"صوَر" ترصد حصار 10 مناطق من قبل النظام والمعارضة
"اللقمة المغمّسة بالدم" وسيلةٌ بيد أطراف الصراع السوريّ للضغط على بعضهم
أقسى وأطول الحصار يمرّ على داريا والغوطة الشرقية ويتعدّى الثلاث سنوات
"كفريا، الفوعا، نبل، الزهراء" تدفع ضريبة وقوفها مع جيش النظام... وتحاربها المعارضة بـ"الزاد"
دير الزور... المدينة التي يحاصرها داعش والنظام معاً غذائياً و"شرعياً"!!!!
هدنة الزبداني لم تسفر إلا عن وقف إطلاق النار وإدخال مساعداتٍ مسمّمةٍ إلى مضايا
*رنيم سالم
"لقمة العيش" كانت المحرّك الأساسيّ للأطراف المتصارعة منذ بداية الحرب، بعد أن أثبت الرصاص والقتل عدم فاعليتهما في إنهاء الحراك في الشارع السوريّ. وقد أبدعت أطراف الصراع السوريّ في استخدام سلاح التجويع ضدّ بعضها، فالنظام يحاصر المناطق العصيّة على السقوط، وفصائل المعارضة لم تقصّر بدورها في تجويع المدنيين الموالين للنظام ضمن أماكن سيطرتها. وتتوزّع خريطة المناطق المحاصرة على جميع أنحاء سوريا، ابتداءً من شمالها الشرقيّ وحتى جنوبها. في وقتٍ جهد فيه السكّان لكسر هذا الحصار بأساليب مختلفة، إذ نمت في المناطق المحاصرة نماذج اقتصاديةٌ جديدةٌ، بعضها عاد بالسوريين إلى أساليب موغلةٍ في البدائية، وأخرى كشفت عن اختراعاتٍ عجزت عنها حكومة النظام لسنواتٍ طويلة. فتمّ توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، والغاز من تدوير النفايات، وبالمقابل عاد السكان إلى توليد الدفء من الحطب، ولجأوا إلى ألواح الثلج صيفاً، وإلى الأمبيرات لأغراض توليد الكهرباء. تدخل الأغذية أحياءهم عبر الأنفاق التي تتحكّم فيها الفصائل المسلحة كما في الغوطة الشرقية، ويعتمدون في موارد عيشهم على ما تنتجه أراضيهم الزراعية.
الغوطة الشرقية
تخضع عدّة مناطق في ريف دمشق لحصارٍ خانق، يصل عمره إلى ثلاث سنواتٍ في بعض المناطق كداريا والغوطة الشرقية التي تزيد فيها الأسعار عن نظيرتها في دمشق بنحو 25 ضعفاً. وتسبَّب دخول الأغذية إليها عن طريق الأنفاق في ارتفاعاتٍ هائلةٍ في الأسعار، حتى وصل سعر كيلو السكّر إلى 2500 ليرة، ولكنها عادت لتنخفض مؤخراً بشكلٍ مفاجئ. وبرّر ناشطون هذا الانخفاض بجهودٍ بذلها العسكريون والهيئات المدنية في ضبط إدخال المواد الغذائية والبترولية، إذ تبيّن بعد التدقيق أن هيئات الغوطة التابعة للمعارضة هي السبب الأهمّ في الغلاء. ويتّهم السكان الهيئات الإغاثية بالتسبّب في ارتفاع الأسعار.
وقال الناطق باسم فيلق الرحمن في الغوطة، محمد أبو عدي، إن التخفيض جاء بعد طرح المواد الغذائية بأسعارٍ زهيدةٍ نسبياً في عددٍ من نقاط البيع والمحلات التجارية، مقابل تقليص الكميات المطروحة من السلع في المجالس المحلية، ما اضطرّ المحلات التجارية إلى كسر أسعارها بغرض دخول المنافسة أيضاً.
وتتأثر أسعار الغوطة بأيّ نبأ يشير إلى طرح المواد أو تدفقها. وتختفي المواد من الأسواق فجأةً، إذ ارتفع سعر كيلو السكّر في أحد أيام تشرين الثاني 2015 من 400 إلى 1000 ليرةٍ خلال 3 ساعاتٍ فقط.
وكان لنبأ وقف إطلاق النار في الغوطة لمدة 15 يوماً أثرٌ إيجابيٌّ مباشرٌ على الأسعار التي انخفضت مباشرةً رغم أنه تبيّن لاحقاً أن الاتفاق لم يدخل حيّز التنفيذ.
داريا:
ومن الغوطة الشرقية إلى نظيرتها الغربية، وتحديداً في داريا التي تقترب الحالة الأمنية فيها من نظيرتها في الغوطة الشرقية مع تفاوتٍ بسيطٍ في عدّاد الموت. فالحصار الذي أعلنه النظام على المنطقة هو ذاته منذ 3 أعوامٍ، على الرغم من إعلان عشرات المعارك لفكّه عن المدينة التي تعدّ من أكبر مدن ريف دمشق الغربيّ، ويعيش فيها قرابة ألف عائلةٍ حتى الآن تقضي أغلب أوقاتها في الملاجئ والأقبية نتيجة القصف المكثّف، بعد أن كان عددهم يقارب 250 ألفاً.
قرّر أهالي داريا، منذ ساعات الحصار الأولى، الاعتماد على ما تنتجه أراضيهم الزراعية وهم الفلاحون أصلاً. يقول أحد أعضاء المجلس المحليّ للمدينة إنه لا تكاد توجد عائلةٌ لا تعتمد على قطعة أرضٍ صغيرةٍ تُزرع بالقمح وببعض الأعشاب كالسلق والسبانخ. ولكن هذا لا يعني أن المدينة تخطّت حصارها، فهناك كثيرٌ مما لا يستطيع الأهالي تأمين بدائل منه، وأهمها المستلزمات الطبية
.
وتعاني داريا، بالإضافة إلى ما سبق، من انقطاع خدمات الكهرباء والمياه والاتصالات منذ مطلع العام الماضي، ما أجبر السكان على استخدام آبارٍ ارتوازيةٍ للحصول على المياه بطرقٍ بدائية، الأمر الذي يعرّض حياتهم للخطر باستمرارٍ بسبب عدم ضمان صلاحية هذه المياه للاستخدام البشريّ.
وكان المركز الإعلاميّ لداريا أصدر في منتصف العام الجاري ورقةً نقديةً من فئة 1000 دولارٍ بهدف لفت النظر إلى مرور 1000 يومٍ على حصار المدينة وقطع سبل الحياة عن 10 آلاف مدنيٍّ، معتبراً أن المجتمع الدوليّ لا يفهم غير لغة المال والمصالح، ولذلك عمد المركز إلى مخاطبته بالدولار كأسلوبٍ رمزيّ.
وتحظى مدينة داريا بأهميةٍ استراتيجيّةٍ خاصّة، إذ تبعد أقلّ من سبعة كيلومتراتٍ عن القصر الجمهوريّ، حيث يقيم رئيس النظام السوريّ، بشار الأسد، وتبعد كيلومترين فقط عن مبنى رئاسة مجلس الوزراء، الواقع في حيّ كفرسوسة جنوب غربيّ العاصمة دمشق، في حين يقع مطار المزّة العسكري، أحد أهم المطارات العسكريّة في سوريا، على التخوم الشماليّة للمدينة مباشرةً.
وادي بردى
يبدو وضع الحصار في وادي بردى أقلّ وطأةً عنه في الغوطة الشرقية وداريا من حيث المدّة والحدّة، إذ إن عمره يقارب الـ100 يومٍ فقط، حسب المركز الإعلاميّ للمنطقة. وتغلق قوّات النظام جميع الطرق إلى الوادي، باستثناء طريق "الشيخ زايد" الذي يُسمح من خلاله للموظفين والطلبة بالعبور إلى دمشق والعودة منها. ويُسمح لكلٍّ منهم بإدخال 3 كغ من الأطعمة، بالإضافة إلى 7 أرغفة خبز. وتقوم عناصر الحاجز بمصادرة الكميات الزائدة ورميها في عرض الطريق، في حين باتت أسواق المدينة ومحالها التجارية خاليةً من البضائع، مع استمرار توقف الأفران عن العمل بسبب انقطاع مادة الطحين.
وعلى الصعيد الصحيّ أغلقت غالبية صيدليات المنطقة أبوابها لعدم وجود الأدوية، ويعاني أهالي المنطقة من انعدام الأدوية الضرورية لأمراض القلب والسكريّ والضغط والأدوية العصبية.
أما من ناحية الاتصالات فيلحظ توافر الاتصالات الخليوية بنسبة 40%، مع انعدام خدمة الإنترنت ثري جي، في حين يعمل الهاتف الثابت بشكلٍ مقبول.
ويضمّ وادي بردى أكثر من 150 ألف شخصٍ يعيشون في ظروفٍ إنسانيةٍ ومعيشيةٍ صعبة، مع قدوم فصل الشتاء والبرد القارس وغيابٍ كاملٍ لمواد التدفئة عن المنطقة.
الزبداني وكفريا والفوعا:
يرتبط الحديث عن حصار الزبداني بالحديث عن حصارٍ مماثلٍ في كفريا والفوعا، رغم البعد الجغرافيّ بين المنطقتين، فالأولى في ريف دمشق والثانية في إدلب. ولكن ما يجمع الحصارين هو اتفاق هدنةٍ وقّعه جيش الفتح مع وفدٍ إيرانيٍّ برعاية الأمم المتحدة، ويقضي بوقف العمليات العسكرية في كلٍّ من الزبداني وبلدتي الفوعة وكفريا، على أن يتمّ إجلاء جرحى ومقاتلي الزبداني إلى إدلب، مقابل خروج الجرحى و10 آلاف طفلٍ وامرأةٍ ومسنٍّ من الفوعة وكفريا المحاصرتين من قبل جيش الفتح. لكن الاتفاق لم يدخل حيّز التنفيذ بعد، سوى الشقّ المتعلق بوقف إطلاق النار، رغم بعض الخروقات التي يرتكبها الطرفان بين حينٍ وآخر.
وتقول تنسيقية الزبداني إنه من أصل 35 ألف نسمةٍ هم تعداد أهالي المدينة بقي 965 شخصاً محاصرون في ثلاثة أحياءٍ منها. فمنذ شباط 2012 ثبّت جيش النظام عشرات الحواجز في محيطها وعلى جبالها المدعمة بالدبابات والمدفعيات والأسلحة الثقيلة، وبات يقصفها يومياً حتى أصبح الأهالي يعرفون الساعة من توقيت القصف الذي لم يتوقف يوماً واحداً خلال أربع سنواتٍ إلا في أوقات الهدن التي طالما خرقها الجيش، حسب التنسيقية. مؤكّدةً أن صمود أهالي الزبداني ومنعهم قوّات النظام من اقتحامها كلفهم حصار مدينتهم، إذ مُنعت عنها المواد الغذائية والأدوية، وعمدت قوّات النظام إلى تهجير أهالي الزبداني قسرياً من مناطق نزوحهم في البلدات المجاورة مثل بلودان، التي تقع تحت سيطرة النظام، إلى بلدتي مضايا وبقين التي يشتدّ عليها القصف، حسب تنسيقية الزبداني.
وبعد الفشل في اختراق خطوط دفاع الفصائل المسلحة دخلت عناصر حزب الله وجيش النظام من منطقة سهل الزبداني -التي تعدّ مصدر رزق أهالي الزبداني الوحيد- بالجرّافات، فحرقوها وفجّروا الغرف الزراعية وقطعوا طريق الإمداد الوحيد عن فصائل المعارضة.
وبدأت المفاوضات بين أحرار الشام وإيران بعد هجوم جيش الفتح على بلدتي كفريا والفوعا المواليتين، واتفق الطرفان على هدنةٍ هناك مقابل هدنةٍ في الزبداني توقّف على أثرها القتال ليعود مرّةً أخرى بسبب مطالب اعتبرها سكان الزبداني مجحفةً بحقهم، إلى أن توصل الطرفان إلى اتفاقٍ نهائيٍّ في 2492015 يقضي بوقف القتال وخروج الفصائل المسلحة والجرحى من الزبداني إلى إدلب، ودخول المواد الغذائية والمعونات الإنسانية إلى بلدات مضايا وبقين. إلا إنه، وحتى كتابة هذا التقرير، لم يخرج أحدٌ من الزبداني، ولم تدخل المعونات سوى لمرّةٍ واحدةٍ في 16/10/2015، برعاية الأمم المتحدة، إلى الزبداني وبلدتي مضايا وبقين اللتين ما زالتا تستقبلان عائلات الزبداني المستمرّ تهجيرها من مناطق (بلودان والإنشاءات والمعمورة والشلاح وطريق سرغايا والروضة وكروم مضايا)، والتي بلغ عددها 250 عائلةً، حتى أصبح عدد المحاصرين 40 ألف نسمةٍ يعانون من الجوع وانعدام المواد الغذائية والطبية والمحروقات مع بدء الشتاء، وقد سُجّلت العديد من حالات الوفاة بسبب سوء التغذية بين الأطفال وكبار السنّ. وما زاد الطين بلةً إدخال الأمم المتحدة بسكويتاً منتهي الصلاحية إلى مضايا، تسبّب في إصابة أكثر من 200 شخصٍ بحالات تسمّم، كان بينهم 50 في حالةٍ حرجة، ومعظمهم من الأطفال. واعترفت الأمم المتحدة بالحادثة ولكنها اعتبرتها "غير خطيرةٍ" صحياً.
نبّل والزهراء:
يتعرّض موالو النظام من المدنيين والعسكريين لحصارٍ، عرّجنا عليه آنفاً، في كفريا والفوعا. وتشير الإحصاءات إلى أن عدد سكان كفريا حوالي 15 ألف نسمة، بينما يبلغ عدد سكان الفوعة حوالي 35 ألفاً، أي أن مجموع عدد سكانهما يصل إلى 50 ألف نسمة.
وشارك أبناء البلدتين في كسر الحصار عن مدينتي نبّل والزهراء في الريف الشماليّ لحلب. ولأن الفوعة وكفريا قدّمتا الإسناد لجيش النظام السوريّ في مواجهة المعارضة المسلحة، قامت الأخيرة بمحاصرتهما وقطع كافة خطوط نقل الماء والكهرباء والغاز والمواد الغذائية والدواء إليهما. وواجه الأهالي، منذ الأسبوع الأوّل للحصار، نقصاً في الغذاء والدواء والوقود اضطرّهم إلى التوجّه إلى الزراعة لتوفير احتياجاتهم من المواد الغذائية.
وعلى الرغم من محاولات النظام توفير الغذاء والدواء للفوعة وكفريا من خلال عمليات الإنزال الجويّ، إلا أن العدد الكبير لسكان البلدتين جعل تأثير هذه المساعدات غير ملحوظ.
ولا يقلّ حصار هاتين البلدتين قسوةً عن حصار بلدتي نبّل والزهراء المواليتين أيضاً، وتقعان على بعد 20 كيلومتراً شمال غرب مدينة حلب، وعلى بعد 40 كيلومتراً من الحدود التركية، وهما تابعتان لمنطقة أعزاز في محافظة حلب. إذ عملت فصائل المعارضة على قطع الطريق إلى نبّل والزهراء، المعروف بطريق غازي عنتاب، وهو أهمّ الطرق التي تربط البلدتين بحلب، وحاصروهما كلياً، وأصبح من غير الممكن توفير المواد الغذائية والصحية والعلاجية وكلّ ما يلزم أهاليهما.
ويوفر الأهالي جزءاً من احتياجاتهم من منطقة عفرين الكردية الواقعة شمال وغرب مدينة نبّل. ودفع عدم توافر المواد الغذائية أغلب الأهالي إلى زراعة المحاصيل التي يحتاجونها -وأغلبها من الخضروات- في حدائق بيوتهم، إلا أنهم قد يُحرمون من المحاصيل الأساسية كالأرز والقمح لأيامٍ بسبب نفادها. وسعت طائرات الهليكوبتر التابعة لجيش النظام إلى توفير الاحتياجات الأساسية من مواد غذائيةٍ وعلاجٍ وأجهزةٍ طبيةٍ وملابس لأهالي نبّل والزهراء عن طريق الجوّ، إلا أن المساعدات التي يتمّ إرسالها بهذه الطريقة ليست كافيةً لتوفير كافة الاحتياجات.
ويُتوقع، بعد تمكن جيش النظام من السيطرة على مطار كويرس العسكريّ وتقدّمه نحو بلدات العيس وتل العيس في ريف حلب الجنوبيّ؛ أن تكون محطته القادمة فكّ الحصار عن كفريا والفوعة لأن الطريق أمامه بات سهلاً الآن.
وعر حمص:
خضع الريف الشرقيّ لحمص لحصارٍ خانقٍ حاول السكان الاحتيال عليه بزراعة الخضار، وساعدهم في ذلك مرور نهر العاصي من أراضيهم. لكن وضع حيّ الوعر، الذي وصل عمر حصاره إلى عامين، هو الأسوأ، بسبب عدم توافر المزروعات ضمن الحيّ، ولا إمكانية لتخزين الموادّ لأنها لا تكفي.
ويعيش 300 ألف شخصٍ في حيّ الوعر الحمصيّ منذ تشرين الأول 2013 حصاراً فرضته عليه قوّات النظام. علماً أن عدد سكان الحيّ كان 50 ألف نسمة، لكنه ارتفع بعد نزوح عددٍ كبيرٍ من أهالي حمص القديمة إلى الوعر في ربيع عام 2012 قبل حصاره، ليعيشوا فيما بعد واقع الحصار مع سكانه الأصليين.
وتجري مفاوضاتٌ، بين الحين والآخر، بين المنظمات الأممية وقوّات النظام ووجهاء الحيّ لإدخال المواد. وأفادنا ناشطون أن قوّات النظام سمحت مؤخراً بدخول بعض السيارات الصغيرة التي تحوي بعض الخضروات والأجبان والبيض إلى الحيّ، ولكن الكميات التي دخلت، بعد مفاوضاتٍ وتنازلاتٍ من الطرفين، قليلةٌ جداً إلى درجة أنها لا تكفي حاجة شارعٍ واحد. علماً أن لجنة التفاوض من أبناء الحيّ كانت وعدت سابقاً بفعل ما تستطيع للضغط على النظام بغرض إدخال سيارات الخضار والأجبان وبعض اللحوم.
وكان مقاتلو حيّ الوعر عقدوا هدنةً مع النظام في بداية العام، تمّ بموجبها وقف إطلاق النار، رغم بعض الخروقات، مع مواصلة الحصار، باستثناء السماح بدخول كمياتٍ محدودةٍ من الطعام بضغطٍ من الأمم المتحدة.
دير الزور
ظهرت تبعات الحصار على دير الزور في عدّة أوجهٍ، كان آخرها نقص الخبز. وذكر مرصد العدالة من أجل الحياة في دير الزور أن النظام يحاصر الأحياء الواقعة تحت سيطرته (الجورة؛ القصور؛ هرابش؛ البغيلية) للشهر العاشر على التوالي. إذ توقف عن إمداد هذه الأحياء بالمواد الغذائية عن طريق المطار العسكريّ بسبب المعارك الطاحنة التي تدور حول الأخير، ما اضطرّ المدنيين إلى الاعتماد على الموادّ المهربة من مناطق سيطرة تنظيم الدولة (داعش)، والتي يتقاضى عليها عناصر من الجهتين مبالغ عاليةً أدّت إلى ارتفاع الأسعار. وما زال النظام يمنع المدنيين من الخروج من الأحياء المحاصرة، ويشترط دفع مبالغ وصلت إلى 100 ألف ليرةٍ سوريةٍ للراغبين في الخروج برّاً و300 ألفٍ للراغبين في الخروج جواً، علماً أن السفر عبر مطار دير الزور متعذّرٌ منذ حوالي شهر بسبب المعارك بين النظام والتنظيم.
ولا يعمل في المدينة سوى ثلاثة أفرانٍ هي الجاز وخالد بن الوليد وفرن الضاحية. توزّع الخبز -حسبما ذكر مرصد العدالة من أجل الحياة في دير الزور- على عناصر الأمن والسماسرة فقط، وتفتقر مئات العوائل إلى مادة الخبز.
وفيما يخصّ المحروقات يعتمد المدنيون على المحروقات المنتجة من حرّاقاتٍ أقامها النظام بالقرب من مستشفى الأسد، مستغلاً حاجة المدنيين، فيبيعها بأسعارٍ جنونية.
ويستمرّ تزويد الأحياء المحاصرة بالمياه الملوّثة في الكثير من الأوقات بسبب نقص مادة الكلور، كما أن بعض الأحياء لا تزوّد بالمياه سوى مرّة واحدة في الأسبوع، كشارع السجن وحيّ الطب التابعين لحيّ الجورة.
وتكاد خدمات المستشفيات العاملة في الأحياء المحاصرة أن تقارب الصفر، إذ يعاني مشفى الأسد من نقصٍ كبيرٍ في الكادر واللوازم الطبية، إلى درجة أنه لم يعد قادراً على استقبال إلا عددٍ قليلٍ جداً من المدنيين، كما يمتنع المشفى العسكريّ عن استقبال المدنيين ويقدّم خدماته فقط لعناصر الجيش والميليشيات التابعة له من المصابين في معارك دير الزور. وسجّل المرصد المذكور وفاة شخصٍ في حيّ الجورة في تشرين الأول من العام الجاري بسبب الجوع الشديد والمرض إذ لم يتلقّ العناية اللازمة.
كما فرض تنظيم الدولة (داعش) على المدنيين في مدينة الميادين بمحافظة دير الزور عدم السفر إلى خارج مناطق سيطرته إلا بعد الخضوع لدورةٍ شرعيةٍ والحصول على بطاقةٍ تثبت اجتيازهم للدورة. واعتقل أصحاب مكاتب السفر إلى تركيا في ناحية البصيرة.
في النتيجة، فإن ظروف الحصار والمجاعة، والتي وصلت إلى حالات وفاةٍ في كثيرٍ من المحافظات ولا سيّما في دير الزور والغوطة الشرقية، لا تسفر، في حالاتٍ كثيرةٍ، عن إسكات آلات الحرب إلا في إطار الهدن وبعد أن يموت المدنيون جوعاً. وللحقّ فإن الأطراف المسلحة المتصارعة لا تهتمّ كثيراً إن اشتدّ الحصار أم لا، بل على العكس تماماً، إذ إن حدّة الحصار تعني المزيد من الأرباح للمتحكّمين في الأنفاق والحواجز من فصائل المعارضة المسلحة وعناصر النظام، ولو أنه لا يجوز تعميم هذه الحالة على جميع المناطق.
وربما يبدو المشهد الأشدّ مرارةً للحصار حين نرى رغيف الخبز والخضار ممزوجةً بدماء المدنيين جرّاء القصف والاشتباكات، أو حين نرى الموادّ الغذائية بأنواعها مرميةً على قارعة طريق في منطقةٍ محاصرةٍ إثر قصف سوقٍ شعبيٍّ (دوما مثالاً) ولا يوجد من يلتقطها لأن المصائب أنست الناس حتى رغيف خبزهم، فباتت لقمتهم "مغمّسةً بالدم" بكلّ معنى الكلمة.
.
.
.
مواد مشابهة
ــ التنظيم والنظام يحاصران دير الزور، ومطالب بإبعاد المدنيّين عن الحرب
ـ ريف دمشق: جوعٌ وحصارٌ و"مصالحات"