info@suwar-magazine.org

التغيير الديموغرافي في سوريا سنوات الحرب والتهجير ترسم ملامح أخرى للبلاد

التغيير الديموغرافي في سوريا سنوات الحرب والتهجير ترسم ملامح أخرى للبلاد
Whatsapp
Facebook Share

 

عن سوريا المفيدة والتقسيم والتغيير الديموغرافي

 

(1)

 

كمال سعيد

 

دفعت الوقائع العسكرية التي فرضتها قوّات المعارضة على الأرض، المتزامنة مع خروج محافظة إدلب بكاملها عن سيطرة قوّات النظام، رئيس النظام السوريّ بشار الأسد إلى الإقرار علناً بمشروع "سوريا المفيدة"، الذي لطالما بقي طيّ الكتمان، تدور الأحاديث حوله على شكل تحليلاتٍ ميدانية، إذ ذكر في آخر خطاباته ما مفاده أن الضرورات الميدانية تفرض واقعاً تركّز فيه الحكومة السورية على مناطق أكثر من مناطق أخرى.

 

 

تمتدّ "سوريا المفيدة"، التي يحاول النظام إنشاءها، من الزبداني على الحدود اللبنانية، مروراً بالعاصمة دمشق، ومحافظة حمص بجزئها الواقع غربيّ نهر العاصي، ومدن الساحل السوريّ طرطوس واللاذقية، وصولاً إلى مدينة كسب على الحدود التركية.

 

ويبدو جلياً استمرار النظام بهذا المخطط من خلال تنازله عن أطراف سوريا غير المفيدة بالنسبة إليه، بعد تسليمه، منذ نحو ثلاثة أشهرٍ، منطقة تدمر لتنظيم داعش، ومحافظته على بعض النقاط في شرق وشمال شرق سوريا، كمطاري القامشلي ودير الزور، لتكون ورقة ضغطٍ على الأطراف المتحالفة معه من تحت الطاولة، فيما ترك مدينتي الحسكة والقامشلي بيد قوّات الحماية الكردية وميليشياتها.

 

والجديد في الأمر اليوم تدخّل روسيا بطيرانها، مع توقعاتٍ بمشاركة مقاتلين روسٍ في العمليات العسكرية على الأرض ضدّ قوات المعارضة في الأيام المقبلة. ويرى المتابعون للشأن السوريّ أن لروسيا عدّة مخططاتٍ تحاول فرضها، جميعها تصبّ في مصلحة النظام والمحافظة على رأسه، ولو على مساحةٍ صغيرةٍ من رقعة البلاد.

 

وعلى خلاف ما أعلنت روسيا من أن سبب قدومها هو محاربة الإرهاب، أكدت منظماتٌ حقوقيةٌ أن ما يزيد على 90% من أهداف الطيران الروسيّ تركّزت على مناطق الجيش الحرّ المعتدل والحاضنة الشعبية له من السكان المدنيين. ويرجّح خبراء أنه في حال استطاعت قوّات المعارضة امتصاص المرحلة الأولى، التي تعدّ الأصعب في الحروب، فإن روسيا ستحاول تحقيق انتصاراتٍ في نقاطٍ استراتيجيةٍ محددةٍ، كريف حمص الشماليّ وريف حماة، ما يعزّز موقف النظام التفاوضيّ في أيّ مؤتمرٍ مستقبليٍّ للحلّ السياسيّ. كما يرى آخرون أن لروسيا أهدافاً أبعد تسعى إلى تحقيقها من خلال استهداف المحافظتين السابقتين، وهي رسم وتأمين المناطق المجاورة للمناطق ذات الغالبية العلوية، عن طريق تدميرها وتهجير من تبقى من أهلها، لتحقيق بنيةٍ جغرافيةٍ جديدةٍ تشكّل أماناً ديموغرافياً لأيّ مشروع تقسيم، أو رسمٍ لمناطق نفوذٍ مستقبلاً في سوريا.

 

خطّةٌ فرنسيةٌ قديمة

 

 

يستمدّ النظام السوريّ خطّة سوريا المفيدة من خطّةٍ قديمةٍ كان الاحتلال الفرنسيّ قد طبقها لتسهيل سيطرته وحكمه لسوريا، مستغلاً النعرات الطائفية وعدم تبلور الهوية الوطنية الجامعة لمنطقةٍ رزحت تحت الاحتلال لقرونٍ طويلة؛ إذ قسّمت سلطة الانتداب سوريا إلى أربع دولٍ هي: دولة الدروز في منطقة السويداء، ودولة العلويين على الساحل السوريّ، ودولتي دمشق وحلب. وبعد احتجاجاتٍ شعبيةٍ استمرّت لعامين قامت سلطة الانتداب بتشكيل ما عرف بالاتحاد السوريّ، المكوّن من دولتي حلب ودمشق ودولة العلويين، عام 1922. ولكن في عام 1924 قرّر الانتداب إلغاء الاتحاد وتوحيد دولتي حلب ودمشق في دولةٍ واحدةٍ حملت اسم سوريا، وعادت دولة العلويين إلى الاستقلال، حتى اندلاع الثورة السورية الكبرى التي كان من أهمّ نتائجها إعادة توحيد سوريا، والنضال حتى استقلالها بحدودها التي يعرفها الجميع قبل آذار 2011، تاريخ انطلاق الاحتجاجات في سوريا.

 

***

 

 

النظام السوريّ وإيران يعيدان تشكيل مدينة دمشق

 

(2)

كمال السروجي

 

تصف الطالبة الجامعية يارا حال العاصمة السورية بالقول: "لم تعد دمشق مثلما تركها أبناؤها قبل عامٍ وأكثر. كلّ شيءٍ تغيّر؛ أصبحت المدينة ضيقة، الناس يعيشون حالة خوفٍ من كلّ شيء: القذائف، الغلاء، البطالة، السرقة، الخطف؛ يخافون أن يُسلبوا بيوتهم، يخشون من امتداد المعارك إلى مدينتهم ومواجهة مصير الغوطة. الكثيرون سافروا لأسبابٍ متعدّدةٍ وحلّ مكانهم أناسٌ جدد. آلاف الشباب هاجروا. المستقبل مجهول. وجوهٌ ولهجاتٌ ولغاتٌ جديدةٌ بتنا نسمعها. طقوسٌ دينيةٌ في الشوارع لم نكن نراها سوى على شاشات التلفاز. أذهب إلى الجامعة ولا أعرف إن كنت سأعود إلى بيتي سالمة. دمشق التي يعرفها السوريون تغيّرت وربما إلى الأبد، وتحوّلت إلى مدينةٍ أخرى لا تشبه ما طبع في ذاكرة أيّ إنسانٍ زارها".

 

 

النظام يبدأ بهدم بساتين المزّة

 

بدأت محافظة دمشق مؤخراً بتنفيذ أعمال الهدم في منطقة بساتين المزّة. ويتلقى سكان المنطقة يومياً عشرات التبليغات، عبر المخاتير، بضرورة الإسراع بإخلاء البيوت، مع وعودٍ بتعويضاتٍ مالية.

 

وكان رأس النظام السوريّ، بشار الأسد، قد أصدر المرسوم رقم 66 عام 2012، القاضي باعتبار منطقة بساتين المزّة، ومناطق أخرى بدمشق، مناطق سكنٍ عشوائيٍّ تجب إعادة تنظيمها. ويقسم المشروع إلى منطقتين، الأولى بمساحة 9214 هكتاراً جنوب شرقيّ منطقة المزة، والثانية بمساحة 880 هكتاراً جنوبيّ منطقة المتحلق الجنوبيّ.

 

وبرّر مدير دائرة التنظيم بمحافظة دمشق، المسؤول عن المشروع، المهندس جمال اليوسف، في تصريحاتٍ صحفيةٍ، المشروعَ الجديد بأنه عمرانيٌّ تنظيميٌّ يهدف إلى إعادة تنظيم وتطوير مناطق المخالفات والسكن العشوائيّ.

 

في حين يقول الناشط علاء الدمشقيّ، عضو تنسيقية المزّة، لمجلة "صوَر": "أهداف النظام أبعد من التصريحات الإعلامية، فالخبراء العسكريون والأمنيون الإيرانيون لديهم تخوّفاتٌ حقيقيةٌ من جغرافية المنطقة واتصالها ببساتين داريا والغوطة الغربية التي استعصت عليهم ولم يستطيعوا السيطرة عليها طوال السنوات الماضية. إضافةً إلى تخوّفاتٍ من السكان لأنهم من أوائل الخارجين بمظاهراتٍ مناهضةٍ للنظام خلال عامي 2011 و2012".

 

ويتابع كلامه: "المزّة منطقةٌ حيويةٌ، فيها السفارة الإيرانية ومقرّات النظام الأمنية، إضافةً إلى القصر الجمهوريّ (قصر الشعب). تأمينها وحمايتها هو الهدف الأوّل للنظام. وعلى ما يبدو فإن المستشارين الأمنيين الإيرانيين يرون أن حماية المنطقة تتطلب هدمها وتهجير سكانها، وإحلال وجوهٍ جديدةٍ مناصرةٍ مكانهم".

 

ويتساءل علاء عبر المجلة: "في المزّة هناك مناطق مخالفاتٍ أخرى، كالمزة 86، لماذا لم يقم النظام بإخلائها وإعادة بنائها؟".

ويهدّد المشروع آلاف العائلات من الطبقة المتوسّطة والفقيرة، التي تعتمد في حياتها على ما تزرعه في بساتينها، إضافةً إلى مئات العائلات النازحة من الريف الدمشقيّ.

 

 

يقول أحد سكان الحيّ، رفض ذكر اسمه للضرورة الأمنية: "المثير للسخرية أن النظام يبلّغ السكان عن طريق مختار المنطقة، المرتبط بالأمن، أن المحافظة ستعوّض السكان بـ25 ألف ليرةٍ شهرياً كبدلٍ لاستئجار بيتٍ في منطقةٍ أخرى، علماً أن أجرة البيت في دمشق لا تقلّ عن 50 ألف ليرةٍ شهرياً".

 

ويضيف: "تخيل أن تستيقظ صباحاً على صوت جرّافةٍ، تعمل بحماية مفرزةٍ مدجّجةٍ بالسلاح من الأمن العسكريّ، تريد أن تهدم بيتك وتخرجك من أرضك".

 

حضورٌ دينيّ

 

تحوّلت الساحات المحيطة بالجامع الأمويّ وباب توما وحيّ الجورة مؤخراً إلى مراكز احتفالاتٍ دينيةٍ تدعمها السفارة الإيرانية بشكلٍ دوريّ. وأصبحت أسواق دمشق القديمة المحيطة بها مناطق تطوف فيها عناصر الميليشيات الشيعية التي استجلبها النظام من إيران والعراق وأفغانستان، والمقدّرة بحوالي 24 مجموعةً، بأعدادٍ تصل إلى عشرات الآلاف.

 

 

تتحدث أم صلاح، من سكان حيّ العمارة، للمجلة: "لم نكن نرى هذا الشيء من قبل في دمشق. كلّ يوم جمعةٍ تمرّ من أمام بيتي مسيرةٌ دينيةٌ كبيرةٌ أسمع فيها اللهجة العراقية واللغة الإيرانية ولغاتٍ أخرى لا أفهمها".

وتسبّبت هذه المظاهر الجديدة في ظهور مخاوف حقيقيةٍ لدى الأهالي من تغيير ثقافتهم الدينية والحياتية التي ولدوا وتربوا عليها، في ظلّ قبضةٍ أمنيةٍ محكمةٍ للنظام وميليشياته على المدينة.

 

يقول أبو أحمد، أحد تجّار سوق الحميدية، للمجلة: "لم يكن الشعب السوريّ يوماً طائفياً؛ فبجوار سوق الحميدية، ومنذ مئات السنين، هناك حيّا باب توما المسيحيّ والجورة الشيعيّ، وكنا نعيش حياةً جميلةً بعيدةً عن الخلافات والمشاكل".

 

ويتابع: "خلال العدوان الإسرائيليّ على لبنان، في عام 2006، دعمنا حزب الله بصفته مقاوماً لإسرائيل، وفتحنا بيوتنا لاستقبال النازحين اللبنانيين، ووضعنا صور حسن نصر الله على واجهات محالنا، أما اليوم فلم نعد نستطيع السكوت عن مظاهر التشيّع التي يحاول النظام والسفارة الإيرانية فرضها على المدينة، فدمشق القديمة تحوّلت إلى مزارٍ دينيٍّ كبير".

 

المال والنفوذ مقابل التطوّع

 

تحاول السفارة الإيرانية، عن طريق سماسرةٍ سوريين، استمالة الكثير من أبناء دمشق للتطوّع مع ميليشياتها، عن طريق تقديم ميزات للمتطوّعين، كالرواتب العالية التي تصل إلى حدّ 50 ألف ليرةٍ سورية، إضافةً إلى المساعدات الغذائية، وتسهيلاتٍ في المؤسّسات الحكومية والحياة اليومية.

 

يتحدّث ناصر عن مبرّرات تطوّع أخيه الأصغر مع حزب الله قائلاً: "من ليس محسوباً على النظام في دمشق عليه السفر خارج سوريا. التطوّع مع حزب الله يعطي الإنسان نفوذاً ويؤمّن الحياة اليومية. من يحمل السلاح في دمشق يستطيع تأمين أسطوانة الغاز والمحروقات والخبز بشكلٍ أسهل".

 

مصادرة بيوت السوريين من أصلٍ تركيّ

 

تقوم اللجان الشعبية، منذ نحو شهرين، وسط صمت محافظة دمشق، بمصادرة عددٍ من البيوت الفارغة في حيّ الأتراك بحيّ الشيخ محي الدين على سفح جبل قاسيون.

يقول أحد سكان الحيّ لمجلة "صوَر": "يداهم الشبيحة البيوت الخالية من سكانها، والتي سافر أصحابها نتيجة الوضع الاقتصاديّ المتردّي أو الخطورة الأمنية بعد الاتهامات التي طالت سكان الحيّ بالتعامل مع الحكومة التركية، فيقومون بتغيير أقفال البيوت وينقلون محتوياتها إلى جهةٍ مجهولة".

 

ويتابع: "عند توجّهي إلى محافظة دمشق للسؤال عن بيت أقاربي الذين غادروه منذ أكثر من عام، طلب الموظفون مني جلب أوراقٍ تثبت ملكية البيت أو قدوم صاحب العقار. لا أستطيع تأمين ذلك، وبالتالي ضاع حقنا فيه".

 

أسعارٌ مضاعفة

 

يضطرّ الكثير من الأهالي، نتيجة البطالة وسوء الحالة الاقتصادية والمخاطر الأمنية المتزايدة، إلى بيع أملاكهم والسفر خارج سوريا. ويعمل سماسرةٌ وتجار عقاراتٍ لصالح النظام والسفارة الإيرانية، اللذين يستغلان الجميع لتنفيذ مخططاتٍ أبعد.

 

يقول علاء الدمشقيّ لمجلة "صوَر": "تشتري السفارة الإيرانية العقارات بطرقٍ مباشرةٍ وغير مباشرة، وتسجّلها بأسماء أشخاصٍ موالين لها، أو يشاركونها في ملكيتها".

ويتابع: "تتركّز حركة الشراء وسط العاصمة، حيث اشترت السفارة فنادق آسيا والليوان وفينيسيا والبتراء بمنطقة البحصة، وحوّلتها إلى سكنٍ لميليشيا أبو الفضل العباس. يدفع الوسطاء مبالغ طائلةً تفوق قيمة هذه العقارات لدفع المالكين إلى البيع، وفي حال رفضهم يتعرّضون لمضايقاتٍ أمنيةٍ وملاحقاتٍ قضائيةٍ وتهمٍ مختلفة، كالتهرّب الضريبيّ".

 

تغييرٌ ديموغرافيٌّ بطيء

 

مع استلام حافظ الأسد سدّة الحكم، عام 1970، انتهج سياسة تغييرٍ ديموغرافيٍّ وجغرافيٍّ بطيء، بما يضمن سيطرته بشكلٍ كاملٍ على العاصمة. وربطها بمنظومةٍ أمنيةٍ مضادّةٍ لأيّ عملٍ عسكريٍّ قد ينقلب عليه .وعمل على استجلاب عشرات آلاف الشباب من الساحل السوريّ، ومناطق سوريةٍ أخرى، وطوّعهم في الأجهزة الأمنية والجيش. وأنشأ أحياء جديدةً أسكنهم فيها، كمنطقة عش الورور المطلة على حيّ برزة، والمزة 86 نسبةً إلى الكتيبة 86 التي سكن عناصرها بجوارها. كما أنشأ شقيقه رفعت حيّ السومرية المقابل لمنطقة معضمية الشام، وسمّاه باسم ابنه.

 

يقول أبو كامل، وهو رجلٌ سبعينيٌّ عاصر حقبة الثمانينيات، لمجلة "صوَر": "ارتفعت أسعار البيوت كثيراً أيام الثمانينيات والتسعينيات. ونتيجة الضائقة المادية التي كان يمرّ بها السوريون وقتذاك قام الكثير منهم ببيع بيوتهم في قلب دمشق، وخصوصاً في منطقة المزّة، وانتقلوا إلى الأرياف المجاورة للعاصمة".

 

ويتابع: "ضباط الأمن والجيش والتجار المتعاملون مع النظام هم من اشترى هذه العقارات. أدّى هذا الأمر إلى وجود ملاكٍ جددٍ للمنطقة، وخروج السكان الأصليين".

أما المقدّم المنشقّ أبو إبراهيم فيقول لمجلة "صوَر": "حاول النظام من زمنٍ بعيدٍ السيطرة على دمشق، فبنى قصر الشعب على قمة جبل قاسيون، كما جعل من الجبال المطلة على المدينة مراكز للفرقة الرابعة والحرس الجمهوريّ؛ الدرع الأول لحماية النظام. لم يأت هذا الشيء عن عبث، وهو مخططٌ له من زمنٍ طويل".

 

 

***

 

النتائج البيئيّة لهجرة السوريين: سوريا مصدرٌ للعواصف الرملية، والديموغرافية

 

(3)

 

محمد همام زيادة

 

 

في أوائل أيلول الماضي ضربت عاصفةٌ رمليةٌ منطقة الشرق الأوسط. استمرّت هذه العاصفة مدّة عشرة أيامٍ، وتسبّبت في موت عددٍ من الأطفال وكبار السنّ، وإصابة المئات بحالات اختناق، كما تسبّبت في توقف حركة السير في عددٍ من المناطق شرقي سوريا وفي الأردن ولبنان.

 

 

ليس هذا النوع من العواصف جديداً على المنطقة، فقد جرت العادة أن تصل إلى سوريا من الصحراء الأردنية والعراقية والسعودية في أشهر الصيف الحارّة. لكن الجديد هذا العام أن تكون سوريا مصدر العاصفة، وأن تنتقل منها إلى دول الجوار، كما أكّد خبراء المناخ.

 

يقول الدكتور عبد العزيز ديوب، العميد السابق لكلية الزراعة بجامعة حلب، لمجلة "صوَر": "الملاحظ هذا العام ليس شدّة العاصفة فقط، لكن توقيتها -في فصل الخريف- الذي يعدّ ظاهرةً غريبة".

ويتابع: "وصلت نسبة جزيئيات الغبار إلى ما يزيد عن ألفي ميكروغرامٍ في المتر المكعّب، وهو رقمٌ مرتفعٌ جداً مقارنةً مع المعدّلات الطبيعية المقدّرة بحوالي مئة ميكروغرام في المتر المكعّب من الهواء في الحالة الطبيعية".

 

انخفاض المساحات الخضراء

 

تسبّبت الحرب الدائرة في سوريا منذ نحو ثلاثة أعوامٍ في انخفاض المساحات المزروعة في جنوبيّ وشماليّ وشرقيّ سوريا، ونزولها إلى مستوياتٍ لم يشهدها تاريخ سوريا الحديث.

يقول أبو أيمن، وهو مزارعٌ من الحسكة، لمجلة "صوَر": "كنت أزرع 500 هكتارٍ من القمح سنوياً، أما اليوم فأزرع حوالي مئةٍ فقط، نتيجة قلة المياه وغلاء المبيدات الحشرية والبذار وارتفاع أسعار المحروقات".

 

 

كما تسبّبت المعارك الدائرة بين داعش والنظام ببادية حمص، وإنتاج النفط بشكلٍ بدائيٍّ في محافظتي دير الزور والحسكة، في اختفاء المسطّحات الخضراء والنباتات التي كانت تشكّل غطاءً يثبّت التربة في البادية السورية والمناطق الصحراوية.

 

 

يقول الدكتور ديوب للمجلة: "تسبّب استخدام النظام للأسلحة الثقيلة والطيران في تدمير التربة الزراعية في الكثير من الأراضي. كما أن احتراق الغابات وزوال أجزاءٍ كبيرةٍ منها في جبال اللاذقية -التي تضمّ أهمّ الغابات الحراجية في سوريا- زاد من مساحة الأراضي الجرداء، ومن مفاعيل التغيّر المناخيّ. وهذه العواصف إحدى نتائجها".

 

ويضيف: "تشكّل البيئة وحدةً مشتركةً ومترابطة، خرابها في منطقةٍ سوف ينعكس على المناطق الأخرى، وهذا ما حصل عندما انتقلت العاصفة الرملية إلى مختلف أنحاء الشرق الأوسط".

 

علاقةٌ عكسيةٌ بين الديموغرافيا والبيئة

 

تسبّب استمرار الحرب في سوريا في هجرة آلاف الشباب نتيجة تضييق تنظيم داعش عليهم في المناطق الشرقية من البلاد، كما تسبّب النظام في هجرة أعدادٍ كبيرةٍ من محافظة درعا المشهورة بالزراعة. وقد خفض هذا الأمر مساحات الأراضي المزروعة، وتسبّب في ترك آلاف الهكتارات دون فلاحة، ما زاد من نسبة التصحّر في سوريا، وخلق حالةً من عدم التوازن الديموغرافيّ في نسب السكان.

 

 

يقول الأستاذ عبد الكريم الصقر، من ريف الرقة، لمجلة "صوَر": "تسبّبت هجرة الشباب من المحافظة في عدم توازن نسب الذكور والإناث، وخلقت مشاكل اجتماعيةً كالعنوسة وغيرها. اليوم أصبحت الكثير من القرى خاليةً من الشباب، تدخل إليها فلا ترى سوى كبار السنّ والنساء والأطفال".

 

وبالمقابل أدّت الظروف البيئية التي تمرّ بها سوريا في العامين الماضيين، كالجفاف وقلة الأمطار وصعوبة تأمين المياه لريّ الأراضي الزراعية وارتفاع أسعار المحروقات الضرورية لضخّها، إلى هجرة الكثير من المزارعين، ما يثبت أن البيئة تؤثر وتتأثر بالتغيّرات الديموغرافية وتوازناتها.

 

***

 

"إعادة إعمار" بابا عمرو: تطهيرٌ عرقيٌّ بتواطؤٍ أمميّ!

 

(4)

 

 

أحمد العلي

 

مع نهاية شهر آب الماضي صادق مجلس مدينة حمص، التابع لحكومة النظام، على المخطط التنظيميّ العامّ لمشروع إعادة إعمار حيّ بابا عمرو والمناطق المحيطة به، وفقاً للمرسوم رقم 5 لعام 1982 وتعديلاته.

وتقدّر مساحة المشروع بقرابة 217 هكتاراً، ويتألف من 465 مقسماً، بالإضافة إلى المنشآت الخدمية الكاملة، حسب ما نشر القائمون على المشروع في المخطّطات والصور التي تمّ تداولها على مواقع التواصل الاجتماعيّ.

وكان القرار الذي صدر بتاريخ 23-9-2014 قد قضى باعتبار حيّي بابا عمرو والعباسية منطقتي سكنٍ عشوائيٍّ تجب إعادة تنظيمهما. وأعطى القرار وقتئذٍ الضوء الأخضر لهدم الحيّ، ولكن تخوّفات مجلس المحافظة من ردود فعل الأهالي والشارع المعارض دفعته إلى تأجيل الهدم.

 

يُقدّر عدد سكان حيّ بابا عمرو بحوالي 100 ألف نسمةٍ، حسب إحصائيات عام 2008. ويُعدّ من أوائل أحياء حمص المنتفضة في وجه النظام، وشكّل سكانه حاضنةً شعبيةً قويةً للجيش الحرّ وفصائل المعارضة المسلحة. ونتيجة العنف المفرط للنظام تمّ تهجير سكان الحيّ بشكلٍ كاملٍ على دفعتين؛ الأولى في شهر آذار من عام 2012، والثانية في 2013 بالتزامن مع انسحاب مقاتلي المعارضة، عندما دخلت ميليشيا الشبّيحة مع قوّات النظام، وارتكبا سويةً عدداً من المجازر طالت الأطفال وكبار السنّ، ممن لم يسعفهم الحظّ بالخروج من الحيّ.

 

وبعد ذلك قام النظام ببناء جدارٍ فاصلٍ يحيط بالحيّ، على ارتفاع خمسة أمتارٍ، تقوم بحراسته حواجز أمنيةٌ تتمركز على أبوابه.

يقول المهندس عبيدة الحمصيّ، أحد أبناء الحيّ السابقين، لمجلة "صوَر": "هذا الجدار أشبه بجدار الفصل العنصريّ الذي بنته إسرائيل في فلسطين، بناه النظام لفصل الحيّ عن مدينة حمص".

 

ويتابع: "لا أحد يعرف سبب بناء هذا الجدار. لكن من تبقى من القلة القليلة من أهالي الحيّ بحمص لا يُسمح لهم بالدخول إليه، بعد أن تمّ إسكان عائلاتٍ من الأحياء الموالية وبعض ضباط الجيش فيه".

 

توزّع سكان الحيّ في دول الجوار، والقليل منهم ما زال في مناطق سيطرة النظام في سوريا. يقول الحمصيّ عن الموضوع: "غالبية أهالي الحيّ مطلوبون للأجهزة الأمنية، حتى لو لم تكن لهم أيّ علاقةٍ بالثورة".

وفي أعقاب عدّة عمليات نزوحٍ داخل سوريا، لجأ الكثير من سكان الحيّ إلى دول الجوار؛ فالكثير منهم يسكنون مخيّمات عرسال اللبنانية، وفي تركيا يتركّزون في مدينة عثمانية.

والجدير ذكره أن هناك تركيزاً لافتاً من النظام على إعادة إعمار الحيّ، فمنذ نحو عامين أوعزت محافظة حمص لكليات الهندسة بجامعة البعث بضرورة تركيز مشاريع التخرّج والدراسات العليا حول إعمار الحيّ. والملاحظ أيضاً أن العمل يتمّ تحت أعين برنامج الأمم المتحدة الإنمائيّ UNDP.

 

 

يتهم الحمصيّ المنظمة الأممية بالتواطؤ المباشر مع النظام عن طريق سكوتها عن الأمر، ويقول: "إن استُكمل العمل في المشروع بهذه الطريقة ستكون المنظمة متواطئةً بمشاريع تغييرٍ ديموغرافيّ".

وعن توصيف الحالة قانونياً يقول المحامي خالد الحسين لمجلة "صوَر": "قانونياً، منذ تهجير السكان المدنيين من الحيّ يكون النظام قد ارتكب التهجير الجماعيّ، واليوم يُثبت التهمة عليه؛ فبعد طرد السكان الأصليين يحاول بناء مشاريع جديدةٍ على أنقاض الحيّ القديم، وإحلال سكّانٍ جددٍ مكان سكّانه، بقصد تغيير ديموغرافية المنطقة بأكملها".

 

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard