info@suwar-magazine.org

سوق الأوراق الماليّة في سوريا والهدف المرسوم له

سوق الأوراق الماليّة في سوريا والهدف المرسوم له
Whatsapp
Facebook Share

 

*المهندس سامر كعكرلي

 

لا تكاد تخلو صحيفةٌ من الصحف السورية الحكومية أو الخاصّة من خبرٍ عن تداولات سوق الأوراق المالية، أو ما يعرف ببورصة دمشق. سواء عن الحجم الماليّ لتداول هذا السوق، أو عن عدد الصفقات التي تمت. فها هي صحيفة الثورة، في عددها الصادر بتاريخ 23/3/2016، تنشر تحت عنوان «بعد عطلة الأيام الخمسة... 24 مليون ليرة تداولات بورصة دمشق». وعلى الرغم من المحاولة الواضحة لتلميع صورة البورصة إلا أن الصحيفة نسيت أن المبلغ المذكور، بحسابه على الدولار الأمريكيّ حسب السعر الرسميّ، لا يتجاوز الخمسين ألف دولار. وهو مبلغٌ قد يعادل تكلفة ليلةٍ واحدةٍ في أحد فنادق السبع نجوم، ولشخصٍ واحد.

 

إذاً، ما هو المبرّر الحقيقيّ للنظام للتركيز على عمل بورصة دمشق؟

 

بالطبع، يريد النظام السوريّ ووسائل إعلامه من هكذا أخبارٍ أن يقولا إن الاقتصاد السوريّ ما زال صامداً على الرغم من سنوات الحرب الخمس. وطبعاً دون النظر إلى التفاصيل الصغيرة، مثل انهيار العملة السورية وفقدانها أكثر من 90% من قيمتها، ودون النظر إلى تراجع الناتج المحليّ الإجماليّ بأكثر من 40%، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي. كلّ ذلك لا يهمّ، المهم بيان صورة البورصة التي تعمل وتُتداول فيها الأسهم.

وبذلك تكون بورصة دمشق، والقائمون عليها، ما زالوا يسيرون على الخط المرسوم لهم في دعم النظام.

 

 

فما هو الخط المرسوم لتلك السوق؟

ليست فكرة البورصة في سوريا من إبداعات هذا النظام، بل هي موضوعٌ قديم. إذ يذكر بعض تجار دمشق ما كان يطلق عليه "سوق البورص"، الذي يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، وكان يقع بجانب سوق الحميدية. كما يتذكرون الشركات المساهمة التي كانت في سوريا، مثل مصنع دمّر للإسمنت، الذي أُسّس عام 1930، وشركة المغازل وشركة الكونسروة وشركة التبريد... إلخ، حتى بلغ عدد الشركات المساهمة حوالي 30 في عام 1933. كما يتذكر التجار أن الأسهم في سوريا، وتحديداً في دمشق وحلب، كانت تستخدم كهدايا بين المواطنين، وأن بعض القضاة الشرعيين قضى بشراء الأسهم للأيتام القُصّر لأجل الحفاظ على أموالهم.

 

صحيحٌ أن نظام الوحدة مع مصر هو الذي أمّم الشركات المساهمة التي كانت رافعة الاقتصاد السوريّ، إلا أن النظام السوريّ استكمل ما بدأه نظام الوحدة ولكن بطريقةٍ أكثر عدوانيةً توحي للمراقب أن هذا النظام قد جاء إلى الحكم وليس أمامه سوى هدفٍ واحدٍ هو تدميرٌ ممنهجٌ للاقتصاد السوريّ.

 

في عام 2000، عندما أصبح بشار الأسد رأساً للنظام، ذكر في خطاب القسم أن سوريا ستشهد انقلاباً اجتماعياً واقتصادياً حقيقياً، وأنه سينفتح على اقتصاد العالم، بحيث يخطو خطواتٍ اقتصاديةً تنعش البلاد بعد فترة الجمود الاقتصاديّ الذي دام أكثر من ثلاثين عاماً. ولم يكن الشعب السوريّ يدري أن خطوات الانفتاح الاقتصاديّ التي سيتخذها نظام الوريث ستكون سبب تراكم الثروة في أيدي رجالات النظام أنفسهم.

 

 

ولتنفيذ التعهد الذي أطلقه بشار كان لا بدّ من قراراتٍ حزبية، فجاء المؤتمر القطريّ العاشر لحزب البعث الحاكم، والذي عُقد في حزيران 2005، ليقرّر انتقال البلاد من الاقتصاد الاشتراكيّ الموجّه إلى اقتصاد السوق، مع إلصاق كلمة الاجتماعيّ كنوعٍ من خديعة الطبقات المتوسطة والفقيرة بأن هذا التحوّل سيكون لصالحهم.

 

وكعادة النظام السوريّ عند إحداثه أيّ تغييرٍ في سياسةٍ اقتصادية، يحتاج إلى شخصٍ يوضع في الواجهة لتلقى عليه المسؤولية في حال فشل التغيير الجديد. ووجد النظام ضالته في شخصٍ ليبراليٍّ درس في بريطانيا، هو "عبد الله الدردري"، فتمّ تكليفه بمهامّ نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية، في بادرةٍ هي الأولى من نوعها بتسيلم رجلٍ غير بعثيٍّ هذا المنصب منذ انقلاب البعث.

 

بعد هذا المؤتمر بدأت حزمةٌ من القوانين بالصدور، مثل قانون الشركات رقم /3/ لعام 2008، والقانون رقم /41/ لعام 2007، القاضي بإحداث هيئة الضرائب والرسوم، وغيرهما من المراسيم. مع العلم أن القانون رقم /28/، الذي سمح بإحداث المصارف الخاصة، لم ينتظر تغيّر شكل الاقتصاد، فقد صدر في عام 2001. أما بالنسبة إلى البورصة فقد صدر القانون رقم /22/، القاضي بإحداث هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية، بتاريخ 19/06/2005.

 

بعد إصدار البنية التشريعية وتأمين المقرّ (بإجبار أحد المغتربين على التبرّع بإنشاء مقرٍّ للسوق، بتكلفةٍ تبلغ /750/ مليون ليرة سورية، مقابل تسهيل أعماله العقارية التي أطلقها في محافظة ريف دمشق)؛ افتتحت بورصة دمشق للأوراق المالية في 10/3/2009 بمظاهر احتفاليةٍ عمد إليها النظام، ربما لإخفاء الوجه الحقيقيّ لهذه البورصة التي أتت لتغطية مصالح رجال الاقتصاد المرتبطين به عضوياً، والذين ظهروا كرجال اقتصادٍ في عهده مبعِدين رجال سوريا الاقتصاديين الحقيقيين. وعند الافتتاح كانت هناك /6/ شركاتٍ مساهمةٍ (خمسة مصارف وشركة نقل). وكان من المفاجئ عدم إدراج شركة الهاتف الخليوي "سيريتل" التي يملكها ابن خال الرئيس "رامي مخلوف"، مع العلم أنها طرحت أسهمها للبيع منذ عام 2007، أي قبل انطلاق عمل البورصة. وكانت الحجة حينئذٍ أن شركتَي الخليويّ العاملتين في سوريا غير جاهزتين قانونياً للدخول في البورصة.

 

 

بعد افتتاح عمل بورصة دمشق توالت عمليات إدراج أسهم الشركات المساهمة فيها، حتى بلغ العدد /20/ شركةً موزّعةً على النحو التالي: /12/ مصرفاً، /3/ تأمين، /1/ زراعية، /1/ صناعية، /2/ خدمات. وبالنظر إلى هذه الشركات يرى المراقب أنها لا تمثل حقيقة الاقتصاد السوريّ القائم -بالدرجة الأولى- على الزراعة والصناعة اللتين تشكلان حوالي نصف الناتج المحليّ الإجماليّ، بينما لا يساهم قطاع المال والتأمين سوى بــ4% من إجمالي الناتج المحليّ في عام 2009. وهذا مرجعه إلى أن مفهوم البورصة يرتبط أولاً بوجود شركاتٍ إنتاجيةٍ كبيرةٍ تكون على شكل شركاتٍ مساهمة، وهو ما لا يوجد في سوريا بسبب حرص النظام -في ما مضى- على عدم إقامة مشاريع اقتصاديةٍ ضخمةٍ تساهم في النموّ الاقتصاديّ من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى عدم رغبة نظام الأسد الأب في رؤية تكتلاتٍ اقتصاديةٍ قد تكون -بشكلٍ أو بآخر- قاعدةً لتكوين تكتلاتٍ سياسيةٍ بعيدةٍ عن سيطرته. وحتى عندما أصبحت عند رجال النظام الثروة اللازمة، فضّلوا الاستثمار في المشاريع الخدمية غير الإنتاجية، وبذلك لم تظهر أيّ شركةٍ إنتاجيةٍ، سواء زراعية أم صناعية، جديرةٍ بإدراج أسهمها في البورصة، سوى شركة نماء الزراعية التي تعدّ من شركات القطاع المشترك المملوك ربعها للدولة.

 

 

وبهذا يتّضح أن الاقتصاد السوريّ لم يكن في حاجةٍ إلى سوقٍ للأوراق المالية، لعدم وجود شركاتٍ مساهمةٍ ترقى إلى أن تكون أسهمها محلّ ثقة المتداولين. ويتبيّن أن الهدف المرسوم لسوق الأوراق المالية لا ينضوي -بأيّ شكلٍ- تحت لواء مصلحة الاقتصاد السوريّ، بل يكمن في نقطتين أساسيتين: الأولى ظهور بعض الشركات العائلية التي شكلت ظاهرةً في تلك الفترة، والتي بدأ أصحابها بتداول الشأن العامّ -ولا سيما السياسيّ- وبدأت أصواتهم تعلو في نقد النظام، ولذلك كان لا بدّ من تفكيك تلك الشركات عن طريق تحويلها إلى شركاتٍ مساهمة؛ كمثالٍ على ذلك شركة "أديداس" لصاحبها السيد "رياض سيف"، لما وصل إليه من مكانةٍ سواء عند المواطنين السوريين أو عند عمال وموظفي شركته. والنقطة الثانية -وهي أخطر- ترافق إحداث سوق الأوراق المالية مع الحديث علناً عن ضرورة تحويل بعض شركات القطاع العامّ إلى شركاتٍ مساهمةٍ وطرح أسهمها للبيع في سوق الأوراق المالية، وهذا نوعٌ من التخصيص وبيع شركات القطاع العامّ. وطبعاً كان المشتري جاهزاً، فمن يملك المال في تلك الفترة جهتان هما إيران، التي بدأت تدخل بقوّةٍ في الاقتصاد السوريّ، والجهة الأخرى رجالات النظام أنفسهم الذين تكوّنت عندهم المليارات من جرّاء نهب الاقتصاد.

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard