info@suwar-magazine.org

أرامل الحرب: بين فقد أزواجهنّ وتحدّيات الحياة

أرامل الحرب: بين فقد أزواجهنّ وتحدّيات الحياة
Whatsapp
Facebook Share

 

 

هاديا المنصور

 

بدموعٍ غزيرةٍ تودّع نهى أطفالها الثلاثة الذين تركتهم عند عائلة زوجها المتوفى، بعد أن قرّرت الزواج وبدء حياةٍ جديدة.

نهى السويد (28 عاماً)، من مدينة كفرنبل في ريف إدلب الجنوبيّ، واحدةٌ من نساءٍ كثيراتٍ فقدن أزواجهنّ في الحرب الدائرة في سوريا، وبدأن يعانين حياةً صعبةً مليئةً بالفقر والعوَز تحت وطأة العادات والتقاليد التي لا تزال تتحكّم في المجتمعات الريفية في تلك المنطقة.

 

تقول نهى: "عشت ظروفاً قاسيةً بعد اعتقال أحد حواجز جيش النظام زوجي أحمد في 25/10/2013. كنت أحتمل الفقر والتشرّد وتحكّم أهلي في حياتي: لا تفعلي كذا، لا تذهبي إلى أيّ مكان، لا تبحثي عن عمل. مجموعةٌ من اللاءات كان عليّ الالتزام بها، إضافةً إلى تحكّم أهل زوجي أيضاً".

 

كانت نهى تتحمّل كلّ ذلك على أمل عودة زوجها سالماً ذات يوم، غير أن الأمور لم تجرِ كما كانت تأمل بعد وصول خبر وفاته داخل سجن عدرا بدمشق حيث كان معتقلاً بتهمة الإرهاب. شعرت نهى أن الدنيا باتت مظلمةً، ولم تعد تحتمل ما تعانيه مع أطفالها، على حدّ تعبيرها.

 

حاولت نهى البحث عن عملٍ تستطيع من خلاله إعالة أطفالها الثلاثة؛ علاء (5 سنوات)، وعلا (3 سنوات)، وسارة (سنة ونصف)، لكنها لم توفق بالعثور على عملٍ مناسبٍ، خاصّة وأنها لا تملك أيّ شهادةٍ أو خبرةٍ.

 

كانت تعيش مع عائلة زوجها الذين لا يكادون يؤمّنون قوت يومهم، لأنها لم تكن تملك منزلاً تأوي إليه مع أطفالها. وكان عليها تحمّل طباع والدة زوجها وأخواته اللواتي كنّ في شجارٍ دائمٍ معها، فكانت تذهب الى بيت أهلها لتمضي عندهم بضعة أيامٍ. تقول: "أهلي أيضاً فقراء، ومنزلهم صغيرٌ. وبذهابي إليهم مع أطفالي يضيق بهم المكان أكثر. صحيحٌ أنهم كانوا يحاولون أن لا يشعروني بذلك ولكني كنت أعرف كم تسبّب لهم زيارتي من أعباء". تشير نهى إلى أن كلّ ذلك دفعها في نهاية الأمر إلى الزواج، بعد أن تقدّم لها عريسٌ ذو إمكانياتٍ ماديةٍ جيدةٍ، فأرادت وضع حدٍّ لتشرّدها ومعاناتها حتى لو كان ذلك على حساب أطفالها. تقول بغصّةٍ وتنهّد: "سيكبر أطفالي ذات يومٍ وسيتفهمون وضعي، وستكون لهم حياتهم. أما أنا فلم يكن لديّ خيارٌ آخر، لأن وضعي كان متّجهاً من سيءٍ الى أسوأ".

 

 

نهى واحدةٌ من ثماني زوجاتٍ اضطررن إلى الزواج بعد وفاة أزواجهنّ، على صعيد قرى جبل الزاوية البالغ تعداد سكانها 850 ألف نسمة، حيث تشكل نسبة النساء الأرامل 25% بحسب تقديرات المجلس المحليّ في كفرنبل الذي يشرف إدارياً على تلك المناطق.

 

أما نور (25 عاماً)، من قرية معرة حرمة، إحدى قرى جبل الزاوية أيضاً؛ فهي واحدةٌ من كثيراتٍ رفضن الزواج وبقين حاضناتٍ لأطفالهنّ، رغم كلّ الظروف التي مرّت بها بعد وفاة زوجها أثناء قصف الطائرة الحربية للقرية في 5/9/2013، تاركاً ثلاث بناتٍ صغيراتٍ (أمل وأحلام وسابين).

 

تقول نور إنها ليست مستعدّةً لأن تتخلى عنهنّ رغم كلّ شيء، ومع تقدّم العديد من العرسان لخطبتها. وعن حياتها بعد وفاة زوجها تتحدث: "واجهت في البداية بعض المشاكل مع أهلي وأهل زوجي. كان عليّ أن أساير في أوّل الأمر، إلى أن أمّنت لي إحدى صديقاتي عملاً في أحد المراكز النسائية في معرة حرمة".

 

كان على نور أن تقنع أهلها وأهل زوجها بضرورة أن تعمل، فقد كانوا ضدّ هذه الفكرة بسبب العادات والتقاليد وكلام الناس. إذ تقيّد العادات حركة المرأة في البيئات الريفية، وتحول دون خروجها من بيتها وبحثها عن عمل.

 

 

لكن نور لم تيأس. واستطاعت، بمساعدة أحد الأقرباء، إقناع أهلها بضرورة أن تعمل، خاصّةً وأنها وجدت العمل المناسب وهو تسجيل أسماء النساء اللواتي ينتسبن إلى المركز لتعلم المهن، مثل الخياطة والتطريز والنسيج وغيرها. تنوّه نور إلى أنها حاصلةٌ على الشهادة الإعدادية فقط، وأن مديرة المركز أرادت توظيفها بسبب وضعها.

 

وتقول: "باتت أموري أفضل مع عملي هذا، فقد أصبحت قادرةً على تأمين ما تحتاجه بناتي دون مساعدةٍ من أحد. المهم في الأمر أن زوجي ترك لنا بيتاً صغيراً نعيش فيه ولا نضطرّ إلى أن نسكن مع أحد".

يقول أبو عمر (45 عاماً) أخو زوج نور: "لم نكن موافقين على عمل نور؛ ماذا سيقول الناس عنا؟ سيقولون إننا عاجزون عن التكفل بعائلة أخي بعد وفاته. كنا نستطيع أن نجمع لها من العائلة مبلغاً شهرياً يكفيها مع بناتها".

 

من جهةٍ أخرى تقول سحر (48 عاماً) والدة نور: "وقفت مع ابنتي وساعدتها في إقناع والدها وإخوتها بعملها، فذلك أفضل من أن تنتظر من الآخرين أن يصرفوا عليها وعلى بناتها".

 

 

توفي زوج سمية الأحمد (38 عاماً)، من قرية جبالا، جرّاء سقوط إحدى القذائف أمام منزله، تاركاً ستة أولادٍ، أربع بناتٍ وولدين. وعن معاناتها تقول سمية: "شعرت باليأس بعد وفاة زوجي. وسألت نفسي كيف سأنفق على أولادي بعد وفاته وأنا لا أملك من النقود إلا القليل، كما أنني لا أملك أيّ شهادةٍ أو مهنةٍ تساعدني على ذلك، وأولادي صغارٌ ولا يستطيعون العمل أيضاً؟". في بداية الأمر كانت تتلقى المعونات من بعض الجمعيات الخيرية، ولكن هذه المساعدات لم تكن كافيةً ودائمة. لم تقف سمية مكتوفة الأيدي، وخاصّةً بعد افتتاح فرعٍ خاصٍّ بالنساء لمركز التدريب المهنيّ في قرية جبالا، فسارعت إلى التسجيل وتعلم مهنة الخياطة. وبمساعدةٍ من مديرة المركز اشترت ماكينة خياطةٍ وبدأت تعمل في هذا المجال. تعبّر سمية عن سعادتها قائلة: "سررت كثيراً بعملي هذا الذي منعني من سؤال الآخرين، ودفع عني الفقر والعوز، وأشعرني بالسعادة والثقة بالنفس".

 

تقول أم عبدو (40 عاماً)، إحدى جارات سمية: "فرحت لتحسّن حال جارتنا بعد إتقانها لمهنة الخياطة. وتشجيعاً منا لها فنحن جميعاً، أنا وبناتي وقريباتي وجاراتي، نخيط ملابسنا عندها". تضيف أم عبدو أن الزمن زمن حرب، والنساء من يقع على عاتقهنّ العبء الأكبر لمواجهة تحديات هذا الزمن الصعب. وتتمنى لو أن جميع النساء المتضرّرات كنّ مثل سمية، لا يستسلمن للظروف بل يسعين إلى تحسين أوضاعهنّ متحدياتٍ كلّ الصعوبات.

 

 

أبو حسين (42 عاماً)، أحد أعضاء المجلس المحليّ في كفرنبل، يتحدث عن أوضاع الناس في ظلّ الأزمة الراهنة قائلاً: "لقد ارتفع عدد الأرامل إلى 25%، وكذلك أصبح اليتامى والفقراء والمحتاجين أكثر من نصف السكّان. نحن في المجلس نحاول توزيع المساعدات التي تصل إلينا بالتساوي على المتضرّرين بما فيهم الأرامل. ومع ذلك فهنّ لا يستطعن الاعتماد على المساعدات فحسب، نظراً للغلاء الفاحش والأوضاع الاقتصادية المتردية".

 

 

 

مواد شبيهة

 

حكاية المرأة في المناطق الكردية في سوريا

زوجات لمهاجرين وأخرياتٌ يُجلدن... حكايا نساء من دير الزور

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
آخر المقالات
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard