"ورمٌ" في الفلسفة
نارت عبد الكريم
كان، وما زالَ، هاجسُ الفلاسفة البحثَ عن الحقيقة وإيجادَ المعنى. لكنَّ الكثيرَ من الفلسفة، وخصوصاً الحديثة منها، معلَّقٌ على مسمار الكوجيتو حيث عبارة ديكارت الشهيرة "أنا أفكر إذاً أنا موجود".
في حين أنَّ لسقراط قولٌ آخر اشتُهِرَ به منذ ألفي عامٍ تقريباً، هو "اعرف نفسك". وفيما تقدَّمْنا به تكمنُ المفارقة، إذ إنَّ تلك العبارتين، مع أنَّهما صادرتان عن فيلسوفين عظيمين، متناقضتان تماماً، فالأولى تهتمّ بعالم الموضوعات والمجرّدات، وتدعو إلى التوجّه نحو "الخارج"، في حين تَحُضُّ الثانية على الاهتمام بعالم الذات، والتوجّه نحو "الداخل".
على نهج الأوّل قامتْ أُسُس فلسفتنا الحديثة منذ مائتي عامٍ على الأقلّ. وعلى الرغم من أنَّ الجميع، بلا استثناءٍ، يُشِيدُ بالثاني، أي بسقراط، ويرونه أبا الفلسفة قاطبةً؛ إلاَّ أنَّهم يكتفون بترديد عبارته تلك دون الأخذ بها. فعلام ذلك؟ وما علاقته باختراع الآلة وما نتجَ عنها من تراجع دور العضلات في حضارتنا البشريَّة؟
وبمناسبة الحديث عن الحقيقة والفلسفة والمعنى، بشكلٍ عام، تُرى ما الذي أوصلَ فلاسفةً عِظاماً، في أواخر حياتهم، مثل نيتشه وآلتوسير، إلى حافة الجنون؟ أهو لقاؤهم بالحقيقة وقبضهم على المعنى، أمْ أنَّ هنالك أسباباً أخرى لا نعرفها؟
حول تلك الأسباب، وفي معرض ردّه على سؤالٍ وجهته له كلير فاران: هل تعتقد أنَّنا في الغرب مسكونون بشخصٍ مثل ديكارت، الذي وَسَم الغرب بِسِمَتِه، أَكْثَرَ مما نحن مسكونون بالله؟ يجيبُ المتصوّف الكنديّ "إريك باريه" باختصارٍ شديد: "الله" هو الذي ينيرُ الحياة، أمَّا ديكارت فغير موجود. كلّ ما هنالك أنَّهُ وَسَمَ عدداً من أساتذة الجامعات الذين يحتاجون إلى كسب معاشهم.