تزويج القاصرات السّوريات في دول اللجوء: الأسباب والإحصائيات والنتائج
عاصم الزعبي
لم يكن للأزمة السورية أثرها من ناحية الدمار والقتل الذي شهدته البلاد خلال السنوات الماضية فقط، فذلك كان الواجهة الطبيعية لأيّ حربٍ تندلع في بلدٍ كسورية بين نظامٍ قمعيٍّ يحكم بالحديد والنار ومعارضةٍ لم تجد عن حمل السلاح بديلاً للدفاع عن الناس الذين خرجوا مطالبين بحقوقهم المشروعة بشكلٍ سلميٍّ، فقوبلت مطالبهم بالقتل والاعتقال والتشريد.
لم تقف آثار الحرب على ما ذكر، بل امتدّت إلى ما هو أبعد من ذلك. فالأزمات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية التي يمرّ بها السوريون تعدّ الأكبر بعد الحرب العالمية الثانية. وقد لجأ قرابة الستة ملايين سوريٍّ إلى دول الجوار، الأمر الذي أدّى إلى تشكيل مجتمعاتٍ جديدةٍ كان السوريون فيها دائماً الحلقة الأضعف.
وأدّت هذه الأزمة إلى نشوء أزمةٍ اقتصاديةٍ كبيرةٍ، إذ تشير الدراسات الأخيرة أن ما لا يقل عن 80% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر. وأدّت هذه الأزمة الاقتصادية، بالإضافة إلى الأزمة النفسية والاجتماعية لدى اللاجئين، إلى ظهور نوعٍ من الانتهاكات الأسرية لم تكن معروفةً في المجتمع السوريّ، أو ربما كانت نادرة الحدوث.
كانت الفتاة السورية الضحية الأبرز لهذه الأزمة بمختلف جوانبها لدى قسمٍ من العائلات التي لجأت إلى دول الجوار. ومن هنا بدأت فكرة تزويج الفتيات القاصرات بالظهور والازدياد التدريجيّ مع اتساع الأزمة وامتدادها الزمنيّ.
كان أحد أهمّ أسباب بروز هذه الظاهرة هو محاولة الهروب من مخيمات اللجوء سيئة السمعة داخل المخيمات نفسها وفي أوساط المجتمع الخارجيّ، إضافةً إلى الوضع الاقتصاديّ والعوز الشديد الذي أدّى إلى القبول بتزويج القاصرات من بعض الجنسيات العربية والخليجية بشكلٍ خاصٍّ مقابل بعض المهور المرتفعة.
ففي الإحصائية الصادرة عن دائرة قاضي القضاة في الأردن، في شهر آذار من العام 2015، يتبيّن الخط البيانيّ لأعداد السوريات القاصرات اللواتي تمّ تزويجهنّ في المملكة منذ بداية اللجوء السوريّ في العام 2011، ليصل في العام 2015 إلى 3178 فتاةً، أعمارهنّ بين 15 – 18 سنة.
في العام 2011 كانت هناك 42 حالة زواج فتياتٍ قاصرات.
في العام 2012 كانت هناك 148 حالة زواج فتياتٍ قاصرات.
في العام 2013 كانت هناك 735 حالة زواج فتياتٍ قاصرات.
في العام 2014 كانت هناك 2253 حالة زواج فتياتٍ قاصرات.
وفي لبنان كان الوضع الاقتصاديّ العامل الأبرز الذي دفع إلى تزويج الفتيات القاصرات. ولوحظ انتشار هذا الزواج بين اللواتي لم تتجاوز أعمارهنّ 14 - 15 سنة.
وغالباً ما يكون الأزواج متزوّجين، ومن أعمارٍ متقدّمةٍ، وبعضهم يعمل في مجال الإغاثة.
وأوضحت منظمة اليونيسيف أن بعض الأهالي زوّجوا بناتهم القاصرات من أجل حمايتهنّ من الظروف المعيشية السيئة، بحجّة أن الزواج سيضمن لهنّ فرصة الاستقرار مع رجالٍ يعيشون في ظروفٍ معيشيةٍ أفضل من ظروفهن.
وفي تركيا بات هذا النوع من الزواج منتشراً، خصوصاً في مخيمات اللجوء وفي بعض المدن كما في الريحانية.
وتنطوي بعض الحالات على استغلال اللاجئين نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي، إذ يقوم بعض الأتراك بالزواج من سوريةٍ تكون هي الزوجة الثانية، نظراً لانخفاض مهرها بالمقارنة مع مهر الفتاة التركية.
ولزواج القاصرات العديد من الآثار السلبية:
أولاً) على المستوى القانونيّ: غالباً ما يحصل هذا الزواج بشكلٍ عرفيٍّ، أي خارج نطاق المحاكم المختصّة في دول اللجوء، مما يفقد الفتاة العديد من حقوقها في حال الطلاق أو وفاة الزوج، ويضطرّها إلى البدء بمعاملات تثبيت الزواج التي غالباً ما تكون صعبةً جداً لصعوبة القوانين وتشدّدها في هذه الدول، خصوصاً في التعامل مع السوريين بوصفهم لاجئين.
وكثيراً ما ظهرت حالاتٌ من عدم إثبات الزواج وضياع الحقوق المادية والمعنوية للفتاة وعدم ثبوت نسب بعض الأطفال، مما تنتج عنه مشكلاتٌ أكبر في المستقبل.
ثانياً) على المستوى العلميّ: تفقد القاصرات اللواتي تزوجن حقهنّ في إتمام الدراسة، وتُحرمنَ من تأسيس مستقبلٍ أفضل. وعلى عكس ذلك، يجري زجّهنّ في حياةٍ لسن مؤهلاتٍ بعدُ لخوضها.
ثالثاً) على المستوى النفسيّ: يشير بعض الأطباء النفسيين إلى أن القاصرات اللواتي اخترن الزواج هرباً من قساوة العيش معرّضاتٌ بشدّةٍ لتأثيراتٍ نفسيةٍ سلبيةٍ قد تهدّدهنّ بمآسي لا يمكن تقدير مدى خطورتها.
فالقاصر قد لا تتكيّف مع الواقع الجديد والمسؤوليات، مما يؤدّي إلى حالات انتحارٍ أو هروبٍ من الواقع عبر إدمان الكحول والمخدّرات. وقد سُجّلت عدّة حالاتٍ كان هذا مصيرها، بشكلٍ خاصٍّ في لبنان.
كما يؤدّي طلاق القاصر المتزوّجة إلى تعرّضها للاستغلال وللابتزاز الجنسيّ من بعض الرجال. وسُجّلت العديد من هذه الحالات، وصدرت عدّة تقارير عن ذلك في لبنان. وغالباً ما كنّ يتعرّضن للابتزاز من مسؤولي الإغاثة.
في النتيجة، المرأة السورية هي من يدفع الثمن الأكبر في هذه الحرب التي يغضّ كلّ العالم الطرف عن الانتهاكات الكبيرة التي تحصل فيها. وبشكلٍ خاصٍّ المجتمع العربيّ ذا الصبغة الذكورية الذي لا يحمي حقوق المرأة في السلم فكيف سيحمي حقوقها خلال الحرب.