السوريون يهجرون اقتصاداً وطنيّاً خذلهم لتطوير اقتصادات أوروبا
رنيم سالم
لا يتعدّى عدد السوريين في أوروبا ربع الموجودين في تركيا... وتزوير الجوازات يضخّم أعدادهم
الشهابي: سيطرة تجّار الحرب وزعران اللجان على الصناعيين دفعتهم إلى الهجرة..
15 مليون دولارٍ جنتها شبكات تهريب البشر إلى اليونان خلال 3 أشهر
هجرة السوريين تستنزف 420 مليون دولارٍ من اقتصاد بلادهم.. والأسد: للهجرة سببان
حمو: الطلاب أكثر قابليةً للاندماج في أوروبا، يليهم العمال، ثمّ كبار السنّ
يمثل بائع الفلافل السوريّ الذي تجمهر أمامه مئات الألمان، في فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعيّ، واحداً من أهمّ الأهداف الرئيسية لاستقبال اللاجئين السوريين في ألمانيا.
إنه الاقتصاد.. هو الذي دفع ألمانيا إلى إلغاء اتفاقية دبلن، بما يسمح للاجئين السوريين بالتدفق إلى أراضيها حتى إن اضطرّوا إلى البصم في دولةٍ أخرى. والاقتصاد هو الذي دفعها إلى تعليق اتفاقية شنغن، التي تقضي بإلغاء عمليات المراقبة على الحدود بين البلدان، بعد موجة هجرةٍ إلى أراضيها تدّعي أنها صارت تشكّل عبئاً على اقتصادها.
ألمانيا وأوروبا أمام فرصةٍ عظيمةٍ، حسب ما يقول مدير منظمة الهجرة العالمية، لاسي سوينغ، في ضوء استمرار تراجع معدّلات النمو السكانيّ. إذ يُتوقع تناقص عدد القادرين على العمل في الاتحاد الأوروبيّ بواقع 13 مليون شخصٍٍ عام 2030.
وستدفع ألمانيا لتحقيق هذا الغرض، حسب ما أعلنت، 10 مليارات يورو، وهي تكلفة استقبال اللاجئين السوريين. ويشكّل هذا الرقم أربعة أضعاف ما أنفقته على اللاجئين العام الماضي.
وإن كان هؤلاء اللاجئون لا يلقون القدر ذاته من الترحيب بين دول الاتحاد الأوروبيّ، فلهذا الأمر أسبابٌ تعود إلى اختلاف الظروف الاقتصادية لكلّ بلد. فبريطانيا، مثلاً تفضّل تقديم المساعدات الإنسانية، وترفض استقبال أكثر من 10 آلاف لاجئٍ سوريٍّ. كما عمدت المجر إلى نشر سياجٍ من الأسلاك الشائكة على طول حدودها مع صربيا منعاً لتدفق اللاجئين.
أما من داخل سوريا فإن أوّل تصريحٍ صدر عن حكومة وائل الحلقي بخصوص اللاجئين، وبعد 4 أعوامٍ على الحرب، كان صادماً للكثيرين. إذ لم ينظر وزير الاقتصاد، همام الجزائري، إلى حجم الخسارة السورية جرّاء خروج هؤلاء، الذين تستقطبهم ألمانيا بكلّ ما أوتيت من مالٍ وقوّة، إلا من زاوية استنزاف المهاجرين للقطع الأجنبيّ. مقدّراً أن كلاً منهم يسحب من البلد 7 آلاف دولارٍ، كاشفاً عن الخسارة التي تكبّدها اقتصاد النظام جرّاء الهجرة، والتي وصلت -حسب تصريحات الوزير- إلى 420 مليون دولارٍ، نظراً إلى أن غالبية المهاجرين باعوا ممتلكاهم وبيوتهم وسياراتهم ومصاغهم واشتروا دولاراتٍ لدفع تكاليف الهجرة. وهو نزيفٌ آخر لموارد الدولة، كما قال.
ما هي مصلحة الدول الأوروبية في استقبال اللاجئين السوريين؟ وكيف ستتأثر من تدفقهم إلى أراضيها؟ وكيف سيتأثر الاقتصاد السوريّ؟ وما الأسباب الاقتصادية لهذه الهجرة؟؟ تساؤلاتٌ يجيب عنها الملف التالي.
هجرة أموال حلب:
يبدو الحديث عن هجرة رؤوس الأموال أخطر على الاقتصاد من هجرة الطبقات المتوسّطة أو الفقيرة؛ فالصناعيون يغادرون وفي جيوبهم أموالٌ تكفي لفتح معامل ومشاريع كبرى، ويخلّفون وراءهم كمّاً هائلاً من البطالة. ويُرجع رئيس غرفة صناعة حلب، فارس الشهابي، هجرة رؤوس الأموال إلى تقصيرٍ من حكومة وائل الحلقي، معتبراً أن عدم تعامل هذه الحكومة مع الصناعيين على أساس أنهم متضرّرون جعلهم يغادرون. وقال: منذ عامين قلنا اجعلوا حلب مدينةً ”منكوبة“، وامنحوها ذات المزايا التي مُنحت لحماة عام 1982، وأكثر قليلاً باعتبارها، حسب الأمم المتحدة، المدينة الاكثر تضرّراً ودماراً في العالم بعد الحرب العالمية الثانية. وقدّمنا كلّ الدراسات والاقتراحات والتوصيات حول هذا الموضوع، بما يضمن الحفاظ على الحياة والعمل، ويطلق مشروع إعادة البناء، بغرض تعويض الناس عن أضرارهم وعن مخاطر حياتهم، وتحفيزهم للعمل والإنتاج تحت ظروفٍ قاهرة، ولكي يتمكنوا من إصلاح حالهم وحال مدينتهم وبالتالي إصلاح قاطرة النموّ الاقتصاديّ في البلاد.
وأضاف الشهابي: لم نطلب أموالاً بل طلبنا الرعاية والاحتضان بدل الجباية والتطفيش. تلقينا الوعود وانتظرنا، ولم يحدث شيءٌ، حتى أُفرغت حلب من أهلها تدريجياً، وأصبحت الآن المدينة الأكثر تشرّداً في العالم.
ولا يرى الشهابي أن وراء الهجرة أسباباً سياسية، بل يدّعي أن معظم مَنْ هاجر هم مِن فئة الموالين، لأنهم غادروا الآن وليس في بداية الحرب. وعزا هجرتهم إلى أسباب الخوف وغلاء الأسعار وانعدام الثقة بالمستقبل وانتشار الفساد وسيطرة تجار الحرب، ومن وصفهم بـ"زعران اللجان"، على حياتهم. معتبراً أن حكومة الحلقي خذلت هؤلاء السوريين الذين حزموا حقائبهم ولم تستطع توفير العمل لهم رغم كلّ الوعود، بل عمدت إلى حجز أموال الصناعيين والمواطنين المتعثرين ضريبياً ومصرفياً وملاحقتهم وعاقبتهم على صمودهم وبقائهم في البلاد.
فيما يسوق الائتلاف السوريّ لقوى الثورة والمعارضة أسباباً أخرى لهجرة السوريين، وأغلبها سياسية؛ مثل الخوف من سوق الشباب إلى الخدمة الإلزامية، وعمليات الاعتقال والقصف الذي يمارسه النظام. أما رأس النظام، بشار الأسد، فرأى، في حديثه لوسائل إعلامٍ روسيةٍ، أن السوريين هاجروا بسبب الإرهاب، ولأنهم يريدون كسب رزقهم في مكانٍ ما من العالم بعد تدمير البنى التحتية في البلاد، في إشارةٍ منه إلى أن الهجرة تعود إلى أسبابٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ معاً.
ثلاثة أشكالٍ وستّ نظرياتٍ لهجرة السوريين:
وبالانتقال إلى أسبابٍ أكثر صلةً بالاقتصاد، يقسم الباحث الاقتصاديّ جوان حمو هجرة السوريين، منذ اندلاع الحرب في بلادهم، إلى ثلاثة أشكال؛ فإما أن تكون هجرةً نظاميةً بموجب قانون الكفالة، أو هجرةً غير نظاميةٍ تسمّى بالهجرة غير الشرعية، أو هجرةً على شكل لمّ شملٍ أسريٍّ.
ويستعرض حمو النظريات المفسِّرة لظاهرة هجرة السوريين إلى أوروبا على الشكل التالي:
1- النظرية التقليدية:
تركّز على أنَّ هجرة السوريين إلى أوروبا ستمنحهم إمكانية الحصول على فرص عملٍ وزيادةٍ متوقعةٍ وفعليةٍ في الدخل، مقارنةً مع انعدام فرص العمل في سورية وتدنّي مستوى الدخل الحقيقيّ.
2- نظرية الطلب البنيويّ في الدول المتقدّمة:
يرى الاقتصاديّ دوجلاس مسي (Massey, 2003) أن سوق العمل في الدول المتقدّمة يخلق طلباً بنيوياً على العمال المهاجرين غير المهرة لملء الوظائف التي لا يقبل عليها العمال الأصليون في الدولة المستهدفة بالهجرة غير الشرعية، بغضّ النظر عن الأجور. كما يرى مسي أن اقتصاد ما بعد الصناعة وسّع الفجوة في الدخول بين وظائف أصحاب الياقات البيضاء، والتي تتطلب مستوياتٍ عاليةً من التعليم (رأس المال الاجتماعيّ) التي يتأهّل لها عادةً العمالُ الأصليون والمهاجرون الشرعيون، وبين الوظائف الدنيا غير المرغوب فيها والتي لا تتطلب تعليماً. وتتضمّن هذه الوظائف حصاد المحاصيل الزراعية والبناء والتشييد وتنظيف المساكن وأعمال الخدمة في الفنادق والمطاعم، إذ تستقطب هذه الوظائف العديد من المهاجرين غير الشرعيين.
وبالتالي فإن جلّ ما نراه في أوروبا هو أنَّ هناك توسّعاً في العمليات الصناعية والخدمية يوماً بعد يوم، وبالتالي فإن حكومات الدول الأوروبية على استعدادٍ لامتصاص العمالة المهاجرة لدمجها والاستفادة من قوّة عملها في هذه السوق. وبالتالي نرى أنَّ الكثير من اللاجئين، ومنهم السوريون، يعملون في هذه القطاعات (البناء والتشييد، والمقاهي والمطاعم والفنادق، أو كعمال مصانع... إلخ).
3- نظرية الفقر:
يوجد في سورية أكثر من عشرة ملايين شخصٍ يرزحون تحت خطّ الفقر، وحوالي سبعة ملايين عند خطّ الفقر، وحوالي مليون شخصٍ فقط يتمتعون بالرفاه الاجتماعيّ.
بالتالي فإنَّ الفقر الذي رافق البطالة في سورية دفع بالكثيرين إلى الهجرة واللجوء إلى أوروبا حيث يمكن دفع الفقر والعمل شيئاً فشيئاً.
4- نظرية لمّ الشمل الأسريّ:
ترتكز على أنَّ جميع المهاجرين السوريين في أوروبا اليوم يطمحون إلى العيش مع أقاربهم الموجودين في سورية. ويتمّ تقديم تأشيرات لمّ الشمل الأسريّ للاجئين السوريين بصورةٍ قانونيةٍ في حالاتٍ كثيرةٍ جداً يلجأ إليها اللاجئون الحاصلون على إقاماتٍ في أوروبا.
وهذه الطريقة غير مكلفةٍ مادياً، إذ نرى الكثير من الأشخاص يلجأون إلى الدول الأوروبية بطريقةٍ غير شرعيةٍ ثمّ يحاولون لمّ شمل عائلاتهم بطريقةٍ قانونيةٍ. وتلقى هذه النظرية القبول العامّ لدى المهاجرين.
5- نظرية الحروب وطلب اللجوء:
الحروب الأهلية والقمع والاضطهاد في البلد الأصليّ سببٌ من أسباب الهجرة. وتتضمّن عوامل الطرد غير الاقتصادية، مثل الاضطهاد الدينيّ أو العرقيّ وغيرهما والإيذاء المستمرّ والبلطجة والاضطهاد والإبادة الجماعية والمخاطر التي قد يتعرّض لها المدنيون أثناء الحروب الأهلية. لذلك تضطرّ بعض الدول إلى تحويل حالة المهاجرين غير الشرعيين إلى حالة طالبي اللجوء، وخاصّةً الهاربين من ويلات الحروب أو الاضطهاد والإبادة الجماعية (Fleming, 2006).
وتنطبق هذه النظرية تماماً على الوضع السوريّ، حيثُ هناك اضطهادٌ دينيٌّ من تنظيم داعش للمسيحيين واليزيديين، واضطهادٌ عرقيٌّ من داعش وجبهة النصرة تجاه الكُرد، وبلطجةٌ من مؤيّدي النظام، وإباداتٌ جماعيةٌ تقوم بها العديد من الأطراف المتصارعة.
6- نظرية متابعة التحصيل العلميّ:
تركّز على أنَّ الكثير من اللاجئين من فئة الشباب في أوروبا سعوا إلى اللجوء لمتابعة تحصيلهم العلميّ وإكمال دراساتهم العليا، في ظلّ تعرّض الكثير من الجامعات السورية للقصف والدمار، واستحالة سفر بعض الطلاب من مناطقهم إلى المدن التي كانوا يدرسون فيها.
وفي هذا الخصوص نرى أنَّ الكثير من الطلاب السوريين الذين لجأوا إلى أوروبا يبذلون جهداً في سبيل تعلم لغة الدولة المضيفة ثم التسجيل في إحدى جامعاتها.
وهنا لا يمكن التنبؤ بعودة هؤلاء الطلاب أم لا، فهي رهن الظروف التي ستكون عليها سوريا مستقبلاً وعائدةٌ لشخصية الطالب.
هكذا تسير الرحلة:
تشهد القارّة العجوز حالياً أكبر موجةٍ للهجرة إليها منذ عقودٍ، وذلك بمساعدة شبكاتٍ متخصّصةٍ تقوم بنقل السوريين إلى أوروبا. وتحدّث تقريرٌ نُشر في صحيفة الواشنطن بوست عن أن تهريب البشر يتمّ من خلال شاحناتٍ تُستخدم عادةً لتهريب السجائر، وأن بإمكان اللاجئ زيارة وسائل التواصل الاجتماعيّ واختيار طريقة هروبه من خلال قائمةٍ من الخدمات المقدّمة، تبدأ من مقعدٍ على زورقٍ مطاطيٍّ إلى اليونان، حتى طائرةٍ تجاريةٍ مستأجَرةٍ مباشرةً وصولاً إلى السويد.
ويفضّل اللاجئون الهاربون من الحرب، سواء أكانوا سوريين أم عراقيين، رحلةً طويلةً عبر دول غرب البلقان. وقد اتخذ هذا الطريق أهميةً كبيرةً خلال الفترة السابقة، عوضاً عن الطريق البحريّ من شواطئ ليبيا نحو إيطاليا، نظراً لخطورة هذا الأخير الكبيرة وطول المدّة التي يقضيها اللاجئ في البحر.
وهناك تقارير تؤكّد أن حكومة السويد استطاعت كشف العديد من الطرق والخطط التي يتّبعها اللاجئون بغية الوصول إلى السويد، بدءاً من وسائل النقل التقليدية كالسيارات أو الشاحنات، وصولاً إلى طرقٍ أكثر تعقيداً كاستئجار طائرةٍ تنطلق من تركيا. ويدفع اللاجئ حوالي 10 آلاف دولارٍ من أجل هذه الطريقة الأخيرة.
وبطبيعة الحال، يرغب الباحثون عن اللجوء في الوصول إلى الدول الأوروبية الغنية، مثل ألمانيا أو السويد، مع الخوف من اكتشاف الدول الأوروبية الأخرى لهم خلال الرحلة الطويلة التي يعبرونها وصولاً إلى مبتغاهم. لأنه في حال قيام دولةٍ أخرى باعتقالهم، مثل المجر، سيضطرّ اللاجئون إلى طلب اللجوء في بلدٍ تعدّ ظروف اللجوء فيه سيئةً جداً بالمقارنة مع الدول الغنية.
وضمن نظام التهريب هناك سعرٌ لكلّ خدمةٍ يقدّمها المهرّب. ويتراوح من 1000 دولارٍ لركوب زورقٍ مطاطيٍّ، وصولاً إلى آلاف الدولارات لرحلاتٍ أطول وأكثر تعقيداً. وفي عصر التكنولوجيا والهواتف الذكية فإن العديد من خدمات التهريب متاحةٌ عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ وباللغة العربية، وبإمكان اللاجئين التواصل مع بعضهم خلال الرحلة، باستخدام برامج مثل WhatsApp، للتحذير من وجود الشرطة أو حرس الحدود.
ويؤكّد مراقبون قانونيون أنه، على طول أكثر من ألف ميلٍ، بدءاً من الخروج من تركيا عبر البحر ووصولاً إلى برّ الأمان ضمن ألمانيا؛ يشارك المهرّبون في جزءٍ واحدٍ على الأقلّ من أجزاء تلك الرحلة التي يخوضها اللاجئ. وتتنوّع وسائل المهرّبين من القارب المطاطيّ إلى المشي على الأقدام واستخدام السكك الحديدية، انتهاءً بركوب الحافلات. وتعتقد السلطات السويدية أن 90% من اللاجئين الذين يقصدون أراضيها استخدموا المهرّبين خلال جزءٍ واحدٍ من رحلتهم على الأقلّ. ويقدّر المسؤولون الأوروبيون أن تلك الأعمال تدرّ ملايين الدولارات على شبكات المهرّبين.
ومن الإنفوغرافيك الذي نشرته جريدة الواشنطن بوست حول أسعار تهريب اللاجئين، يتضح أن تكلفة التهريب من السواحل التركية نحو الجزر اليونانية تبلغ حوالي 1000 دولارٍ لكلّ لاجئٍ، ضمن زورقٍ مطاطيٍّ يحوي أكثر من 40 لاجئاً، وهو بالكاد يتسع لعشرين. وبناءً على التصريحات عن وصول أكثر من 150 ألف لاجئٍ إلى اليونان خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، تكون شبكات التهريب التي تعمل بين تركيا واليونان قد حصلت على دخلٍ قدره 150 مليون دولارٍ أميركيّ. كما يترتب على اللاجئ دفع 1000 دولار وسطياً بغية عبور الحدود الصربية المجرية، ووصولاً إلى النمسا عبر سياراتٍ خاصّةٍ تديرها شبكات التهريب. كما يمكن للاجئين السفر جوّاً، بتكلفة حوالي 12 ألف دولارٍ للاجئ الواحد، للوصول من تركيا إلى ألمانيا أو السويد.
وقالت إيزابيل كوبر، المتحدّثة باسم وكالة الشرطة الأوروبية لضبط الحدود، إن المهرّبين في تركيا يعملون بطرقٍ أكثر تطوراً، وبوسعهم تلبية احتياجات اللاجئين من جميع الفئات وبمختلف الخيارات. وبإمكان اللاجئ البحث عن الأسلوب الأمثل والأكثر مناسبةً له من وسائل التهريب، وهناك دائماً مواعيد محدّدةٌ وبأسعارٍ مختلفة.
أرقامٌ مهولةٌ وتزوير:
تختلف أعداد اللاجئين السوريين في الدول المجاورة، وبشكلٍ أكبر في أوروبا، حسب الجهة التي تصدر الإحصائية. إذ إن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تتحدّث، في آخر إحصائيةٍ لها، عن نحو 400 ألف لاجئٍ سوريٍّ في أوروبا، 164 ألفاً منهم في السويد وألمانيا فقط.
فيما تعدّ تركيا الحاضن الأكبر للاجئين السوريين، إذ يصل عددهم فيها إلى ما يقارب المليونين. ومثلهم موزّعون في كلٍّ من مصر والعراق والأردن ولبنان مجتمعين. ما يعني أن عدد اللاجئين السوريين في الدول الأوروبية مجتمعةً لا يتعدّى ربع عددهم في تركيا وحدها.
في حين يقول مدير منظمة الهجرة العالمية إن ألمانيا تمثل ثالث أهمّ مقصدٍ عالميٍّ للهجرة، ويأتي خمس سكانها البالغين وثلث أطفالها من أصولٍ مهاجرة. وينبّه الأمين العامّ لمنظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، لاسي سوينغ، إلى وصول 350 ألف لاجئٍ في الشهور الثمانية الأولى من العام الجاري إلى إيطاليا واليونان.
ولكنّ كلّ ما سبق من حديثٍ عن أعداد اللاجئين السوريين وعن تكاليف رصدتها الدول الأوروبية لرعايتهم يبدو مبالغاً فيه وفق تأكيدات مختصّين، ولا سيما بعد تفجير قضيةٍ تؤكّد تزوير أشخاصٍ من جنسياتٍ مختلفةٍ لجوازات السفر السورية بغرض الاستفادة من حقّ اللجوء السوريّ في الدول الأوروبية. وهذا ما أكّده الصحافيّ الهولنديّ هارالد دورنبوس، الذي استطاع الحصول على جواز سفرٍ سوريٍّ مزوّرٍ لرئيس وزراء هولندا في أقلّ من يومين، مقابل 750 يورو، دليلاً على إمكانية تزوير جواز سفرٍ لأكبر شخصيةٍ سياسيةٍ ببساطة.
وصادر رجال الجمارك الألمان كمياتٍ من جوازات السفر السورية تعتقد الشرطة أنها تباع بشكلٍ غير قانونيٍّ لطالبي اللجوء. وقال مسؤولٌ في وزارة المالية الألمانية إن معظم الذين يستخدمون هذه الجوازات يتحدّثون العربية، وقد يأتون من دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ولكنهم من نمط المهاجرين الاقتصاديين، أي الذين يقصدون أوروبا طلباً للرزق.
ورغم التقارير التي أكّدت التهويل في أرقام السوريين في الدول الأوروبية، فإن هذه الدول لم تشرع الأبواب للسوريين لمدّةٍ طويلة، إذ إن ألمانيا أوقفت العمل باتفاقية شنغن القاضية بحرّية التجوال في الدول الأوروبية بالنسبة إلى المهاجرين، ونشرت جيشها على حدودها مع النمسا. ولم تلتزم كلٌّ من بلغاريا وهنغاريا وفرنسا والنمسا بواجباتها الأساسية تجاه اللاجئين.
الاندماج المستقبليّ:
أياً كان العدد الحقيقيّ للاجئين السوريين في أوروبا، فإن ما لا يمكن إنكاره أن هناك ظاهرةً يضجّ بها العالم، وهي قوارب تنشط يومياً في عرض البحر. وإن غضضنا النظر عن القوارب التي غرقت، يبقى الحديث عن اندماج من وصلوا بأمانٍ إلى البلدان الأوروبية. ويرى الباحث الاقتصاديّ جوان حمو أنَّ أولى محطات الاندماج المستقبليّ هي تعلم لغة بلد اللجوء. ويقدّر الزمن اللازم لذلك بحدود ستة أشهرٍ أساسيةٍ، مع إمكانية انتقال طلاب العلم إلى مراحل لاحقةٍ للغة. أما الأطفال فيتمّ إلحاقهم بالمدارس.
وأضاف: إنَّ العقد الاجتماعيّ في الدول الأوروبية (الدستور) توافقيٌّ، بحيث تقبل وتقرّ به كافة الإثنيات والأعراق المتعايشة في البلد المعنيّ. وتحوي هذه الدساتير نصوصاً واضحةً عن الحقوق الفردية للأشخاص الموجودين في هذه البلدان، وتتجاوز ذلك إلى نصوصٍ صريحةٍ عن حقوق الإنسان بشكلٍ عامّ. كما أنَّها تسمح، ضمن تشريعاتها، وتتيح الحقّ لأيٍّ كان، سواء أكان مواطناً أم من بلدٍ آخر، باللجوء إلى محاكمها. وتحارب هذه النصوص، بشكلٍ واضحٍ، النزعات الفاشية والنازية والعرقية، وتتعامل مع الجميع، من مواطنين وغير مواطنين، بمنظور التساوي وتكافؤ الفرص.
وبالتالي فإنَّ اندماج اللاجئين السوريين في أوروبا سيكون -حسب حمو- مصدر راحةٍ لهم، نظراً لتوافر الجوّ الديمقراطيّ، وسيادة الحرّيات بأشكالها المختلفة، بالإضافة إلى امتياز جودة نظام التأمين الاجتماعيّ.
ورأى أنَّ أكثر الفئات السورية اللاجئة قابليةً للاندماج هي فئة طلاب المدارس، نظراً إلى سرعة تعلمهم، ثم طلاب المعاهد والجامعات، ثم العمال، ثم كبار السنّ. مشدّداً على أن المطلوب من السوريين اللاجئين إلى أوروبا التحلّي بالعادات والتقاليد المثالية، وإظهار صورةٍ حسنةٍ عن المجتمع السوريّ كي لا يكون محطّ انتقاد.