القلب المزروع
ملاذ الزعبي
كان لا بدّ من احتفاءٍ يتناسب وحجم الحدث، فهذه أوّل عملية زراعة قلبٍ تشهدها البلاد في تاريخها، والمثال الأبرز على القفزة النوعية التي حققها عالم الطب في عهد السيد الرئيس. منذ الصباح، حضر مندوبو الصحف الثلاث تشرين والثورة والبعث، ومندوب الوكالة العربية السورية للأنباء- سانا، وفريقٌ إخباريٌّ من التلفزيون العربيّ السوريّ، ومراسل إذاعة دمشق، وروبرت فيسك، وحشدٌ من جماهير شعبنا.
في السادسة من مساء اليوم ذاته، وزّع المكتب الصحافيّ في وزارة الصحة البيان التالي: "تحت رعايةٍ كريمةٍ من راعي الصحة والأصحاء، السيد الرئيس حافظ الأسد، وبتوجيهٍ من السيد وزير الصحة، تجري صباح الغد أوّل عملية زراعة قلبٍ لمواطنٍ من الجمهورية العربية السورية، في إنجازٍ قوميٍّ غير مسبوقٍ، وكثمرةٍ مباشرةٍ من ثمار الحركة التصحيحية المجيدة".
كانت العملية قد أُجلت عدّة أيامٍ بعد صعوبة العثور على متبرعٍ بقلبٍ سليمٍ، وهو ما تمّ تلافيه عبر تعذيبٍ حدّ الموت لمعتقلٍ من الساحل السوريّ، من خلفيةٍ شيوعيةٍ، على يد جلّادٍ من دير الزور وسجّانٍ من درعا، في سجنٍ أشرف عليه مصطفى طلاس، بموافقةٍ مباشرةٍ من عبد الحليم خدام، واطلاعٍ من محمود الزعبي، وجهلٍ كاملٍ من جانب علي دوبا وعلي حيدر وعلي خزام وعلي أصلان وعلي حبيب وعلي الديك بما يحصل من تعذيبٍ وتجاوزات. (رفعت الأسد طبعاً كان يجهل هو الآخر وقوع كلّ هذه الانتهاكات).
وما إن لفظ المعتقل أنفاسه الأخيرة حتى تمّ التحفظ على قلبه وحُدّد الموعد النهائيّ للعمل الجراحيّ. حضر الفريق الطبيّ المكوّن من مجموعةٍ من أكفأ الأطباء السوريين من خرّيجي جامعات بوخارست وموسكو وكييف وصوفيا وألمانيا الشرقية، بمعاونة مجموعةٍ من ملائكة الرحمة من ذوات المكياج الرهيف. ووقع الخيار على مشفى ومسلخ تشرين العسكريّ، كمؤسّسة الدولة التي ستحتضن هذا الإنجاز الوطنيّ غير المسبوق. كان المريض المستفيد من هذه العملية شرطياً يتحدّر من محافظة إدلب.
أُتي بالسطل المعقّم بالكلور، والذي كان يحوي القلب، فيما تمّ تعقيم غرفة المريض وإحضار شراشف مغسولةٍ لسريره. تابع الرئيس الأسد دقائق من البثّ المباشر للعملية، ثم وجّه سؤالاً لكبير الجرّاحين الذي وضع المشرط على جنبٍ. سأله الرئيس: "ماذا ترى وأنت تطلّ على هذا القلب السوريّ المزروع؟". ردّ كبير الجراحين: "في الحقيقة إني مسرورٌ جداً وسعيدٌ لأني أرى قلباً سورياً نابضاً، أراه رائعاً جميلاً كما هو في الحقيقة". وتابع نقل مشاهداته بأمانةٍ للسيد الرئيس: "إنني أرى شرايينه الجميلة الرائعة. أرى دماءه الحمراء الجميلة، وأرى تضاريسه؛ أرى البطين الأيمن شامخاً وأذيننا الأيسر الحبيب. إني أرى كلّ بقعةٍ فيه رائعةً جميلة. إنني جداً سعيدٌ لهذه المشاهدة".
عاد كبير الجرّاحين إلى عمله بعد انتهاء البثّ المباشر، وانهمك يبحث عن مقصٍّ أضاعته ممرّضةٌ في مكانٍ ما في جسم المريض. وما هي سويعاتٌ وإلا كان الإعلان عن إتمام العملية بنجاحٍ وسط هتافات الجماهير المحتشدة العفوية المعلنة عن استعدادها لافتداء حافظ بالروح والدم. وفي صباح اليوم التالي شيع أهالي الشرطيّ الإدلبيّ فقيدهم إلى مثواه الأخير.