عن العلويّة السياسيّة وقوى السلاح
التاريخ: الجمعة, 31 تموز 2015
<h3 dir="RTL" style="text-align: justify;"> </h3>
<h3 dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="font-size:16px"><strong><span style="color:#3399ff"><span style="font-family:droid arabic naskh">علي ملحم</span></span></strong></span></h3>
<h3 dir="RTL" style="text-align: justify;"> </h3>
<h3 dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="font-family:droid arabic naskh"><span style="font-size:14px"><span style="color:#000000">في المقابلة المجراة مع المفكر السوريّ صادق جلال العظم، بمناسبة الذكرى السنوية للثورة السورية في آذار 2014، يؤكّد العظم أنه "لا يمكن للصراع أن يصل إلى خاتمته بدون سقوط العلوية السياسية، تماماً كما أن الحرب في لبنان ما كان يمكن أن تصل إلى خاتمتها بدون سقوط المارونية السياسة (وليس الموارنة) في لبنان".</span></span></span></h3>
<h3 dir="RTL" style="text-align: justify;"> </h3>
<h3 dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="font-family:droid arabic naskh"><span style="font-size:14px"><span style="color:#000000">تقودنا هذه المقولة، والاصطلاح الذي نحته العظم باستسهالٍ سريعٍ دونما أيّ تدقيقٍ وتمحيص، بعد مرور أكثر من عامٍ على إطلاقه، ومراقبة ما يجري الآن في المناطق الدرزية في الجنوب والمناطق الكردية في الشمال من معارك واشتباكاتٍ، وما يجري من مظاهراتٍ مناهضةٍ للقوى المسلحة في المناطق المحرّرة؛ إلى النظر في حقيقة مضامينه وتجلياته، خاصّةً في ظلّ تنامي الشرخ الطائفيّ في الكيان السوريّ، وامتداد لهيب الحرب السورية لتخرج من مجرّد حربٍ تهدف إلى إسقاط "العلوية السياسية" كما زعمها العظم، إلى إسقاط التنوّع والتطوّف السوريّ لصالح الكلّ الإسلاميّ السنّيّ الجهاديّ القاعديّ، نصرويّاً كان أم داعشياً.</span></span></span></h3>
<h3 dir="RTL" style="text-align: justify;"> </h3>
<h3 dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="font-family:droid arabic naskh"><span style="font-size:14px"><span style="color:#000000">لم تكن "العلوية السياسية"، إن قبلنا بهذا الاصطلاح، يوماً ما حقيقةً متأصلةً تحكم قانون الدولة وصيرورتها خلال حكم الأسد. إن هذه العلوية، إن كان لها وجودٌ حقاً وحقيقةً، فإنه بإمكاننا تلمّسها من خلال طبقةٍ من أبناء كلّ الطوائف السورية دون استثناءٍ، الذين دخلوا في أجهزة الأمن والجيش، وشكّلوا ما يمكن أن نسمّيه "طبقة الحكام" لهذه الأجهزة. بحيث غدت أجهزة الأمن السورية، وقطعُها العسكرية، كتائبَ، أو حتى عصاباتٍ، مُشكّلةً لصالح هذا الضابط العلويّ أو ذاك الدرزيّ أو ذلك السنّيّ أو غيره. ستشكّل هذه الطبقة بطانةً للنظام، لا بل ستشكّله كجوهرٍ وكيانٍ، مع تتالي عقود حكم آل الأسد للدولة والمجتمع. وستتخذ ملامح مشتركةً في السلوك والتفكير. يشيع عند هذه الطبقة استخدام طريقةٍ واحدةٍ في الكلام وأسلوب الحديث، تقترب من طبيعة كلام أهل الساحل السوريّ من العلويين. وسيكون لهم أن يتقمّصوا مظاهر من التدين العلوي أيضاً. بحيث أن رئيس فرع فلسطين الآن، وإن كان من الطائفة المسيحية، يستخدم شمّاعة اللهجة والكلام والمظهر العلويّ الساحليّ، بشكلٍ يدخل فيه فيما يمكن أن نسمّيه "العلوية السياسية".</span></span></span></h3>
<h3 dir="RTL" style="text-align: justify;"> </h3>
<h3 dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="font-family:droid arabic naskh"><span style="font-size:14px"><span style="color:#000000">جعلت هذه الحقيقة المزيفة عن طبيعة "العلوية السياسية" قوى المعارضة المسلحة وكتائب الثورة تختطّ لنفسها قناعةً راسخةً لا تزول "إن كلّ النظام بمخابراته وجيشه علويٌّ ولا شيء عداه". ومهما كانت الحجج والأمثلة المطروحة مقنعةً عن وجود قياداتٍ من طوائف أخرى في بنية النظام، لها في تكوينه وتشكيله دورٌ أساسيٌّ، فإن ذلك لا يمكن إلا أن يكون مجرّد حدثٍ عابرٍ لا يغيّر من التهافت الطائفيّ الذي تغرق فيه هذه القوى منذ أكثر من ثلاث سنواتٍ، ولأسبابٍ عدّةٍ لسنا بصددها الآن. وإن كانت لهذه القوى، في وقتٍ مضى، تطلعاتٌ وقياداتٌ ذات توجهٍ لا طائفيٍّ، فإن انتشار الأسلمة والنصرنة والدعشنة جعل هذا التهافت الطائفيّ لا يزيد إلا استعاراً، ويمتدّ ليلغي الآخر المختلف، ويشمل الكلّ السوريّ الآخر في خانة "العلوية السياسية" وشيطاناتها.</span></span></span></h3>
<h3 dir="RTL" style="text-align: justify;"> </h3>
<h3 dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="font-family:droid arabic naskh"><span style="font-size:14px"><span style="color:#000000">الآن، ليس هناك أيّ مكانٍ لأية أقليةٍ، دينية كانت أم قومية، في سوريا التي من المفترض أنّ على "القوى الثورية" أن تحرّرها من "العلوية السياسية". فالدروز في ريف إدلب هم "آخرُ" لا يدخل في ظلّ حماية دولة جيش الفتح ما لم يدفع جزيةً أو يكون فديةً لرعونة عناصر تونسيةٍ وأجنبيةٍ من جبهة النصرة. والأكراد في عين العرب لا وجود أو اعتراف بقوميتهم، بالتأكيد، في قواميس داعش التي، وإن كانت تختلف مع كتائب ثوريةٍ في الشكل، فإنها كثيراً ما ضمّت عناصر انشقت عنهم لصالحها، حتى غدا من السهل اليوم على المقاتل أن يخرج من النصرة أو أحرار الشام ويدخل معتقلات داعش لمدّةٍ ثم يخرج فيقاتل تنظيماته السابقة لصالح دولة الخلافة.</span></span></span></h3>
<h3 dir="RTL" style="text-align: justify;"> </h3>
<h3 dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="font-family:droid arabic naskh"><span style="font-size:14px"><span style="color:#000000">إذاً، ليس ما يجب على الكتائب والقوى المسلحة الإسلامية الخلاص منه الآن هو "العلوية السياسية" فقط، بل عليها، لتشكيل سوريا الإيمان أو الخلافة، أن تتخلص من كلّ المكوّن التنوّعيّ الطائفيّ والقوميّ لصالح الكلّ الداعشيّ أو النصرويّ أو غيره.</span></span></span></h3>
<h3 dir="RTL" style="text-align: justify;"> </h3>
<h3 dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="font-family:droid arabic naskh"><span style="font-size:14px"><span style="color:#000000">لكن الثورة السورية، التي حملت تنوّعاً لا مثيل له في سنتها الأولى، وما تزال تحمله من خلال ما بقي من حراكٍ شعبيٍّ نراه اليوم في الغوطة الشرقية أو في سلقين وإدلب المدينة ضدّ كلّ مستبدٍّ وطاغيةٍ وديكتاتور، ستكون الحامل الذي سيوجّه نحو التخلص من كلّ هذا الإلغاء والإقصاء للتنوّع السوريّ بطوائفه وقومياته. لتكون سوريا المستقبل للجميع دون أيّ تمييز.</span></span></span></h3>
نسخ رابط المقال