لوحاتٌ أصليَّةٌ في حضارةٍ مزيّفة
*نارت عبد الكريم
عَمِلَ السَّحَرَةُ والمشعوذون، في العصور القديمة، على تشويه فكرة الروح وشيطنتها أحياناً. ومن بعدهم جاءَ رجال الدين فساروا على النهج عينه. أمَّا الفلاسفة والعلماء فكانوا أَكْثَرَ ذكاءً وأَشَدَّ تعقلاً إذ اتخذوا منها موقفاً جذرياً، صارماً وحاداً، حين قاموا باجتثاثها نهائياً وعملوا على نفيها الى خارج عالمنا. وبفضلهم، والحمد لله، أضحى عالمنا الحديث بلا روحٍ تماماً.
إنَّ هذا البَتْرَ والفقدان الذي يعانيه الإنسان في عصرنا الحاليّ يسببان له ألماً ومعاناةً شديدين، تظهر بعض عوارضهما على شكل إحساسٍ غامضٍ بالضياع والخواء، بالإضافة الى خوفٍ مزمنٍ من الوحدة ومن السكون. كلّ تلك الأسباب والعوارض تدفعه إلى تعاطي كلّ أنواع المخدرات والمسكنات بلا توقف، بدءاً من لهاثه خلف الجنس، مروراً باجتراره الطعام والشراب والأفكار كذلك، وصولاً إلى تعاطيه الفنون جميعها.
إنَّ مشهد وقوف الناس طوابير طويلة، منذ الصباح الباكر، لدخول معرضٍ هنا ومتحفٍ هناك، يضمّ أعمالاً فنيةً أو لوحاتٍ تشكيليةً لفنانين كبارٍ وصغار، لهو مشهدٌ مألوفٌ وكثير التَّكرار في البلدان "المتقدمة". وتعدّ لوحتا "عبّاد الشمس" و"حقول القمح"، للفنان الهولنديّ "فان كوخ"، من أغلى وأشهر الأعمال الفنية التي تستقطب ملايين الزوّار من شتى أنحاء العالم.
وهنا تكمن المفارقة والمأساة في الآن ذاته؛ فمن شاهدَ، من هؤلاء الملايين، في حياته كلها، حقل عبّاد شمسٍ حقيقياً أو حتى حقل حنطة؟ وعلام غدت الصورة، في حضارتنا الحديثة، أَكْثَرَ جاذبيةً واهتماماً من الأصل؟ وعلام غدا الميتُ أَجْمَلَ من الحيّ؟
.
.