المُعضلة السورية والمستوى الإقليديّ
نارت عبد الكريم
لنتساءل، على سبيل المثال، ماذا لو صدَّقَ أَحدُنا أنَّ ما يراهُ في المرآة، وهو في حالة غضبٍ، ليس انعكاساً لصورته، بل هو شخصٌ آخر يُضمِرُ له العداءَ والشَّرَّ. عندها نحن، أو هو، أمام خيارين على الأقلّ؛ إمَّا أنْ نشعرَ بالخوف فنهربَ أو أنْ نشعرَ بمزيدٍ من الغضب، ونقبلَ التحدّي، فنهجمَ على عدوّنا ونردَّ له الصاع صاعين.
قد لا يساعدنا ذلك في تسليط الضوء على مُعْضِلَتنا، بل على العكس، سَينْطَبِقُ علينا المثل القائل: وزادَ في الطنبور نغماً.
ولكنْ أليس هذا هو حالنا وحال المجتمع الدوليّ؛ كلَّما سعينا إلى إيجاد مخرجٍ أو حلٍّ للأزمة زادتْ تعقيداً، وكلَّما شعرنا بدنوّنا من هدفنا زدنا عنه ابتعاداً؟ ولأنَّه كذلك وجدنا أنفسنا محشورين في عنق الزجاجة، ليست في يدنا سوى تفسيراتٍ محدودةٍ وناقصة. فإمَّا أنَّنا، وهم أيضاً، غير جادِّين في سعينا ولا صادقين، أو كأنَّها مسألةٌ مُستَعصيةٌ لا حلّ لها.
بل ربَّما كان الحلّ في مكانٍ آخر لم نتطرّق إليه بعد، وفي هذه الحالة يبدو أنَّ سعينا، مهما طالَ الزمن وبذلنا من جهدٍ، لن يظفر بلقاء المتوازيين ما دمنا في المستوى الإقليديّ. فهل نحن كذلك؟
إنَّ استمرار الأزمة السوريَّة وما نتج عنها من تداعياتٍ، حروبٍ وتطرّفٍ وهجراتٍ واسعةٍ وكبيرةٍ، يحقق مصالح عدّة أطرافٍ في الآن عينه -على عكس ما يُشاع في وسائل الإعلام-؛ فمن جهةٍ تستمر عجلة صناعة السلاح في الدول المتطوّرة في الدوران، ومن جهةٍ أخرى يساعد تدفق اللاجئين في تعديل ميزان النموّ السكانيّ المنخفض أصلاً في دول أوروبا المتقدمة صناعياً، مثل ألمانيا المهدّدة بالانقراض بسبب النقص الحادّ في الولادات. فماذا لو كان معدّل النمو السكانيّ في دول الخليج كمثيله في دول الاتحاد الأوروبيّ؟