info@suwar-magazine.org

الهلال الأحمر السوري: العمل الإنساني تحت النار !

الهلال الأحمر السوري: العمل الإنساني تحت النار !
Whatsapp
Facebook Share

 

متطوّعو الهلال الأحمر: قتلٌ وتغييبٌ وسط صمتٍ دوليّ

 

(1)

*محمد همام زيادة

 

لم تؤمّن شارة الحماية الدولية، التي يحملها متطوّعو الهلال الأحمر السوريّ، الحماية الحقيقية لهم من النزاع المستمرّ منذ نحو أربع سنوات. ولم يتوقف النظام السوريّ وميليشياته المسلحة عن اعتقال وتغييب الكثير منهم، إذ وجّه لغالبيتهم تهماً بدعم الإرهاب بسبب نشاطاتهم الإنسانية والإغاثية.

 

يقول أحد المتطوّعين السابقين بفرع دمشق للهلال الأحمر، والذي تمّ اعتقاله لمدّة شهرين عام 2013، لمجلة صوَر: "وُجّهت لي تهمة الإرهاب بسبب مساعدتي في تقديم المعونات الغذائية لنازحي مدينة داريا. تمّ التعامل معي بطريقةٍ سيئةٍ جداً مقارنةً مع زملائي. وطوال شهرين كانت حفلات التعذيب التي أتعرّض لها تبدأ بعبارة "عم تبعت أكل ودوا للإرهابيين".

 

في فخّ الاعتقال

 

مع ازدياد تعقيد الوضع السياسيّ في سوريا، وصل التأزم إلى أروقة العمل الإنسانيّ في الهلال الأحمر. ففي فرع دير الزور يعمل المتطوّعون في ظروفٍ أقلّ ما توصف بالقاسية، في مساحةٍ صغيرةٍ مما تبقى من المدينة تحت سيطرة النظام، يزيد من معاناتها الحصار الذي تفرضه عليها داعش، وتضاف إلى ذلك مضايقاتٌ من قيادة الفرع المعروفة بتأييدها للنظام وعدائها لأبناء المناطق التي ثارت في وجهه، كما أكد الكثير من أبناء المدينة الذين تحدّثت معهم المجلة. ويأتي كلّ ذلك في ظلّ غياب تغطيةٍ إعلاميةٍ لحالات الاعتقال التي تطال متطوّعي الفرع، نتيجة البعد الجغرافيّ والمخاطر الأمنية العالية في شرقي سوريا.

 

 

يقول مصدرٌ مقرّبٌ من الفرع لمجلة صوَر: "منذ نحو عامين اعتقل حاجزٌ للأمن العسكريّ والشبّيحة المتطوّعَين مدلج المدلجي وإبراهيم الحامد، واختفيا منذ تلك اللحظة، ولم تنفع المبالغ المالية التي دفعها أهلهما لسماسرة النظام وأجهزته في الكشف عن مصيرهما". ويتابع المصدر حديثه بالقول: "المسؤول عن عملية الخطف هو رئيس فرع الهلال الأحمر المعروف بمواقفه المؤيدة للنظام بشراسة، وعلاقاته عالية المستوى مع قيادات الأجهزة الأمنية". ويضيف: "كان إبراهيم ومدلج من أقوى الأصوات التي تطالب الإدارة بإدخال المساعدات إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، فيما تعارض الإدارة الأمر، ما دفعها في النهاية إلى التآمر مع الأجهزة الأمنية لاعتقالهما".

 

 

ويضيف المصدر: "لا أحد يعرف السبب الحقيقيّ وراء استمرار الفرع وإدارته، رغم إجماع أهالي المدينة على فسادهم وسرقتهم المساعدات وبيعها في الأسواق وتوزيعها على الشبّيحة في المدينة".

 

سوريا الأخطر على المتطوّعين 

 

وثقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حتى شهر نيسان الماضي، مقتل 42 متطوّعاً من الهلال الأحمر العربيّ السوريّ، و8 متطوّعين من الهلال الأحمر الفلسطينيّ العاملين في سوريا، أثناء تأدية مهامهم في المناطق خارج سلطة النظام. وأتت جميع هذه الحوادث نتيجة استهدافهم من الطيران الحربيّ أو من أسلحةٍ متنوّعةٍ تعود جميعها للنظام.

 

ولم تتخذ اللجنة الدولية، عبر مكتبها الرئيسيّ بدمشق، أيّ إجراءٍ حقيقيٍّ للضغط على النظام لإيقاف استهداف كوادرها بسوريا. وجرت العادة بالاكتفاء بإصدار تصريحٍ صحافيٍّ يدين حادثة مقتل المتطوّعين أثناء تأديتهم عملهم، ويطالب أطراف النزاع بإيقاف استهداف العاملين في المجال الإنسانيّ، رغم أن المسبّب والقاتل واضحٌ للجميع، إلا أن المنظمة تتجنّب تسميته.

 

كما سجّلت الأزمة الإنسانية في سوريا أرقاماً كبيرةً من الخسائر البشرية بين صفوف كوادر الحركة الدولية للصليب الأحمر، بالمقارنة حتى مع بلدانٍ شهدت صراعاتٍ واضطراباتٍ مماثلةً لسوريا، كاليمن وليبيا. كما وثقت منظماتٌ حقوقيةٌ دوليةٌ تفوّق النظام السوريّ على النظام الليبيّ السابق في استهداف الكوادر البشرية لمؤسّسات الحركة الدولية للصليب الأحمر.

 

صمت المنظّمة

 

رغم تكرار حالات الاعتقال التي طالت المتطوّعين منذ عام 2011، لم يصدر الهلال الأحمر العربيّ السوريّ بياناً رسمياً يطالب بالإفراج عن أيٍّ من معتقليه، ولم تسجَّل له أيّ محاولةٍ علنيةٍ لإطلاق سراحهم.

يقول متطوّعٌ من فرع حماة للمجلة: "يحاول بعض مسؤولي الفرع التوسّط لدى الأجهزة الأمنية لإطلاق سراح بعض الزملاء. وفي الغالب لا يتمّ الاستماع إلى مطالبهم، فسلطة الأمن هي العليا في المحافظة".

 

ويتابع: "ربما توجّه اتهاماتٌ لمسؤولي الفرع بالتخلي عن كوادرهم، وهذا فيه شيءٌ من الصحة، لكن الواقع يفرض أحكامه، فغالبية الإدارات تحاول خلق حالة توازنٍ لتحقيق الهدف الأكبر المتمثل في تقديم المساعدات للسوريين المحتاجين".

 

في حين يرى (عبيدة. ن)، وهو متطوّعٌ آخر، أن "هناك أسلحة أكثر فعاليةً لحماية المتطوّعين لا تستخدمها قيادة الهلال الأحمر. ففي الكثير من دول أفريقيا انسحبت اللجنة الدولية للصليب الأحمر وأوقفت أنشطتها بعد تعرّض عمالها لحالات عنف. لا أعرف لماذا لا تصدر اللجنة الدولية أمراً للهلال الأحمر بالتلويح بالانسحاب".

 

في المقابل سجّلت منظمة العفو الدولية عدّة مناشداتٍ لإطلاق سراح متطوّعين تمّ احتجازهم سابقاً، كالمتطوّع محمد عطفة الذي اعتقل في شهر نيسان 2013.

يقول المحامي كرم عربيني: "هناك قوانين خاصّةٌ تحكم عمل المنظمات الدولية، واللجنة الدولية للصليب الأحمر والاتحاد الدوليّ لجمعيات الهلال والصليب الأحمر جزءٌ منها. ربما هناك صمتٌ من قيادة المنظمة في سوريا خوفاً من بطش النظام، ولكن لماذا الصمت في أروقة المنظمة الدولية في سويسرا؟ ولماذا يكتفون بإصدار بيانات التنديد بمقتل متطوّعيهم واعتقالهم؟ رغم أن مبدأ الحماية هو الأهمّ في المنظمة، وتأمين المتطوّع لأمنه الشخصيّ من أوّل الدروس التي يتلقاها في سوريا".

 

 

انعكاساتٌ سلبية

 

أدّى غياب الحماية الحقيقية لمتطوّعي الهلال الأحمر إلى تجنّب الكثير من الشباب الانخراط في العمل مع المنظمة في السنتين الأخيرتين، بالرغم من رغبتهم في المساهمة في الأنشطة الإنسانية.

تقول سارة، وهي طالبةٌ بكلية طب الأسنان بجامعة دمشق، ومتطوّعةٌ سابقةٌ في الهلال الأحمر: "عندما تصاعد العنف في سوريا بادرتُ إلى التطوّع مع الهلال الأحمر، وشاركتُ في عدّة دوراتٍ في مجال الإسعاف الأوليّ. ولكن اعتقال زميلةٍ كانت تعمل معي في فريق الإسعاف جعل أهلي يضغطون عليّ لترك عملي خشية تعرّضي لأيّ مكروه، فقررت التوقف عن العمل".

 

متطوّعٌ آخر، رفض ذكر اسمه للضرورة الأمنية، يتحدّث لصوَر: "أدرك تماماً أننا مستهدفون من النظام، وأن هذا الاستهداف مقصودٌ ومتعمّدٌ وليس على سبيل الخطأ، ورغم ذلك أظنّ أن العمل الإنسانيّ يستحقّ المغامرة. أبناء بلدي في حاجةٍ إلى المساعدة، وعلى كلّ سوريٍّ قادرٍ تقديم العون لهم، فكيف إن كان الشخص متطوّعاً في منظمةٍ تنذُر نفسها لمساعدة الآخرين في كلّ الظروف والأحوال".

 

 

 

***

 

(2)

 

الهلال الأحمر يتفرّد بتنفيذ الاتفاقيات بين قوّات النظام والمعارضة

 

*جورج.ك.ميالة

 

تمكن الهلال الأحمر السوريّ، على مدى العامين الماضيين، من لعب دور الوسيط بين قوّات المعارضة وقوّات النظام. واستطاعت المنظمة، رغم ضراوة المعارك بين الطرفين وحالة العداء الكبيرة بينهما، كسب ثقتهما والإشراف على تنفيذ الاتفاقيات بينهما، بالتعاون مع الأمم المتحدة.

 

 

وسيطٌ في صفقات التبادل

 

نفّذ فرع الهلال الأحمر بحماة، منذ عدّة أيامٍ، صفقة تبادلٍ بين الجيش الحرّ وقوّات النظام بمنطقة مورك بالريف الشماليّ. ويتحدّث مصدرٌ مقرّبٌ، رفض ذكر اسمه للضرورة الأمنية، عن آليات المفاوضات وسير العمل قائلاً: "طلبت اللجنة الأمنية من قيادة الفرع فتح قنوات اتصالٍ مع فصائل قوّات المعارضة بريف حماة، بعد أن قاموا بمفاوضاتٍ أوليةٍ معهم من أجل تسليم جثث عددٍ من ضباط وصفّ ضباط النظام كانوا قد قتلوا خلال معارك بمنطقة مورك". ويتابع المصدر: "بعد اتصالاتٍ مطوّلةٍ طلبت قوّات المعارضة، لقاء تسليم الجثث المطلوبة، إطلاق سراح ستّ سيداتٍ معتقلاتٍ في سجون النظام بحماة، فتمّت الموافقة على الأمر. وتمّ الاتفاق على المكان والزمان، مع وقف إطلاق النار بين الطرفين في المنطقة المتفق عليها. أمّن الهلال الأحمر المعدات اللوجستية، من برّاداتٍ لحمل جثث مقاتلي النظام وسيارات إسعاف. وتمّ تسليم المعتقلات بحضور إعلاميين من جهة المعارضة، وبغياب أيّ وجودٍ لممثلين عن النظام في منطقة التبادل".

 

تعاونٌ مع الأمم المتحدة

 

تعتمد مكاتب الأمم المتحدة بدمشق على الهلال الأحمر للإشراف على إدخال المساعدات إلى المناطق المحاصرة بحمص، ولا سيّما حيّ الوعر الذي تحاصره قوّات النظام، بشكلٍ شبه تامٍّ، منذ أكثر من عامين. وغالباً ما تكون المهمة مشتركةً بين الهلال الأحمر والأمم المتحدة.

 

يروي الناشط عمر الحمصي: "تأتينا برقيةٌ من مكتب الأمم المتحدة بدمشق أن هناك قافلة مساعداتٍ سوف تدخل إلى الحيّ بتاريخٍ محدّد، وبدورنا نحاول أن تكون المساعدات متوافقةً مع احتياجاتنا، عن طريق التواصل مع الهلال الأحمر بحمص وطلب موادّ محدّدة. وفي يوم التنفيذ تقوم فصائل الجيش الحرّ بوقف إطلاق النار، والاستعداد لإدخال المساعدات عن طريق المدخل الرئيسيّ للحيّ، والذي يشهد وجوداً مكثفاً لقوّات النظام".

 

ويتابع الحمصي كلامه قائلاً: "شاهدت بعيني، عدّة مرّاتٍ، إطلاق رصاصٍ مباشرٍ على سيارات الهلال الأحمر. الأمر الذي تسبّب، في إحدى المرّات، في إصابة أحد السائقين والمتطوّع المرافق له، ما أدّى إلى إفشال العملية وتأجيلها".

 

ويضيف: "هناك ثقةٌ لدى أهالي حيّ الوعر بالهلال الأحمر وبحياديته وبمحاولته القيام بما بوسعه لمساعدتنا، رغم تضييق النظام على الكثير من أنشطته".

 

كيف تدخل المساعدات إلى مناطق المعارضة بحلب

 

 

تأتي الأوامر من مقرّ المنظمة الرئيسيّ بدمشق بوجود قافلة مساعداتٍ إنسانيةٍ يجب إدخالها طبقاً للخطة الموضوعة لكلّ محافظةٍ وحسب احتياجاتها. تبدأ إدارة الفرع بحلب رحلتها الشاقة للتواصل مع النظام والمعارضة اللذين يشكلان الجهتين الحاكمتين لمدينة حلب.

 

يتحدّث أحد المتطوّعين السابقين في المنظمة لمجلة صوَر قائلاً: "يبدأ الأمر بالتفاوض مع النظام، لأنه الجهة الأكثر تعنتاً وتدقيقاً في موضوع المساعدات الإنسانية. يتمّ التواصل مع اللجنة الأمنية، وهي السلطة العليا في المحافظة، وتضمّ رؤساء الفروع الأمنية جميعها، إضافةً إلى مسؤولين عسكريين والمحافظ. تُقدَّم الفكرة لهم لتتمّ مناقشتها في اجتماعاتهم. غالباً ما تكون هناك فظاظةٌ في التعاطي معنا. وعلى الجانب المقابل، في مناطق سيطرة المعارضة، يتمّ التواصل مع المجالس المحلية ومع وسطاء مدنيين، إضافةً إلى الفصائل العسكرية المسيطرة على كلّ منطقة، كحركة أحرار الشام، وهي الجهة العسكرية المشرفة على معبر بستان القصر الذي يفصل بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة بالمدينة. وبعد أخذ موافقات جميع الأطراف يجهّز فريق التدخل خطة العمل، التي تتضمّن أسماء المتطوّعين والطرق التي سيتمّ سلوكها أثناء تنفيذ المهمة".

 

ويتابع: "عندما تتمحور المهمة حول إدخال مساعداتٍ إنسانية، تطلب اللجنة الأمنية إدخال شاحنات المساعدات إلى مدينتي نبّل والزهراء اللتين تحاصرهما فصائل من الجيش الحرّ، رغم أن القوافل مرسلةٌ ومخصّصةٌ لمناطق المعارضة. يتمّ التراسل مع إدارة المنظمة مرّةً أخرى، وترتيب الأمور مجدّداً، والاتفاق على الكميات المراد إدخالها إلى كلّ منطقة.

 

وفي يوم التنفيذ، وبعد الاتفاق مع جميع الأطراف والتأكد من وقف إطلاق النار، يقوم فريق التدخل بإدخال المواد عبر معبر كراج الحجز، بواسطة عرباتٍ تُجرّ بالأيدي مزينةٍ بشارات الهلال الأحمر لمنع استهدافها.

 

إضافةً إلى ذلك، يقوم الفرع بالإشراف على عمليات نقل المرضى ذوي الحالات الخطرة من مناطق المعارضة لتتم     ّ معالجتهم في مشافي مدينة حلب. وغالباً ما يبدي النظام تساهلاً في مثل هذه الحالات، خصوصاً عندما يكون المرضى من النساء وكبار السنّ. ويحاول متطوّعو الفرع متابعة الحالات المرضية وتقديم جميع أشكال العون الماديّ والمعنويّ بمشفيَي الجامعة والرزاي الحكوميَّين، أو بمشفى الهلال الأحمر، حتى تتمّ معالجة المرضى".

 

 

غيابٌ في مناطق داعش

 

لم يتمكن الهلال الأحمر، رغم جهوده الحثيثة والضغوط المستمرّة من مكتب الأمم المتحدة بدمشق، من فتح بوابات اتصالٍ مع مناطق سيطرة داعش، الأمر الذي حرم عشرات الآلاف من المدنيين بريف حلب الشرقيّ وريف الحسكة ودير الزور والرقة من المساعدات. ويرجع مقرّبون من المنظمة السبب إلى أن تنظيم داعش أصدر، منذ عدّة شهورٍ، قراراً يوقف التعامل مع أيّ منظمةٍ أجنبيةٍ أو سورية، متهماً إياها بالعمل لصالح جهاتٍ غربية. فيما يقول الناشط أحمد الديري لمجلة صوَر: "يعود رفض التنظيم التعامل مع هذه المنظمات إلى سببين رئيسيين، أولهما خوفه من أيّ خروقاتٍ أمنيةٍ لصفوفه عن طريق قوافل الإغاثة، بعد انتشار حالة الخوف والذعر لدى التنظيم نتيجة ضربات التحالف الدولي لمقرّاته، وثانيها رغبته في التضييق على حياة الناس، وإجبارهم على العمل والتطوّع معه تحت ضغط الفقر وقلة المساعدات الإنسانية التي تدخل هذه المناطق".

 

 

 

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
آخر المقالات
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard