سانك يو
ملاذ الزعبي
كان من جملة محاسن غير الصدف لدراسة المرحلة الإعدادية في مدارس هيئة الأونروا وليس في مدارس مؤسّسات الدولة السورية، التي يجب أن نحافظ عليها ونعضّ عليها بالنواجذ، غياب حصص التربية العسكرية. أو، على الأقلّ، عدم انتظامها، واقتصارها على بضع حصصٍ إضافيةٍ شبه شهريةٍ كان على إدارة المدرسة الالتزام بها. وكانت معظم هذه الحصص تحدث خلال زيارات مفتشي مادة التربية العسكرية القادمين من دمشق بين حينٍ وآخر.
في إحدى هذه الزيارات، وبعد أن نلنا إعجاب المفتش بقدرتنا على تنفيذ أوامر اليمين در والوراء در بانتظامٍ واتساقٍ يتجاوزان إبداع فرقة "سِما" للرقص التي تشارك في برنامجٍ للموهوبين الهواة بعد سنواتٍ من الدراسة الأكاديمية؛ جلس المفتش في صدر الباحة على كرسيٍّ من خشب الزان، وبدأت جلسةٌ من التوجيه السياسيّ ما كنا نحتاج إليها أساساً.
وبعد نهاية الجلسة المخصّصة للحديث عن سلام الشجعان، وحنكة السيد الرئيس، وكيف أننا لسنا دعاة حربٍ وإنما ندفع الحرب عن أنفسنا؛ تمّ فتح الباب للأسئلة. فما كان من أحد الزملاء إلا أن توجّه بسؤالٍ يجمع قدراً ليس قليلاً من البلاهة مع قدرٍ غير قليلٍ من المجازفة: في لقاء السيد الرئيس حافظ الأسد (قاطعنا سؤال الرفيق هنا بتصفيقٍ حارّ) مع الرئيس الأمريكيّ بيل كلينتون، لاحظنا وجود مترجمٍ لأن الرئيس الأسد لم يكن يتكلم إلا العربية؛ هل كان الرئيس الأسد يتقصّد الحديث باللغة العربية كنوعٍ من التمسّك بلغتنا الأصيلة ولإرسال رسالةٍ للرئيس الأميركيّ -داعم الصهيونية- أننا لا نتخلى عن لغتنا، أم لأن الرئيس الأسد (وهنا تبدأ البلاهة الممزوجة بالمجازفة) لا يجيد التحدّث باللغة الإنجليزية؟
ورغم أن السيناريو السينمائيّ الذي يجب أن يلي هكذا سؤالٍ هو كالتالي: ومرّت دقائق من صمتٍ مطبقٍ تحت شمس ظهيرةٍ حارّةٍ في باحة مدرسةٍ إعدادية، حبس التلامذة أنفاسهم وتسارعت دقات قلوبهم فيما كانت قطرةٌ من عرقٍ تسيل على جبين مفتش التربية العسكرية...، إلا أن السيناريو الواقعيّ للحادثة ذهب كالتالي: بمجرّد انتهاء زميلنا التلميذ من إلقاء سؤاله الذكيّ واللمّاح ردّ أخونا المفتش، ببديهية مؤمنٍ يتوضأ سئل عن ضرورة الصلاة: ومن قال لك إن الرئيس الأسد لا يجيد التحدّث باللغة الإنجليزية؟! ألم تسمعه يقول للرئيس بيل كلينتون: سانك يو.