كانتوناتٌ اقتصاديةٌ حجمها سبعة مليارات دولارٍ خارج سيطرة النظام
كعكةٌ ماليةٌ يتقاسمها أمراء الحرب وجنرالاتها
تركيا الأكثر تعاملاً اقتصادياً، ومعوناتٌ خليجيةٌ في الخفاء
شبكاتٌ قويةٌ لقوّات النظام والفصائل المسلحة لتسهيل "بزنس" الحرب
وحدات الحماية الكرديّة تسيطر على ثلث الغاز وثلاثة أرباع النفط
*نضال يوسف
بالتواطؤ حيناً وبالتوافق الذي يفرضه المنطق الاقتصاديّ حيناً آخر، يتحكّم كلّ فصيلٍ مسلحٍ أو تنظيمٍ جهاديٍّ بالمنطقة التي يسيطر عليها في سوريا، بوارداتها وصادراتها، بمالها ومواردها. وباتت سوريا الممزّقة كانتوناتٍ اقتصاديةً وجزراً مرتبطةً في ما بينها بقوانين وُضعت بمزاجية أوّل حاجزٍ عسكريٍّ يفصل هذه المنطقة عن تلك، وحسب خياراتٍ أخرى أبرزها المصالح الاقتصادية.
حاولت (صوَر) الغوص في المستور الذي يتخفّى خلفه أمراء الحرب وقياصرتها، والمستحوذون على مقدرات البلاد، والمتحكمون في معابرها، واقتربت من الممنوع الذي يسعى كلّ المستفيدين من "بزنس" الحرب المريرة إلى المحافظة عليه طيّ الكتمان. في سوريا المقسّمة -بلا إرادة أبنائها- إلى واحاتٍ اقتصاديةٍ يتحكم فيها قلةٌ من المصرّين على استمرار الحرب، تبرز صعوبة تقدير حجم اقتصاد هذه المناطق بدقة، لأن كلّ التعاملات الاقتصادية تجري بلا قيود، وجميع الصفقات تبرَم شفاهةً، والبضائع كافةً تُنقل بلا ثبوتيات. ومع ذلك، في المناطق التي يمكن تصنيفها خارج سيطرة النظام، هناك، إضافةً إلى "بزنس الحرب" المتصل بتأمين السلاح على اختلاف أنواعه، اقتصادٌ آخر يتصل بكلّ مكونات الحياة. وتقدّر مصادر اقتصاديةٌ حجم اقتصاد هذه المناطق بما بين ستة إلى سبعة مليارات دولارٍ أمريكيٍّ سنوياً.
مجرّد تقديرات
في المناطق التي تعدّ خارج سيطرة النظام، والتي تشكّل -وفقاً لتقديراتٍ مختلفة- أكثر من 50% من الأراضي السورية، هناك حياةٌ متكاملةٌ رغم قسوة الحرب. ويرى الباحث الاقتصاديّ الدكتور شامل عابدين، في حديثه لـ(صوَر)، أن هذه المناطق تملك اقتصاداً متكاملاً، وتنتهج سياساتٍ اقتصادية، إلى جانب هدفها الرئيس المتمثل في الثورة واستمرارها. مشيراً إلى أنه يصعب تقدير حجم هذا الاقتصاد، لكن يمكن توقعه بالاستناد إلى الكتلة البشرية التي تعيش في هذه المناطق. ويبيّن عابدين أن عدد المقيمين في تلك المناطق من السوريين لا يتجاوز ستة ملايين نسمة، بالاستناد إلى عدد سكان البلاد البالغ 23 مليوناً. متوقعاً أن نحو مليون شخصٍ يعيشون في الرقة، المحافظة التي يستحوذ عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فيما يتوزّع الباقي على حلب وإدلب ودير الزور ودرعا والغوطة والقنيطرة. ورداً على سؤال (صوَر) عن تقديرات حجم الاقتصاد في تلك المناطق يرى عابدين أنه لا يقلّ عن ستة مليارات دولار سنوياً، باستثناء الآلة الحربية وما يتعلق بها، أو نشاطاتٍ أخرى كتهريب الآثار. أي أننا نتحدث عن اقتصادٍ حقيقيٍّ، لكنه ممسوكٌ بيد جنرالات الحرب وأمرائها. ويؤكّد الباحث الاقتصاديّ أنه يصعب على الجهات البحثية حصر هذه التقديرات إلا بالاستناد إلى نموذجٍ رياضيٍّ مقترح، وذلك للأسباب المذكورة آنفاً.
اقتصاد ظلّ
ورغبةً من (صوَر) في اتباع طريقةٍ أخرى للتأكد من حجم هذا الاقتصاد وجّهت سؤالاً إلى عددٍ من الباحثين والمتخصّصين في هذا الشأن، فاقترح بعضهم طرقاً عدّةً تدخل جميعها في باب التقديرات، التي بلغ متوسطها 7 مليارات دولار.
ويرى باحثٌ من هؤلاء أن الخوض في هذه القضية مشوبٌ بمحاذير كثيرة، لأن اقتصاد هذه المناطق، من الناحية العلمية، اقتصاد ظلٍّ بامتياز.
ويتضمّن النموذج المقترح ناتج المناطق خارج سيطرة النظام بالاعتماد على معطيات ما قبل الحرب، أي 2010 وما قبل، إضافةً إلى تقاطع معلوماتٍ من تقديراتٍ دوليةٍ ومراكز بحثية، والاستناد إلى شهادات مصادر أهليةٍ تعيش في تلك المناطق وعلى اطلاعٍ وثيقٍ بما يجري فيها. واعتمدت (صوَر) على إجراء مقابلاتٍ عبر وسائل التواصل الحديثة، بما يضمن حماية مصادرها، إضافةً إلى تعاونٍ غير مباشرٍ من المتحكّمين في اقتصادات هذه المناطق، وبعض الذين يقومون بتوريد وتصدير البضائع منها وإليها. هذه المناطق المحكومة بقبضةٍ حديديةٍ من القوى المستحوذة عليها.
الدولة الأكثر تعاملاً
يشير الدكتور جابر سمعان إلى أن تركيا ما زالت من أكثر الدول تعاملاً اقتصادياً مع المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وأن حجم صادراتها إلى سوريا -وفق الإحصاءات الرسمية التركية- خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، بلغ 1.8 مليار دولار، فيما الواردات 20 مليون دولار، أي أن حجم واردات المناطق المذكورة من تركيا هو 1.780 مليار دولار. وهي تتجه إلى المحافظات الشمالية والشرقية، إضافةً إلى جزءٍ من ريف اللاذقية الشماليّ. وتستحوذ القوى المسيطرة في كلّ منطقةٍ على هذا الاقتصاد، وتتحكّم في ما تمكن تسميته "بزنس" خاصٍّ يتعلق بها. ويبيّن سمعان أن كلّ منتجات المناطق خارج السيطرة تذهب إلى تركيا التي تؤمّن لها المعابر والطرق ووسائل النقل والحماية اللازمة، فيما الاستثناء هو قصف القوّات الجوّية الروسية صهاريج نقل النفط، أما باقي سيارات نقل البضائع فلا يتمّ استهدافها.
ويرى سمعان أن الدور الاقتصاديّ التركيّ في تلك المناطق واضح، وهو الدور الوحيد الداعم لها. مشيراً إلى أن هذا الاقتصاد غير حقيقيٍّ، فهناك الكثير من الجوانب غير المنظورة، وتبقى في الخفاء.
اقتصاد تنظيم الدولة (داعش)
سقطت محافظة الرقة بيد تنظيم الدولة (داعش) كاملةً. ويسيطر (داعش) أيضاً على ريف دير الزور وبعض أحياء المدينة، إضافةً إلى مدينة مركدة وبعض القرى في محيطها بريف الحسكة. وتشير مصادر أهليةٌ لـ(صوَر) إلى أن التنظيم يحكم سيطرته العسكرية والاقتصادية على هذه المناطق، ويغلق حدودها في وجه أيّ محاولةٍ لإحداث خرقٍ أو تبديلٍ في موازين القوى، ويتعامل بقسوةٍ مع كلّ محاولات الخروج عن الأنظمة الاقتصادية التي وضعها، مستنداً بذلك إلى الشريعة الإسلامية، إذ تختفي منها كلّ المنتجات المُحرّمة وفقاً للشريعة.
ويعتمد أهالي المناطق المذكورة على المنتجات المحلية لتأمين الغذاء. وأفادنا عددٌ من الأهالي أن داعش يتحكّم في كلّ شيءٍ في هذه المناطق المنكوبة، وبيده وتحت أنظاره تجري عمليات إدخال وإخراج البضائع، وتحت رعايته تتاح فرص التسوّق والتجارة بكلّ أنواعها. وفيما تغيب كلّ مظاهر للعمل المصرفيّ، يجري تصريف بعض المال من الليرة إلى الدولار أو العكس. وتقول المصادر إن الضرائب التي تُسدّد لقاء المخالفات المرتكبة تذهب للتنظيم الإرهابيّ، وفق التصنيف العالميّ، إضافةً إلى استحواذه على مقدّرات كلّ مؤسّسات الدولة السورية، ومصادرته أملاك الذين يعارضونه. وتشير المصادر إلى الغياب الكليّ للحياة الاقتصادية، إذ يعتمد الأهالي على إمكاناتهم الذاتية لتأمين الغذاء. ويرى الباحث يونس حاج بكري أن هذا يجعل من اقتصاد محافظة الرقة صغير الحجم، فحركة البيع والشراء في أدنى حدٍّ لها، لا سيما مع شروط داعش القاسية، وتفضيل الناس الالتزام بما يفرضه التنظيم خوفاً من أيّ انتقام. ورداً على سؤالٍ عن اقتصاد الرقة يشير حاج بكري إلى أن رقم مليار دولار سنوياً يبدو مقبولاً، باستثناء تجارة السلاح والنفط التي يتحكم فيها داعش، ويستفيد منها بشكلٍ علنيٍّ رغم القرارات الأممية الرافضة لمبدأ أيّ تعاملٍ -مهما كان نوعه- مع التنظيم المذكور. فيما تمكن إضافة مليارٍ آخر من المناطق الأخرى التي يسيطر عليها، وفقاً للباحث حاج بكري.
نوافذ ضئيلة
ثمة حكايةٌ ثانيةٌ في حلب وإدلب، اللتين تتميز الأولى منهما بالصناعة، وتوسم الثانية بالخضراء وتحوي أكبر عددٍ من أشجار الزيتون. في إدلب يسيطر جيش الفتح على المدينة، ويتقاسم معه الجيش الحرّ السيطرة على ريفها. أما في حلب وريفها الشماليّ فتسيطر عدّة فصائل منها الجبهة الشامية وحركة نور الدين الزنكي وجبهة النصرة، مع وجودٍ محدودٍ لجيش الفتح.
ويقدّر حاج بكري حجم اقتصاد هذه المناطق بنحو 1.5 مليار دولار. ويرى أن المنتجات الزراعية تعدّ في مقدمة مواد التعامل الاقتصاديّ، خاصّةً بعد توقفٍ شبه كليٍّ لمعامل حلب، وضراوة المعارك التي تجري في هذه المحافظة. وتشير مصادر أهليةٌ إلى أن كلّ قوّةٍ وفصيلٍ وجهةٍ مسيطرةٍ على إحدى هذه المناطق تتحكّم كلياً في اقتصادها، وترغم الناس على الالتزم بها. ولفتت مصادر من إدلب إلى أنه، بطريقةٍ معينة، يجري إخراج زيت الزيتون والزيتون، وبعض المنتجات الزراعية الأخرى، إلى مناطق سيطرة النظام، بالتعاون معه، ومن خلال فرض إتاواتٍ مالية. فيما تشير المصادر المتطابقة من حلب وإدلب إلى أن الحدود مع تركيا مفتوحة، وتعدّ النافذة المتاحة أمام تلبية الاحتياجات.
البوابة الجنوبية
وفي جنوب سوريا، وتحديداً في درعا، حيث انطلقت أولى الاحتجاجات ضد النظام في آذار 2011، تلفت مصادر على صلةٍ مباشرةٍ مع الفصائل المسيطرة، ومنها الجيش السوريّ الحرّ -المسيطر على المدينة وريفها- وجبهة النصرة وأحرار الشام في ريف درعا الغربيّ، إلى أن الأردن، البلد الضعيف اقتصادياً، أصبح البوابة الشرعية للتجارة وتأمين البضائع والسلع للناس الذين لم يستطيعوا الخروج من المحافظة، أو الراغبين في البقاء، ولا سيما كبار السن. وتشير هذه المصادر إلى أن معبر نصيب الحدوديّ مغلقٌ في وجه النظام السوريّ، لكنه مفتوحٌ أمام حركة الاستيراد والتصدير مع الجانب الأردنيّ الذي يتغاضى عن هذا الأمر ويسمح بتدفق البضائع باتجاه درعا. كما تستفيد الحكومة الأردنية بالمقابل من استيراد الخضار والزيتون من المناطق المصنّفة خارج سيطرة النظام، وتسمح بتمريرها إلى الأسواق الأردنية، كما يتمّ إرسال شحناتٍ منها إلى أسواق دمشق. ويرى الباحث سمير الزعبي أن القيمة الإجمالية للحركة التجارية من المناطق المقصودة إلى الأردن لا تتجاوز عشرات ملايين الدولارات، نظراً لقلة عدد المواد المصدّرة وانخفاض قيمتها، إذ إن كميةً قليلةً تصدّر وهي الفائضة عن الاحتياج المحليّ، في حين تزداد قيمة المواد الداخلة والمقدّرة بنحو 200 مليون دولارٍ سنوياً. ويذكر الزعبي عاملاً آخر يسهم في انخفاض هذه التقديرات هو أن غالبية المواد الداخلة من الجانب الأردنيّ هي مساعداتٌ خليجيةٌ بالدرجة الأولى، وتوزّع على المناطق المقصودة مجاناً أو بشكلٍ شبه مجانيّ، وبالتالي هي خارج العملية الاقتصادية الحقيقية، رغم أن حجمها المتوقع يتجاوز 2 مليار دولار. ويرى الزعبي أن الفصائل المسلحة وقادتها حسب كلّ منطقةٍ يسيطرون على بزنس هذه المناطق، الذي من المتوقع ألا يتجاوز حجمه 250 مليون دولار، باستثناء تجارة الأسلحة والآثار.
ويؤكد الزعبي وجود خطوط إمدادٍ تابعةٍ لجبهة النصرة، ممتدةٍ من الحدود الأردنية السورية عبر الريف الغربيّ لمحافظة درعا وتصل إلى المناطق خارج السيطرة في القنيطرة، إضافةً إلى معابر محدودةٍ لا يتجاوز عددها الخمسة تصل الريف الشرقيّ لدرعا مع البادية السورية عبر الحدود الإدارية لمحافظة السويداء، وأبرزها معابر في منطقة اللجاة. مبيّناً أن معابر درعا إلى البادية تنقل الأسلحة وتهرّب المطلوبين والعائلات الفارّة من جحيم الحرب والأُسر التي يقاتل أفرادها النظام، وبالمقابل تنشط حركةٌ تجاريةٌ معكوسةٌ لنقل الدخان إلى درعا.
ويرى الزعبي أن عدداً من أهالي محافظة القنيطرة خارج السيطرة يتعاملون مع إسرائيل من عدّة معابر أبرزها جباتا الخشب، إضافةً إلى جبهة النصرة الفصيل المسلح المسيطر.
لوبيات الحرب والبزنس
تواصلت (صوَر) مع مصادر أهليةٍ في القنيطرة لمعرفة حقيقة الأوضاع الاقتصادية، وما يجري من عملياتٍ تجارية، والقوى المسيطرة على البزنس فيها. وأشارت هذه المصادر إلى أن جبهة النصرة وقادتها في المناطق المذكورة تتحكّم في هذا البزنس، ولا تُعرف أسماء متزعمي العمليات الاقتصادية، ويقتصر دور أبناء المحافظة على التنسيق بين احتياجات الناس المقيمين فيها وأمراء الحرب التابعين لجبهة النصرة. ولم تستبعد هذه المصادر التعامل الاقتصاديّ المباشر بين جبهة النصرة، المدعومة قطرياً، وجنرالات حربٍ وموسادٍ إسرائيليّ، ووسطاء من القنيطرة. وترى مصادر أهليةٌ أخرى من قرىً ما زالت تحت سيطرة قوّات النظام، ومنها حضر وعرنة، أن الطرق التي كانت معتمدةً للتهريب سابقاً أوصدت كلها، ولم يعد يُسمح لأيّ شخصٍ بعبور الشريط الحدوديّ باتجاه الجولان السوريّ المحتلّ. إذ أغلقت إسرائيل هذه الطرق، لكنها فتحت معابر أخرى ظاهرها تقديم الإسعافات لجرحى ومصابي الفصائل التي تقاتل النظام السوريّ، وحقيقتها تأمين الاحتياجات الأساسية للسكان هناك. وتكشف هذه المصادر إلى أن منتجاتٍ إسرائيلية الصنع دخلت إلى العاصمة دمشق، وشوهدت معروضةً في سوق الحمرا الشهير، وتتضمن ألبسةً ومواد غذائية. ما يعني أن الحدود المفتوحة نتيجة فقدان النظام السيطرة عليها، وتواطؤ عددٍ من الحواجز التابعة للنظام وللفصائل، يؤديان في نهاية المطاف إلى وصول هذه السلع إلى الأسواق السورية حتى تلك التي يسيطر عليها النظام. وتأكدت (صوَر) من هذه المعلومات من عددٍ من التجار والباحثين الاقتصاديين وأساتذة كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، الذين عبّروا عن استيائهم من هذا الموضوع، رافضين أي تعاملٍ اقتصاديٍّ مع اسرائيل. واتهم أحد الأساتذة، وقد فضّل عدم ذكر اسمه، قوّات النظام والفصائل التي تقاتله بالتواطؤ في هذا المجال، وببناء شبكاتٍ قويةٍ لتسهيل "بزنس" الحرب، وتشكيل لوبياتٍ جديدةٍ تتعاون للاستحواذ على هذا البزنس بين جميع الأطراف المتحاربة. ويرى أن التجربة السورية في مجال إدارة المناطق خارج سيطرة الدولة تتمثل في تعاون الأطراف المتقاتلة، إذ يجمعهم المال ويفرّقهم الانتماء السياسيّ والموقف العقائديّ والآيديولوجيا. ويؤكد أن كلّ منطقةٍ تحتاج إلى جارتها، وأن العداوة الظاهرة تخفي تحتها تعاوناً مالياً وأرباحاً كبيرةً تذهب لأمراء الحرب.
اقتصاد الغوطة
يسيطر جيش الإسلام على المساحة الأكبر من الغوطة الشرقية، ويقاسمه السيطرة في أجزاءٍ بسيطةٍ تنظيم داعش، لا سيما على أطراف الغوطة لجهة البادية السورية، إضافةً إلى فيلق الرحمن والاتحاد الإسلاميّ لأجناد الشام.
وتؤكد مصادر من دوما، حيث المقرّ الرئيسيّ لجيش الإسلام، المدعوم سعودياً، أن القائد السابق لهذا الجيش، زهران علوش، الذي قتلته القوّات الجوّية الروسية منذ فترة، كان يستحوذ على جميع العمليات الاقتصادية، فيما يتقاسم عددٌ من قادة هذا الجيش كعكة اقتصاد الغوطة الشرقية حالياً. وتشير هذه المصادر إلى تعاونٍ وثيقٍ بين قادة الجيش المذكور وضباط قوّات النظام على تخوم الغوطة الشرقية، ولا سيّما من جهة دمشق، يتضمّن تسهيل مرور كمياتٍ من المواد الغذائية والأدوية التي يتمّ تحميلها من سوق الهال بدمشق عبر سياراتٍ محدّدة، تتجّه إلى القرب من دوما، بعد أن يسمح لها قادة قوّات النظام في تلك المنطقة، وتقوم بإفراغ حمولاتها، لتتولى وسائط نقلٍ أخرى نقلها إلى دوما. وتتوقع هذه المصادر، في حديثها لـ(صوَر)، أن عمولةً لا تقلّ عن 5 ملايين ليرة تُدفع عن كلّ سيارة نقلٍ تتراوح حمولتها بين 4 إلى 6 أطنان. وتتحدث المصادر الأهلية عن معابر أخرى يستخدمها جيش الإسلام لتأمين الاحتياجات، إلا أن الطريق المذكور آنفاً هو الأفضل، ويتمّ عبره تأمين معظم الاحتياجات.
وعلى الضفة الثانية تشير المصادر ذاتها إلى أنه توجد في دوما مستودعاتٌ غذائيةٌ كبيرة، إذ تقدّم السعودية تمويلاً كبيراً لجيش الإسلام. ويقدر الباحث سمعان حجم اقتصاد الغوطة الشرقية بنحو 150 مليون دولار، ويرتبط بالغذاء والدواء وبعض المستلزمات الأخرى التي يتمّ الحصول عليها من مناطق سيطرة النظام. كما أن كلّ المساعدات السعودية المختلفة للغوطة تبقى خارج هذه التقديرات، نظراً للسرّية التامة التي تتعامل بها السعودية مع هذه المساعدات، واتباعها طرقاً مختلفة لإيصالها.
فيدرالية الأكراد
عقب إعلان الأكراد فيدرالية روج آفا (شمال سوريا) في آذار الماضي، أخذت عملية الحكم الذاتيّ -المعلنة سابقاً من قبل الأكراد- شكلاً جديداً، رغم الرفض الدوليّ لهذا الإعلان. وتشمل الفيدرالية الكردية ثلاث مناطق، هي كوباني في ريف حلب الشماليّ، وعفرين في ريف حلب الغربيّ، والجزيرة في الحسكة، بالإضافة إلى مناطق سيطرت عليها قوّات سوريا الديموقراطية (وفي مقدمتها وحدات حماية الشعب الكردية)، خصوصاً في محافظتي الحسكة وحلب. وتتمتع هذه المناطق بثرواتٍ زراعيةٍ وباطنيةٍ مهمة، ويستحوذ عليها مسؤولو الإدارة الذاتية. وتفيد مصادر من المناطق المذكورة إلى أن الأكراد اكتسبوا خبرةً لا يستهان بها في إدارة شؤونهم، عبر الدعم والمشورة اللتين يقدمهما لهم إقليم كردستان العراق. وتشتهر هذه المناطق بالمنتجات الزراعية، ولا سيما الزيتون، إذ تعدّ عفرين من أفضل المناطق إنتاجاً له من ناحية النوعية. ويصدَّر هذا المنتج إلى المناطق التي يبسط النظام سيطرته عليها، لتدخل العملية في باب اقتصاد الفساد، أي تمرير هذه الشحنات وفق عمولاتٍ متفقٍ عليها لأمراء الحرب. ويركّز أهالي روج آفا على الاكتفاء الذاتيّ من مختلف المنتجات. وتشير مصادر أهليةٌ إلى أن الموقع الجغرافيّ الحدوديّ لهذه المناطق بين سوريا وتركيا، وشرقاً -في نطاقٍ ضيق- على الحدود العراقية، يؤمّن لها فرصاً إضافيةً لنقل البضائع والاستفادة من الرسوم وفرض الضرائب عليها. وتؤكّد هذه المصادر أن العاملين السياسيّ والاقتصاديّ مندمجان في هذه المناطق، نظراً لالتزام الأكراد بقضيةٍ جوهريةٍ تتعلق بفيدراليتهم.
النفط خارج السيطرة
تشير مصادر نفطيةٌ إلى أن الأكراد يسيطرون على منطقتين من أصل خمسٍ لإنتاج النفط، هما: منطقة حقول الحسكة بما فيها رميلان والسويدية وكراتشوك، ومنطقة الشدادي أو حقول الجبسة بما فيها جبسة وغونة وكبيبة وتشرين. وتنتج هاتان المنطقتان النفط الثقيل، وبكمياتٍ تقدّر بـ250 ألف برميلٍ يومياً حسب إحصاءات وزارة النفط لعام 2010، أي وفق الخطة الإنتاجية وقتها، بينما لا توجد معلوماتٌ مؤكدةٌ حول كميات الإنتاج الحقيقية الآن. وتعتبر هذه المصادر أن قوّات النظام والـ(PYD) متفقان على موضوع النفط، ويتقاسمان الإنتاج والأرباح. وكذلك الأمر بالنسبة إلى المناطق النفطية الأخرى التي تسيطر عليها داعش، والتي يقدّر إنتاجها لذات الفترة بـ100 ألف برميلٍ يومياً من النفط الخفيف من حوض الفرات. إذ أبرم النظام اتفاقاتٍ في الباطن مع هذه القوى والتنظيمات، تقضي بحماية آبار النفط مقابل الاستفادة من إنتاجها. وترى هذه المصادر أن وحدات الحماية الكرديّة تسيطر على 75% من إجماليّ النفط السوريّ، وعلى 22% من الغاز، المقدّرة كميته بـ63 مليار مترٍ مكعب، من الاحتياطيّ السوريّ البالغ 285 مليار مترٍ مكعب.
وتتهم حكومة النظام 88 شخصاً يرتبطون بتنظيماتٍ إرهابية، من بينها داعش وجبهة النصرة، بسرقة النفط والغاز. وتتوقع المصادر ذاتها أن النفط يدخل ضمن التقديرات التي تتحدث عن حجم اقتصادٍ يصل إلى ستة مليارات دولارٍ في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، يذهب لحساب أمراء الحرب الذين يزعمون أن هذا المال لشراء الأسلحة، وتسديد رواتب المقاتلين، وتأمين العتاد والغذاء والدواء.
لغة المال
هناك شكلٌ اقتصاديٌّ لخروج مناطق عن سيطرة النظام السوريّ. وتلعب لغة المال، ولعبة المصالح المشتركة، دوراً في خلق تعاونٍ بين جنرالات الحرب السورية على اختلاف انتماءاتهم. فهؤلاء المستحوذون على اقتصادٍ يتراوح حجمه بين 6 إلى 7 مليارات دولار، متفقون على قاعدةٍ اقتصادية، ومختلفون على كلّ شيءٍ آخر.
.
.