تهميش المرأة السورية ؟
*ريناس سينو
الشاعرة الدمشقية ماري العجمي ، أسّست أول مجلة نسائية سورية باسم " العروس"، عام 1910، كما كانت عضوة الرابطة الأدبية الطليعية 1922؛ ماري لم تكن سوى واحدة من نساء تلك المرحلة التاريخية التي كانت فيها المرأة السورية تنخرط بقوة في الحياة السياسية والاقتصادية حيث شاركت بكثافة في التظاهرات التي كانت تنظّم ضد القصف الفرنسي لمدينة دمشق 1925،والتي كانت تخرج فيها النساء بالآلاف.
بعد الاستقلال، حصلت المرأة السورية على حقّها في الانتخاب عام 1948، وكان مشروطاً بأن تبلغ سن ١٨ عاماً وأن تكون حاصلة على الشهادة الابتدائية، ثم حصلت على حق الترشح عام 1953 وأزيل حينها شرط الحصول على الابتدائية لحق الانتخاب. برزت في تلك المرحلة، العديد من النساء القياديات، حيث لمع اسم غادة السمان صاحبة مجموعة القصص (عيناك قدري) كمناضلة نسوية في الستينيات من القرن المنصرم.
ولكن، لم يبق الحال كما كان!، حيث تراجع دور المرأة بعد الاستقلال وخاصة في فترة الاضطرابات السياسية في سوريا ولم يكن الحال أفضل في مرحلة الاستبداد بعد استيلاء حزب البعث على الحكم في سوريا، وبعد انطلاق الثورة في آذار ٢٠١١ شاركت المرأة بفعلية في المظاهرات وفي تنظيمها وحتى قيادتها، كما ساهمت في تأسيس المنظمات المدنية المختلفة واستلمت أعلى المناصب الإدارية فيها، ولم يتوقّف نشاطها على الجوانب الإدارية والتنظيمية، بل شاركت في الميادين العسكرية وحتى في هيئات الدفاع المدني، ولكن بقيت مشاركتها على المستوى السياسي خجولة ولم ترتقِ إلى مستوى إمكانياتها ومساهماتها في محاربة الإستبداد، ولهذا الوضع أسبابه المختلفة :
أولاً: الأسباب المجتمعية تتعلق بشكل رئيسي بالذهنية التي تسيطر على المجتمع والتي ترى بأن النساء بحاجة إلى تمكين، وأنهن ضعيفات، لا يصلحن للعمل في كافة الميادين وخاصة السياسية منها.
ثانياً: السبب الاقتصادي ويحد هذا العامل من قدرة المرأة على التحرّك ولعب دور أكبر، كون الرجل يحتكر الأمور الاقتصادية منذ عصر الاقطاع إلى يومنا هذا، وإن كان يتم الاعتماد على جهد النساء بشكل كبير في القطاع الزراعي .
ثالثاً: أسباب دينية حيث يشكّل الدين والفهم الخاطئ لها عائقاً رئيسياً في تطور المرأة و يحدّ من حركتها ويحرمها من أغلب الحقوق.
رابعاً: أسباب حقوقية؛ فإن إجراء مراجعة بسيطة للدساتير والقوانين السابقة، تكفي لنعلم أنها لم تنصف المراة ولم ترتقِ هذه القوانين إلى المستوى الذي يسمح للنساء بمنافسة الرجال في الميادين المختلفة.
كل هذه الأسباب وغيرها، رسمت صورة نمطيّة عن المرأة في مخيّلتنا كحال كل الرجل في الشرق، دفعت ثمنها المرأة عقوداً من التمييز والتهميش والاضطهاد.
هذه الصورة النمطية، بدأت تتلاشى شيئاً فشيئاً منذ اليوم الأول لعملي في الشأن العام، نهاية عام ــ ١٩٩٨ــ وبعد اندلاع الثورة السورية، التقيت بالعديد من الصديقات الرائعات، كنَّ يقدّن المظاهرات، وشهدتُ مواقف كثيرة تتعارك فيها النساء مع رجال الأمن لتخليص الشباب المتظاهرين من قبضهتم . ومما زاد في إيماني بعدالة قضية المرأة، مجموعة من النساء الرائعات اللاتي عملت معهن في مركز المجتمع المدني والديمقراطية، حيث أظهرنَ قدراتٍ كبيرةً في القيادة وإيجاد الحلول وتحمّل الضغوطات في سبيل الدفاع عن قضايا المرأة وغيرها من القضايا التي يعاني منها الشعب السوري .
فلا ديمقراطية حقيقية بدون إنصاف النساء، ولا حرية بدون تحرّر الرجل من عقدته تجاه النساء؛ فالعدالة لا تتجزّأ، وكذلك المساواة التي نطالب بها لجميع أبناء الشعب السوري.. وتفكيك الإستبداد، لا يكون فقط بتفكيك الأنظمة الإستبدادية وحدها، بل يجب أن يوازيه تخليص المرأة من استبداد المجتمع بحقها، فعدالة قضيتها، لا تقلّ عن عدالة القضايا الأخرى.
.
.
.
اقرأ المزيد للكاتب:
ــ في الصراعات السياسية العرقية