info@suwar-magazine.org

تشارلي تشابلن

تشارلي تشابلن
Whatsapp
Facebook Share

 

 

مَن صمتَ فأضحكنا ليس كمن ضحك علينا

 

*عباس علي موسى

 

 

ارتبط اسم تشارلي تشابلن بالكوميديا أبداً، فستضحك حتماً لمجرد ذكر اسمه، لكن بالإضافة إلى ارتباط اسمه بالكوميديا فإنّه يرتبط أيضاً بـ"السينما الصامتة وبدايات ظهور السينما، لذا فإنّه ظهر في قامشلي في عرض سينمائي، حضره مئات الأطفال في فيلم الطفل.

 

في قامشلي (الواقعة في الشمال الشرقي من سوريا، في المنطقة التي تعرف في الصحافة العالمية باسم روجافا)، لم يكن ثمة ثقافة سينمائية من ارتياد دور السينما أو حتّى توفّرها، إذ أنّ مدينة كقامشلي، لم تكن فيها أكثر من صالتي عرض للسينما، بالإضافة إلى أنّ ثقافة متابعة السينما لم تكن متوفرة، إلا أنّ لمدينة عامودا - التابعة إدارياً للقامشلي - تاريخاً دامياً مع السينما؛ حيثُ لقي أكثر من 250 طفلاً حتفهم في السينما الوحيدة في المدينة والمسماة بشهرزاد، وذلك لمتابعة فيلم يذهب ريعه لأطفال الجزائر حينها، وكان للحادث أثر بليغ في ذاكرة المنطقة برمّتها، وقد توجهت أصابع الاتهام حينها إلى الاستخبارات حينها في الجمهورية المتحدة، وذلك في العام 1960 لتسرد شهرزاد قصة الألم عن احتراق 250 حكاية وموت جيل بأكمله.

 

لهذه الحادثة ارتباط وثيق بمشروع مؤسسة "كومين فيلم" وهي مؤسسة – حديثة النشأة - تُعنى بثقافة السينما وصناعتها، حيثُ يؤكّد القائمون على المشروع إلى إحياء ثقافة السينما وحذف مشاهد الحريق من ذاكرة الأطفال التي ارتبطت بالسينما، لذا فإنّ عرض فيلم تشارلي تشابلن يحقق الهدف من أكثر من زاوية، فهي من جهة ارتباط ببدايات السينما والسينما الصامتة، ما يؤكد على بداية مشوار السينما، وثانياً، ما لتشارلي تشابلن من حسّ فكاهي مناسب للأطفال، يربط ذاكرتهم عن السينما بالمرح والضحك في آن.

 

تشابلن يتحدّث الكردية

 

مع أنّ الفيلم (الطفل) صامت وليس ثمة كلام في السيناريو، إلا أنّ القائمين أرفقوا نسخة الفيلم بفواصل لغوية باللغة الكردية لتكون لغة وسيطة بين صمت تشابلن وصخب الأطفال وهم يقهقهون.

لقد تركت الحرب في سوريا أثراً بليغاً في كلّ المجتمع السوريّ، وكان الأطفال من أكثر الفئات غبناً، إذ أنّها الفئة التي دفعت وتدفع ثمن لعب الكبار في الحرب والسياسة.

 

 

يعيش الأطفال حياة مقطّعة الأوصال ما بين توتر الوضع الأمني في معظم المدن في سوريا، وما بين تقطّع أوصال العائلة بين الهجرة إلى أوربا أو هجرة بعض أفراد العائلة، فكثير من الأطفال في العائلات التي تنتظر قرار (لم الشمل) لم يروا آبائهم لشهور عديدة، ويحتفظون بصورهم عن طريق الاتصال بالإنترنت.

 

تشابلن في عامودا وكوباني

 

طاف فريق "كومين فيلم" تشارلي تشابلن بأكثر من عشر مدن ليقدّم عشرة عروض حضرها أكثر من 5000 آلاف طفل، وكان من بينها مدينة كوباني المنكوبة؛ حيثُ تم عرض الفيلم فيها مرتين، أحد هذه العروض في المخيم قيد الإنشاء الذي يستقبل الوافدين ممن تدمّرت بيوتهم، وآخر في المدينة، فقد شوهدت كوباني وهي تواجه برابرة العصر وقد تم تدمير ثلث المدينة تدميراً كاملاً، قرّر على إثرها المنتصرون - بدعم التحالف - من القوات الكردية جعلها متحفاً للتذكير بالغزاة ومقاومتهم على الأرض التي لم تستسلم.

كوباني وغيرها من المدن السورية تحتاج إلى أكثر من تشارلي تشابلن ليغرز الابتسامة في وجوه أهلها إثر الحرب التي تركت في نفوسهم جرحاً عميقاً.

 

 بعد إعلان الانتصار توافد المدنيون بالآلاف على أشلاء المدينة الخراب/ المنتصِرة، يغمزون بعينٍ فرحاً، وبأخرى يذرفون الدموع.

 

عرضُ المخيم - قيد الإنشاء، الواقع شمال شرقي المدينة – حضره أكثر من 200 طفلاً؛ قال القائمون على المشروع إنّ تفاعلهم مع الفيلم كان كبيراً، وكانت ضحكاتهم تشقّ عنان السماء، وكأنّ الدمار لن يستطيع النيل من طفولتهم.

 

أمّا عرض المدينة والذي عرض في صالة مسرح لم يطله الخراب، سوى حيّز صغير في السقف إثر قذيفة هاون، وحضر الفيلم أكثر 600 طفلاً، كان همّهم الوحيد أن يشاهدوا شيئاً مغايراً لمشاهد مدينتهم.

إذن، كان تشابلن في كوباني جزءاً من الجدار الذي يشيّد في المنازل المحطّمة، يُبنى المنزل على مهل، بالمنمنمات وقطع الفسيفساء الصغيرة ليكون الجرح أخفّ وطأة، فلا أصعب من عائدين إلى ديار تحوّلت معظمها إلى أطلال وبين جدار محطّم وآخر ليس سوى فوارغ الرصاص وذاكرة الحرب.

 

أما عامودا والتي لها ذاكرة جريحة مع السينما، حيثُ 250 طفلاً لقوا حتفهم حرقاً في السينما. فقال فريق كومين فيلم، بأنّ أهل المدينة كانوا يتابعون الملصقات على الجدران وأعمدة الكهرباء حين كانوا يقومون بإلصاقها، فكانوا فضوليين كثيراً (فمدينة لها مع السينما تاريخٌ دامٍ متعلّقة بالسينما ومتابعتها)، الأطفال والكبار يسألون عن موعد العرض ومكانه قبل قراءة البوستر حتى، وقد حضر العرض أكثر من 250 طفلاً ينبضون بالحياة ليدملوا 250 طفلاً قضوا حرقاً وهم يشاهدون عرضاً، لكن بعيداً عن ذاكرتهم.

 

في نهاية الفيلم، قام مجموعة أطفال بمناقشة حول الفيلم، كانت أسئلتهم ناضجة كأرواحهم، أسئلة في الصميم الإنساني عن الفيلم (الطفل)، من بطولة تشابلن، في إشارة إلى الجانب الإنساني من الفيلم.

 

يظلّ فيلم تشابلن محفوفاً بالقلق في الذاكرة الفضية بُعيد الحرب العالمية الأولى، أوانَ إخراجه له، في مقولة ربّما لن يقولها الأطفال، لكن بالتأكيد ثمة من عاشها واقعاً أو يعيشها.

 

 

في السيناريو يُتركُ الطفل اليتيم/ موضوع الفيلم، في الشارع نظراً للعوز الشديد لأمّه، وكأننا بالبلاد برمّتها يتيمة ومتركوة كخيمة للريح.

 

 

***

 

 

 

 

.

.

.

اقرأ المزيد للكاتب .. 

 

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
آخر المقالات
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard