info@suwar-magazine.org

الاختفاء القسريّ في إدلب

الاختفاء القسريّ في إدلب
Whatsapp
Facebook Share

 

 

وسيلةٌ للانتقام من الأهالي وجمع الأموال

 

*دارين الحسن

 

 

أدّى الصراع في سوريا إلى كثيرٍ من المآسي والمصاعب التي يمرّ بها الشعب السوريّ يومياً على يد نظامه المستبد قتلاً ودماراً وتشرّداً، ولكن الأصعب من ذلك كله هو سلب الحرية التي تعدّ أغلى ما يملكه الإنسان. إذ إن عناصر النظام والموالين له يمارسون الإخفاء القسريّ الذي يعدّ أحد أقسى أشكال انتهاكات حقوق الإنسان وأكثرها لا إنسانية، فهم يرفضون الاعتراف بحرمان الشخص من حرّيته ويخفون مصيره ومكان وجوده مما يحرمه من حماية القانون.

 

 

واتهمت منظمة العفو الدولية النظام السوريّ بجني الأرباح من عمليات الإخفاء القسريّ المنتشرة في سوريا. أما في محافظة إدلب، وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، فقد اتخذ النظام عمليات الخطف أداةً لسحق المعارضة ونوعاً من الانتقام من الأهالي، بالإضافة إلى الحصول على المال، مستغلاً أن سكان المحافظة يضطرّون أحياناً إلى السفر والمرور بحواجز قوّاته، فيختفي بعضهم أثناء الطريق وتنقطع أخباره عن أهله وذويه، إلى حين تدخل الوسطاء لدفع المال واسترجاع المختفي.

 

 يستغلّ النظام الرغبة العارمة لدى أسر المفقودين لمعرفة مصير أولادهم وإنقاذهم وتخليصهم، ما يجبر بعض الأسر الفقيرة على استدانة مبالغ كبيرةٍ أو بيع ممتلكاتها من أجل ذلك.

 

أبو محمد (45 عاماً) من ريف إدلب، والد الشاب الجامعيّ محمد الذي تم خطفه من سكنه الجامعيّ في ظروفٍ غامضة، يقول: "حاولت كثيراً معرفة مكان ولدي، وأنفقت أموالاً كثيرةً لمعرفة أيّ معلوماتٍ عنه، وما إذا كان على قيد الحياة أم لا، ولكن دون جدوى. تلقيت وعوداً كثيرةً لإخراجه من السجن أو حتى سماع صوته، ولكنني اكتشفت بعد ذلك أنه نوعٌ من الحيلة والخداع لابتزازي مالياً. وأنا أتجرّع مرارة الانتظار بكثيرٍ من اليأس للحصول ولو على معلومةٍ واحدةٍ تثلج صدري وتريح نفسي المعذّبة".


بالإضافة إلى ذلك يقاسي ضحايا الاختفاء متاعب جمّةً تودي بهم إلى الموت أحياناً، لأنهم يعيشون في ظروفٍ قاسيةٍ وغير إنسانية، إذ يتمّ وضعهم في غرفٍ صغيرةٍ ومكتظةٍ فتتفشى بينهم الأمراض دون الحصول على العلاج، ويتعرّضون لكلّ أنواع التعذيب. وصاحب الحظ السعيد بينهم من يخرج من سجنه لتلاحقه لعنة الأمراض النفسية في ما تبقى له من حياة. 


أحمد شنيرة (37 عاماً) من مدينة معرّة النعمان، كان ضحيةً من ضحايا الاختفاء القسريّ وكتبت له النجاة فغادر البلاد مباشرةً إلى تركيا خوفاً من اعتقاله ثانيةً، يتحدّث بحزنٍ عن فظاعة ما مرّ به وما شاهده داخل المعتقل: "اعتقلت، بتهمة الإرهاب، أثناء سفري إلى مدينة إدلب قبل تحريرها. وأودعت في زنزانةٍ صغيرةٍ، برفقة خمسين آخرين. وكنا نعاقَب دائماً عن طريق الضرب بالعصيّ وبالقضبان المعدنية، والتعليق في الهواء والصدمات الكهربائية. فارق الكثير من زملائي الحياة أثناء التعذيب أو نتيجة الأوضاع المزرية، وهناك من أصيب بالهيستيريا جرّاء الضرب على الرؤوس بالعصيّ".

 


 

ويؤكد أحمد أن حرمان الإنسان من رؤية ضوء النهار ونور الشمس، بشكلٍ مستمرٍّ وطيلة سنوات، من أصعب ما يعاقَب به الإنسان على الإطلاق، وأنه ورفاقه كانوا يتمنون الموت في مواقف كثيرة.


وقدّرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أعداد المختفين قسرياً في سجون النظام السوريّ بـ65 ألف شخص، بينهم 3050 مختفياً من محافظة إدلب، أغلبهم من المعارضين السلميين أو ناشطي حقوق الإنسان أو الأطباء أو العاملين في مجال توفير المساعدات الإنسانية. كما تكثر حالات اختطاف شخصٍ لمجرّد أن له قريبٌ مطلوبٌ للنظام، وهو ما حصل مع الضابط المنشقّ عن صفوف جيش النظام عامر، من قرية جرجناز التابعة لمعرّة النعمان، حين تمّ اعتقال أخيه على الحدود السورية اللبنانية.

 

 يقول السيد عامر: "أعلنت انشقاقي عن النظام بتاريخ 5/3/2012، لما رأيت من ممارساته الوحشية في وجه شعبه. وبعد حوالي سنةٍ اعتقل أخي أثناء عودته من لبنان إلى سوريا. أنا أتعذّب كثيراً من أجله، وأجهل المصير الذي آل إليه، فها أنا أنعم بالحرية ليدفع أخي ثمن حرّيتي. أتمنى أن أسلم نفسي للنظام من أجل تخليصه من ذنبٍ لم يقترفه، ولكنني لا أعلم إن كان حياً أم ميتاً، ولا أضمن إطلاق سراحه إن فعلت. كم أتمنى أن أطلب منه أن يسامحني".

 

ويندّد السيد عامر بكلّ من يدعم النظام السوريّ في ممارساته ضد الأبرياء والمدنيين، ويطلب من جميع عناصر الجيش الانشقاق عنه. 

 

أما اعتقال النساء فله وقعٌ مؤلمٌ عند العائلات السورية التي تعدّه مصاباً جللاً وفضيحةً أهون منها الموت، لأن الجميع يعلم الاستغلال الجنسيّ الذي قد تتعرّض له النساء من السجانين القذرين الذين تجرّدوا من الإنسانية وتحوّلوا إلى وحوشٍ لا ترحم. وهذا ما قالته والدة إحدى المعتقلات، وهي طالبةٌ جامعيةٌ تم اعتقالها على أحد حواجز قوات النظام: "أحبّ ابنتي كثيراً ولكنني أتمنى لها الموت فأعلم أنها ذهبت إلى رحمة ربها بدلاً من التفكير الدائم المتواصل والأفكار السوداء التي تراودنا بعد أن وقعت في أيدي ظلامٍ لا يرحمون ولا يحسبون للأعراض والحرمات حساباً".


بالإضافة إلى أن الاختفاء القسريّ يؤدّي إلى تفكّك المجتمع وانتشار الفاقة والحاجة، عندما تفقد الزوجة والد أطفالها وربّ أسرتها ولا تعلم مصيره أو مدّة سجنه، فتعيش وحيدةً على أمل سماع خبرٍ مفرحٍ بأن يعود الغائب يوماً إلى بيته وأسرته.

 


بالرغم من كلّ المصاعب التي يمرّ بها أبناء الشعب السوريّ، ورغم قسوة ومرارة الواقع المعاش، يظلّ المحتجزون وراء القضبان الحديدية هم الأكثر تضرّراً في حكاياتٍ واقعيةٍ قاسيةٍ جداً، لأن مصيرهم يكتنفه الغموض ويعيش ذووهم بين الخوف والرجاء. ولذلك فإن المعتقلين والمختفين قسرياً هم الضحايا الأكبر في الحرب السورية الدائرة.

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
آخر المقالات
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard