الإنتاج الغزير مكنته من مقاربة مروحة واسعة من الموضوعات، في سلسلة لوحاته "تمشيط" Brushing، ثمة أنثى تسرح شعرها بمقطع جانبي، شفتاها مطموستان في رمزية بالغة الدلالات تبدأ من بطريركية المجتمع ولا تنتهي عند غياب التمثيل السياسي للمرأة السورية، أما عزلة الأنثى فلا تحيل إلا إلى السوريات القابعات في زنازين انفرادية بأقبية الأفرع الأمنية. في لوحة "حمرة" Rouge، (زيت على كانفاس- 500 دولار أمريكي) ليس واضحاً، كما في العديد من شخوص لوحات دردو، إن كان واضع الحمرة ذكراً أم أنثى، تلاعب بارع وتغييب للصفات الجنسانية يترك المتأمل حائراً. علماً أن الحيرة والارتباك هما ردتا الفعل الأولى، المقصودتان على الأرجح، اللتان تواجهان مشاهدي لوحات دردو.
التنويع الأسلوبي هو أيضاً من ميزات دردو الناتجة عن إنتاجه الغزير، فالفنان العصامي قدم مجموعة لا تنسى من فن تصوير الشخصيات- البورتريه. وإن كان هذا النوع كلاسيكياً بشكل عام فإن دردو أدخل إليه عناصر حداثية عبر اختياره لشخصيات حداثية وذات أثر في الوجدان السوري المعاصر لتجسيدها: رفعت علي سليمان الأسد، وعلي سليمان الأسد، وناعسة- والدة رفعت الأسد.
ناعسة عباد الأسد (زيت على قماش) علي سليمان الأسد (زيت على قماش) النقيب رفعت علي سليمان الأسد (زيت على قماش)
*هذه المقالة ساخرة