وسط فظاعات الحرب: تجارب حب اجتازت حاجز الدين والطائفة وتكللت بالزواج
*لبنى سالم
نعيش في سوريا اليوم 12 طائفة دينية على الأقل، يسجل المنتمون إليها قانونياً تحت غطاء إحدى الديانتين الإسلامية أو المسيحية. ويسمح القانون السوري المستمد من الشريعة الإسلامية بالزواج بين الطوائف المختلفة، كما يسمح بزواج الرجل المسلم بالمرأة المسيحية فيما يمنع العكس.
ويواجه الراغبون بالزواج من طائفة أو دين مختلف في سوريا رفضاً اجتماعياً، ازدادت حدّته مع التوتر الطائفي والسياسي الذي تعيشه البلاد في السنوات الأربع الأخيرة، كل هذا لم يمنع العديد من المتحابين من طوائف وأديان مختلفة من الزواج وتكوين أسر جديدة.
قران إسلامي ومباركة مسيحية
يعيق وجود اختلاف ديني بين الشاب والفتاة في سوريا زواجهما، و في حالة سلاف ونبيه يصبح هذا الزواج شبه مستحيل. إلا أن الشابين تمرّدا على هذه الأعراف.
نبيه، شاب "مسيحي" من مدينة إدلب، ناشط بالثورة السورية ويعيش في تركيا، وسلاف، فتاة مسلمة من مدينة حلب، تعيش في فرنسا منذ ثلاث سنوات وتعمل فيها. تتنقل سلاف بين تركيا وسوريا بسبب طبيعة عملها، وهو ما سمح لهما بالتعرف أكثر على بعضهما.
"لم أفكّر يوماً أني قد أرتبط بشخص من غير ديني، لكنني فعلت. تخطينا الاختلاف بالوعي، يحترم كل منّا هوية وانتماء الآخر والأفكار التي نشأ في ظلها" تقول سلاف. أما نبيه الذي يتمتع باطلاع واسع على الثقافة الإسلامية، لا يؤمن بتكريس الدين في الحياة اليومية، وهو ما سهل خلق انسجام بينهما.
إقناع عائلتي الشابين بقرارهما احتاج إلى الحنكة والذكاء وشيئاً من الدبلوماسية والصبر، أما أصدقاؤهم فكانوا مرحبين، تقول سلاف: "استطعنا بحبنا أن نجعل كل من نعرفهم يتقبلون الفكرة باستثناء القلة القليلة، علاقتنا بالنسبة لأصدقائنا اجتماع بين ثقافتين".
في البداية، كان لسلاف مخاوف كبيرة من ردة فعل أفراد عائلتها، وبما أن أمها متوفاة ووالدها متزوج، كان إقناع أختها الكبرى المهمة الأصعب عليها، تقول: "واجهتها برغبتي، حاولت أن أكون دبلوماسية قدر الإمكان، وأقنعتها بعد فترة، جعلني هذا أؤمن أكثر بما أريد".
ردة فعل عائلة نبيه على قراره لم تكن ليّنة في البداية. يقول: "كانوا يعرفون أنني لن أدع عراقيل دينية تمنعني من تحقيق ما أريده في الحياة، فتقبلوا قراري".
في عام2014 كان كلاً منهما يستقر في دولة مختلفة، لكن هذا لم يمنعهما من إعلان خطوبتهما، وبعد سنة، أقدما على الخطوة الكبرى، والأصعب، الزواج.
تقول سلاف: "تزوجنا، دون تردد أو خوف. عقدنا قراناً شرعياً عند أحد الشيوخ في تركيا، أشهر نبيه إسلامه أمامه، لنستطيع الزواج. كما تمت مباركة زواجنا من قبل خوري مقرب من زوجي".
يضيف نبيه: "لم يكن لدينا خيار آخر، إذ لم نستطع الحصول على عقد زواج من المحاكم التركيّة، طلبوا أوراق ثبوتية من سوريا، لم استطع الحصول عليها كوني مطلوباً للنظام، نسعى لتسجيل زواجنا ببلدية باريس في فرنسا، لنكون متزوجين كأي شخصين متحابين في هذا العالم، وخارج التصنيفات الضيقة".
ورغم تجاوزهما لأصعب العقبات، لكن عدّم وجود وثيقة زواج رسمية يعرقل إجراء لم شمل في فرنسا، ويمنعهما من الاستقرار معاً.
مع هذا يصف الطرفان علاقتهما بالمتينة، يحاولان فيها اقتباس أكثر الأشياء جمالاُ وأخلاقيةً من الديانتين، تلفت سلاف إلى أن الدين ليس معياراً للانسجام: "كان من الممكن أن أتزوج رجلاً من ديني ولا أكون على وفاق معه".
الاختلاف أبسط من أن يعكر حياتنا
قبل أن ينتقلا إلى ألمانيا، كان يسر ورنيم يعيشان في مدينة حلب شمال سوريا، حيث تزوجا عام 2013 رغم أن عائلة رنيم تنتمي للطائفة السنية وعائلة يسر للطائفة الشيعية.
تمتعهما بنوع من الاستقلال المادي والمعنوي حينها، عزّز ثقتهما بقرارهما، رغم أن الزواج بين الطائفتين ليس شائعاً جداً في مدينتهما. تقول رنيم: "بمجرد أن وجدنا عواطفهما وأفكارهما متقاربة قررنا الارتباط، لم نفكر بمواجهة المجتمع أو أي أحد".
اصطدمت رنيم بالتعصب الطائفي في المجتمع متمثلاً بمعارضة أحد أخوتها للزواج، تقول: "يحمل أخي كالكثير من الشباب أفكاراً تشجع انغلاق الطوائف على أنفسها، هذه الأفكار التي يثيرها المتعصبون حولنا، تعززت بعد الأزمة في سوريا وبات تغييرها أصعب، ما جعل الزواج بين الطوائف أكثر تعقيداً. لكن القرار بالنسبة لنا لم يحتمل الكثير من الحسابات، كنا كجميع المقبلين على الزواج منشغلين بتأمين المسكن وتكاليف الزواج لا أكثر".
بعد الزواج أبدى العديد من أصدقاء الزوجين إعجابهم بجرأتهما، وعبّروا عن دعمهم لهما. إلا أن الأمر لم يخل من بعض المضايقات، تقول رنيم: "حاول البعض ممن نضطر للتعامل معهم في حياتنا اليومية استفزازنا، لكن هذا لم يؤثر علينا هذا. ما فاجأنا أن بعضهم من حملة شهادات عليا، ويُتوقع منهم أن يتمتعوا بقدر أكبر من الوعي. أذكر جيداً كيف كانت ردّة فعل أستاذ جامعي حين عرف بزواجي من طائفة أخرى، تكلم بنفس الألفاظ والأفكار البالية التي يحملها المتطرفون".
تؤكد رنيم أن اختلاف الشعائر الدينية بين الطائفتين أبسط من أن يعكّر عليهما حياتهما، وتضيف مازحة: "لا أموت من الجوع حين أنتظره عدة دقائق للإفطار في رمضان. لطالما كان في حياتي أصدقاء من طوائف مختلفة ولم نختلف يوماً. لماذا سيكون هناك مشكلة في الزواج؟ً!".
لم نكن لنتزوج لولا الحرب
رغم تأييدها لفكرة الارتباط بين الطوائف المختلفة، لم يخطر ببال ريم التي تنتمي عائلتها للطائفة السنية أنها ستخوض التجربة، التقت ريم بمأمون الذي ينتمي للطائفة الإسماعيلية في مدينة حلب عام 2012، تقول:"في بداية معرفتي به كانت فكرة الارتباط مستبعدة تماماً، كنت أكيدة أن والدايّ لن يقبلوا بموضوع الاختلاف الطائفي. لكن مشاعري تجاهه كانت تزداد يوماً بعد يوم، ويزداد معها خوفي من المستقبل، الزواج بالنسبة إلينا كان حلماً بعيد المنال، لم يفارقني الخوف من أن يأتي يوم اضطر فيه للاختيار بينه وبين عائلتي".
بسبب ظروف الحرب اضطر الثنائي للفراق فترة من الزمن عاشت فيها ريم وعائلتها في سوريا وسط ظروف قاسية وانتقل مأمون للعيش في تركيا. خلال هذه الفترة قرر الثنائي أن يفعلا المستحيل للارتباط، تقول ريم: "الحقيقة أن العقبة لم تكن وجود اختلاف طائفي، إنما الجهل والأفكار المغلوطة السائدة في المجتمع عن طائفته، كان والدي بالكاد سمع بالإسماعيليين، أدركت حينها حجم التهميش والتغييب بحق هذه الأقليات، لم أصدق أننا لا نعرف عن طائفة تعيش بعيداً عنا بضعة كيلومترات إلا بعض الشائعات والنكات المحشوة بالأكاذيب. لذا قررت التحدي، فلم أكن مستعدة لخسارته من حياتي".
اتفق الثنائي أن يتعرف مأمون على والدي ريم عبر الأنترنت ويتقدم لخطبتها، فوافقا، وعقدا زواجهما قانونياً في 2014، وسافرت إليه. تقول ريم: "سارت الأمور بسلاسة مفاجأة، كنت أعيش مع عائلتي ظروفاً استثنائية، لم يكن هناك مجال للسفر خارج المدينة إضافة إلى انعدام الاتصالات لفترة طويلة، كنا منعزلين عن أقربائنا والعالم، لذا لم يدرك والديّ حينها وجود اختلاف طائفي. لقد أحبا مأمون ولا يزالان. أعتقد أننا لم نكن لنتزوج بهذه البساطة لم يكن هناك حرب!".
لا يختلف مأمون وريم اليوم على أي أمر مرتبط بالاختلاف الطائفي، يقول مأمون: "تجمعنا طريقة تفكير متقاربة، لا نختلف إلا على التدخين في المنزل ومشاهدة نشرات الأخبار. أهلي وأهلها باتوا عائلة واحدة، إننا فخورون بما وصلنا إليه".
.
.