العلمُ ليس بالباطل
نارت عبد الكريم
ترى بعض الفلسفات الشرقية أنَّ الكمالَ والسعادة الدائمين هما إمكانيتان متاحتان لكلِّ البشر أثناء الحياة وليس بعد الممات، وذلك بغضّ النظر عن أوضاعهم المعيشية والمالية وأعمالهم ودرجة تعلمهم وحتى عن أعمارهم. فهي ترى أنَّ الهدف الأساسيَّ لكلِّ إنسانٍ هو تحصيل السعادة والشعور بالسَّكِينَةِ والسلام، أمَّا ما عدا ذلك فهو مجرّد وسائل وأدوات، مثل جمع المال وطلب العلم وإدراك النجاح والشهرة والحصول على السلطة والمناصب، وحتى "الحبّ" والزواج وإنجاب الأولاد.... إلخ. لذلك طَوَّرت هذه الفلسفات عدّة تقنياتٍ لتحقيق ذلك الهدف، أي السعادة الدائمة في الحياة وليس في الآخرة. وكلُّ تلك التقنيات والمناهج تقود، عملياً، إلى معرفة النفس أولاً ومن ثمَّ التخلي عنها ثانياً.
وتأتي تقنية "طريق القوس" لدى مدرسة الزِنْ اليابانية ضمن هذا السياق، إذ يتعلم المتدرب أنَّه هو الهدف من إتقانه هذا الفنّ وليس إصابة الدريئة بالسهم أو حصد الجوائز والتغلب على أقرانه ونيل إعجاب الجمهور. وأنَّ المقصودَ، من وراء هذه الممارسة، تطويرُ القوى العقلية والروحية للمتدرّب وتحقيق الاستنارة والكمال.
قد تنسحب هذه الطريقة في التفكير على الكثير من الأعمال والمهن، ومنها الكتابة والتأليف على سبيل المثال؟ فالكاتب، ما لم يكن هو نفسه هدفاً لعمله، لا فائدة تُرجى مما يكتبه. لأنَّ كلَّ نتاجهِ وجهده، في هذه الحالة، يكونان ناجمين عن أنا نرجسيَّةٍ متضخمةٍ ومُشَوَّهة. وما بُني على باطل، مهما كان جميلاً وبرَّاقاً، فهو باطل.