المزيد من مذكرات الفتى
التاريخ: الأحد, 10 كانون 2 2016
- ذات امتحانٍ خلال الصف الثاني الإعداديّ، قُبض علينا متلبّسَين، أنا وأحد زملاء السوء، نتبادل الأوراق الامتحانية بهدفٍ نبيلٍ هو مبادلة المعلومات ونشر المعرفة كي لا تبقى حكراً على طلابٍ دون آخرين. الأستاذ راتب، الذي قبض علينا آنذاك، وبعد أن هاله مدى شغفنا بالعلم، والذي عدّه من جانبه وقاحةً لا نظير لها، أذاقنا ما به النصيب محوّلاً وجناتنا أنا وزميلي إلى مراوح تتلقى صفعاتٍ متتالية. ثم انتقلنا برفقة الأستاذ راتب من شعبةٍ إلى شعبةٍ وهو يعيد أمام أنظار الزملاء في شعب الصف الثاني الإعداديّ المجاورة تجربة المرواح هذه جاعلاً منّا فئران تجارب للنظرية العلمية المسمّاة "أولي العبرة". لم يكتف الأستاذ راتب بذلك طبعاً، بل تمّ خصم عشر علاماتٍ من درجاتنا الامتحانية، مع تشديد الرقابة علينا في بقية الامتحانات، وبناء جدار فصلٍ عنصريٍّ بيني وبين زميل السوء ذاته. المغزى من هذه الأقصوصة لم يحدث وقتها، بل أتى بعد سنواتٍ، إذ كان الأستاذ راتب يخوض، مع أساتذةٍ آخرين، امتحاناً في منظمة الأونروا للترقي الوظيفي، وكان الامتحان كتابياً، وضُبط حينها، مع أساتذةٍ آخرين، يستخدمون الأوراق الصغيرة التي يتمّ تسويد المعلومات عليها، والمعروفة بالراشيتات.
- كان لأساتذة تحفيظ القرآن في معهد الأسد -ما غيره- وسائل للترغيب والتشجيع على حضور دروس التحفيظ، تختلف من أستاذٍ إلى آخر. أحدهم، وكان الأحبّ على قلوبنا طبعاً، اعتاد توزيع جوائز ماديةٍ رمزيةٍ للمتفوّقين في الحفظ، أو للذين يجيبون عن الأسئلة الفقهية الشائكة والمركّبة. وكانت الجائزة تتراوح من خمس إلى عشر ليراتٍ، بحسب ما يشاء الله وما يخرج من جيب جلباب الأستاذ. في إحدى الجلسات التاريخية استطعت حلّ مسألةٍ فقهيةٍ معقدةٍ احتار فيها حتى علماء الأزهر الشريف والشيخ كفتارو وهيثم مناع، وأراد الأستاذ مكافأتي بالشكل المعتاد فمدّ يده إلى جيبه وناولني ما به النصيب. في لحظتها لم ينتبه لا هو ولا أنا إلى أن المكافأة كانت خمسين ليرةً سورية، ليرة تنطح ليرة، وما هي إلا دقائق حتى تمّ اكتشاف هذا الخطأ غير المقصود. لم يكن في الوارد طبعاً أن يطلب استرجاع مكافأته، احمرّ وجهه وجفّت ابتسامته، وقضى بقية الدرس مغموماً مهموماً حسيراً، وأقلع من يومها عن عادة توزيع المكافآت، ثم بدأت لحيته تقصر، وأخذ يرتدي الجينز بدلاً من الجلباب، وما هي إلا أيامٌ حتى استقال من المعهد، وانضمّ لاحقاً إلى رابطة العقلانيين العرب.
- عانى أساتذتي في معهد تحفيظ القرآن ما غيره من ضغطٍ مزدوج، فأينهم والدي الذي يجلّونه ويحترمونه، والذي كان يضغط عليهم كي يستقبلوني في جلساتهم رغم أنني كنت مدبراً غير مقبل، وأينهم غلاظتي التي لا حدود لها والتي كنت أفرغها في جلسات التحفيظ انتقاماً من حرماني من قضاء وقتي في اللعب مع أترابي الضالين في الحارة. كان لا بدّ لهذا الضغط أن يصل إلى مرحلة الانفجار، إذ فيما كان الأستاذ يروي لنا بطولات أحد الصحابة الذي اشتهر بمهارته في استخدام النبل والسهام، أتى على ذكر قصةٍ قام فيها هذا الصحابيّ بإدخال ثلاثة سهامٍ متتاليةٍ في ثلاثة ثقوبٍ صغيرةٍ بحجم عقدة حبل، فقاطعته فيما كنت أبحث عن شيءٍ ما في أنفي لا أذكر ما هو تحديداً: "روبن هود ما عملها أستاذ"، ثم كان الانفجار..
نسخ رابط المقال