info@suwar-magazine.org

النوروز كقيمة رمزية ورهانات المعارضة والنظام

النوروز كقيمة رمزية ورهانات المعارضة والنظام
Whatsapp
Facebook Share

 

مجيد محمد

 

في ظل سيطرة الدولة الأمنية على مرافق الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية في المجتمع السوري أثناء حكم الأسد الأب، عانى السوريون عموماً من اضطهاد السلطات الحاكمة في دمشق، فيما تعرض الأكراد لاضطهاد مزدوج، مرّة لأنهم سوريون وأخرى لأنهم أكراد، فتعرضت المناطق الكردية في سوريا لمشاريع استثنائية وقوانين وانتهاكات لحقوق الإنسان أكثر من أي منطقة أخرى إذا عقدنا مقارنات مع باقي المناطق التي تعرضت لضغوطات وسياسات سلطات دمشق القمعية على المدى الطويل، والتي استهدفت تغيير النمط الحياتي والديموغرافي في مناطق انتشار الأكراد الطبيعية شمال وشمال شرقي البلاد.

 

وكباقي شعوب المنطقة، فإن للشعب الكردي مناسبات وأعياد خاصة به، أهمها عيد النوروز والذي يصادف يوم الـ 21 من شهر آذار من كل عام، ويعتبر بداية التقويم الربيعي في عرف شعوب المنطقة، يحتفل به الأكراد على شكل تجمعات بشرية في كل مناطق تواجدهم، ويمارسون خلاله طقوساً احتفالية مشتركة، تتراوح بين عروض مسرحية لفرق فلكلورية محلية وخطابات سياسية ودبكات شعبية من التراث باللباس الشعبي المميز لكل منطقة وأغاني قومية، منع الأكراد من حقهم في الاحتفال بهذا اليوم استناداً لفكرة الحصار الثقافي الممارس ضد الأكراد في سوريا، خدمة لمشروع إرهاق المكونات الاجتماعية السورية بينهم المكون الكردي.

 

رغم ذلك، استمر الكرد بممارسة طقوس عيدهم الخاص بشكل سري وبمجموعات صغيرة غالباً ما اتخذت طابعاً اجتماعياً مغلقاً، حتى كان عام 1986 حين خرج مجموعة من الشبان الكرد في مظاهرة أمام القصر الجمهوري بمدينة دمشق مُتَحدّين قرار السلطات السورية بمنع احتفالات النوروز، فاستقبلهم الأمن السوري بالرصاص، ما أدى لمقتل الشاب سليمان آدي من أبناء مدينة قامشلو.

 

 

شكّلت هذه الحادثة منعطفاً في المسار السياسي والاجتماعي الكردي من زاوية تحدي السلطات الأمنية، التي جعلت من يوم الـ 21 من آذار عطلة رسمية في دوائر الدولة لكن ليس احتفالاً بعيد خاص بأحد مكونات المجتمع السوري إنما بمناسبة عيد الأم لتجنب مزيد من التصعيد والاصطدام بالحالة العاطفية المرافقة لهذه المناسبة، إلا أن ذلك لم يمنع الأكراد في السنوات اللاحقة من إحياء عيد النوروز بالطريقة التي كانوا يريدونها، فكان لهم ذلك، رغم المضايقات الأمنية والاعتقالات والملاحقات التي طالت العشرات من النشطاء في كل عام.

 

 

نقلت هذه الخطوة المجتمع الكردي من مرحلة المهادنة مع السلطة إلى أخرى تمثّلت في انتعاش الحركة السياسية الكردية التي اتخذت من يوم النوروز منبراً لتقديم خطابها السياسي لشريحة أوسع من الأكراد في الفترة التي كانت فيها وسائل الإعلام مقتصرة على الجرائد والبيانات المطبوعة، فتوسعت القاعدة الشعبية لتلك الأحزاب التي تنوعت خطاباتها السياسية ومشروعاتها النضالية ومواقفها من سلطات دمشق بشكل تراكمي، أدى لاتساع رقعة الوعي السياسي والاجتماعي لدى شريحة أكبر من الكرد، والذين باتوا أكثر دراية بمسوغات مشاريع النظام السوري التي تستهدف مناطقهم، ليصبحوا أكبر قوة سياسية اجتماعية منظمة في سوريا.

 


 

لاحظت القوى السياسية المعارضة باختلاف توجهاتها في سوريا التحول الذي يشهده المجتمع الكردي المحلي وتنامي قوته التنظيمية ووعيه السياسي وإدراكه لأبعاد المشكلة الوطنية السورية عبر طروحات أحزابه القومية والتي لم تتخطى سقف الحل الديمقراطي العادل لقضيتهم في إطار وحدة البلاد، فبدأت هذه القوى بالتقرب من الحركة السياسية الكردية التي ربما رأوا فيها حاملاً يعول عليه في عملية التغيير الديمقراطي في البلاد، فكان المدخل الأكثر نجاعة لتكوين علاقات قوية مع المكون الكردي هو عيد النوروز، فبدأت هذه القوى بالمشاركة في أعياد النوروز وإن بشكل خجول سعياً لإيصال أفكارها للمكون الوحيد المتعاطي مع الحالة السياسية في ظل اغتراب باقي المكونات عن الممنوع في دولة البعث.

 

 

وبالفعل، بدأت المعارضة تدرك أكثر فأكثر أهمية استغلال القوة المتنامية للمجتمع الكردي الذي تشبع إلى درجة تفوق غيره من المجتمعات المحلية السورية بأفكار معارضة للسلطة، وإن لم يكن للأكراد مشكلة مع من يحكم في دمشق، بل كان همهم الرئيسي هو رفع الظلم والقوانين الاستثنائية عن كاهل ظهرانيهم وبيئتهم المحلية وإفساح المجال أمام حضورهم الثقافي ولغتهم الأم وحقهم في ممارسة العمل، أي يمكن اختصار جل مطالب الكرد بحقوق مواطنة متساوية، على الرغم من بروز قوى سياسية أخرى رفعت خطابات ذات نفس قومي أكثر تشدداً.

 


 

مع وصول بشار الأسد إلى سدّة الحكم، كانت سيرورة النوروز تأخذ طابعاً دراماتيكياً ومضى باتجاهات أوحت لسلطات دمشق الجديدة بأن نهضة فكرية وسياسية واجتماعية على وشك الانبعاث بين الأكراد، فبدأت بفرض قيود جديدة على يوم النوروز والتحضيرات الخاصة به، بالرغم من خطاب القسم الذي صرّح فيه بشار الأسد بأنه قادم لإصلاح أخطاء المرحلة السابقة ونقل سورية إلى مرحلة جديدة، لكن عكس ذلك هو الذي حدث خاصة بعد أحداث الـ 11 من أيلول/سبتمبر في نيويورك واجتياح قوات التحالف الدولية العراق والانتفاضة الكردية في 12 آذار من العام 2004، كل هذه الأحداث جاءت في خدمة النظام السوري وبعكس الاتجاه التصاعدي بالنسبة لتجذر يوم النوروز في ظل الارتباك السياسي الذي طال الحركة السياسية الكردية، مرت عدّة سنوات بعد ذلك دون أن يحتفل الأكراد بعيدهم وسط انقسام سياسي كبير بين أحزاب الحركة السياسية الكردية.

 

 

في بداية الحركة الاحتجاجية في العالم العربي كان متوقعاً أن تشهد سوريا ثورة شبيهة بنظيراتها في تونس ومصر وليبيا واليمن، وهذا ما حدث بالفعل، ولأن الاحتجاجات السورية بدأت في آذار، التفتت القوى السياسية السورية لرمزية شهر آذار بالنسبة للكرد الذين يتجمعون بأعداد غفيرة في مناسبة النوروز، في محاولة لإضفاء الطابع الجماهيري والشعبي على الحركة الاحتجاجية الوليدة، فشهدت وسائل التواصل الاجتماعي حملة تضامنية ولأول مرة من كل النشطاء السوريين في مشهد هو الأول من نوعه منذ عام 1986 مع عيد النوروز، ولأن النظام يعلم بأن الكرد معارضون لسياساته مسبقاً فقد تخوف من هذه التحركات التي تدفع باتجاه تبني الأكراد للاحتجاجات، فلم يمارس ضغوطاته المعتادة على النشطاء والمواطنين الكرد في مناطقهم وكذلك لم يمنع الاحتفالات في دمشق وحلب، لكنه أحكم تطويق كل التجمعات البشرية، واستبق الأمور بتصريحات سياسية تسعى لتحييد نوروز عام2011 عن الاحتجاجات، من خلال الادعاء بحماية هذه «المناسبة الوطنية» المسماة وطنياً «عيد الأم» من هجمات المجموعات المسلحة في أول تغير ملحوظ تجاه التعاطي مع الملف الكردي منذ بدء الثورة السورية.

 


 

اشتدت بعدها وتيرة الرهان بين المعارضة والنظام على استمالة الأكراد، فسعى كل طرف لتقديم رؤيته الخاصة بحل القضية الوطنية الكردية، لكن هذه الرؤى كانت قاصرة ولم تتعاطى مع أبعاد القضية الكردية الأساسية إنما اتخذت طابعاً تجميلياً لما هو قائم بالأساس دون تقديم تصور لحل جذري كان من شأنه أن يقلب موازين الأمور والتوازن في المعادلة السورية.

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard