سوريا دولةٌ منتهكة السيادة
*فريق صور
يبدو أن الصراع في سوريا دخل مرحلةً جديدةً أكثر تعقيداً وخطورةً. فبعد أن كان دور الدول الإقليمية يقتصر على تقديم الدعم لبعض القوى والكتائب في حروبها، انتقلت تلك الدول إلى التدخل بشكلٍ مباشرٍ، واستغلال غياب سلطةٍ مركزيةٍ وطنيةٍ سوريةٍ، لتحقيق أهدافٍ لم يستطع حلفاؤها على الأرض تحقيقها.
تركيا، الدولة التي امتنعت عن المشاركة في التحالف الدوليّ العربيّ لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، إذا لم تشمل الضربات الجيش السوريّ، بدأت تحشد قوّاتها العسكرية على الحدود السورية منذ أسابيع، بعد سيطرة القوّات المشتركة على مدينة تل أبيض وطرد تنظيم الدولة "داعش" منها.
توغلت القوّات التركية في منطقة الراعي بريف حلب، بحجّة محاربة تنظيم الدولة، وأقامت منطقةً عازلةً بطول 90 كلم وعمق 40 كلم، بحسب المعلومات المتداولة في وسائل الإعلام التركية حول اتفاقٍ تركيٍّ أمريكيٍّ على ذلك.
ويعدّ هذا التوغل للقوّات التركية ضمن أراضي سوريا الأوّل من نوعه منذ أن بدأت الأزمة. وهو انتهاكٌ لسيادة بلدٍ طالما انتُهكت سيادته في أوج قوّة دولته، من قبل إسرائيل. كما انتُهكت سيادته حين تمّ السماح لآلاف المقاتلين الأجانب بالدخول إلى أراضيه عبر الحدود مع دول الجوار، وتحويله إلى مستنقعٍ للإرهاب.
كما أن لهذه التحرّكات العسكرية أثرها الكبير على حركة اللاجئين من سوريا إلى تركيا وبالعكس. فتركيا، التي تملك أطول خطٍّ حدوديٍّ مع سوريا، هي البلد الذي استقبل أكبر كميةٍ من اللاجئين، إذ يدخل إليه ما يقارب 60 ألف لاجئٍ كلّ يوم. ومع توتر الحدود يصبح من المستحيل تأمين سلامة هؤلاء اللاجئين المحاصرين بين نار الحرب السورية من جهةٍ، ورصاص حرس الحدود التركية من جهةٍ أخرى.
وبغضّ النظر عن أسباب التدخل التركيّ العسكريّ المباشر، سواءٌ أكانت تخصّ الشأن الداخليّ التركيّ، فيما يتعلق بالتخلص من الأزمة التي خلفتها نتائج الانتخابات الأخيرة، أم خارجيةً متعلقةً بما تعدّه تركيا خطر تشكيل كيانٍ كرديٍّ على حدودها مع سوريا، وتهديد أمنها القوميّ؛ فإن هذه التدخل سيزيد من تعقيد الأوضاع في سوريا، كما أنه سيفتح الأبواب أمام بقية الدول الإقليمية للتدخل بشكلٍ علنيٍّ ومباشرٍ بحجّة الحفاظ على أمنها ودعم حلفائها ومصالحها على الأرض، الأمر الذي سيؤدّي إلى تفتيت سوريا حتماً. وسط شللٍ كاملٍ للشرعية الدولية وللمؤسّسات المسؤولة، نظرياً، عن فرضها على اللاعبين الإقليميين.