ابصقي أيتها السيدة.. ابصقي
*نبيل الملحم
الحبّ.. هو أن تكون منديلاً للدموع، اسفنجة للوجع.. الديمقراطية أن تكون "شحّاطة" على مقياس ما، لشخص ما، السلطة، هو أن تكون رجلاً لذراع طويلة تستنزف الدم والخبز والدخل القومي.. المعارضة، هو أن تحنّ لاستنزاف الدم والخبز والدخل القومي (ما يعني السلطة في طور آخر منها)، أما الثورة، فهي تداعيات حمقى، يحلمون بالصوت المرتفع والرقصات التي لا تنتهي، وهؤلاء بشر يتساقطون الواحد تلو الواحد:
- مرّة ببندقية قنّاص، وثانية بفخّ ناصب فخاخ، وفي كل مرة يسقطون بالحلم.
وفي كل مرة تشتغل الماكينات بك، دون أن تنشغل عنك.. ماكينات تفبرك قائدك.. زعيمك.. نجمك المفضل، سرير نومك، وسادتك، وها نحن نتنقل ما بين أبو بكر البغدادي، وأبو محمد الجولاني، وكلاهما من صناعة الله، لا من صنع أجهزة استخبارية، فوعد الله هو الجنس، ووعد الأجهزة قضم الجنس، بدليل أنهما:
- الأول يعدك بحورية بصقتها تُحلّي ماء البحر.
- والثاني يخصيك، وطالما كان الإخصاء وسيلة التفاهم مابينك وبين أجهزة تمعن في حبك.
هما اثنان في واحد، من قال أن ابو بكر البغدادي ليس من صناعة الأجهزة؟
هو كذلك، وهل يخطر لك أن الأجهزة، ستصّنع لك، محمود درويش، ميخائيل نعيمة، زياد الرحباني، فارس زرزور أو حنا مينا أو صنع الله ابراهيم أو ناجي العلي مثلاً؟
على ضفة يصنّعون لك الداعية الشيخ الجليل يوسف القرضاوي، ولا بأس إن ملأ لعابه الشاشة وهو يدعو إلى الله مستكملاً بصاق حورياته بلعابه.
على ضفة ثانية يصنّعون الداعية فتح الله غولن، بوجهه الأشبه بشراشف بائعات اللذة لمن لا يشتري لذة.
على ضفة ثالثة، يصنّعون لك رجلاً بالغ القيافة يأتيك من "الكنيست"، إلى الخطاب القومي العربي" ومنه إلى قيادة "ربيع" لا اخضرار فيه، بصحبة شريكه هنري ليفي.
وفي كل مرة سيلتهمك الداعية، ويلتهمك المخبر، ويلتهمك المعارض، ثم : تلتهم نفسك.
أتذكرون تلك الرائعة التي كتبها صنع الله ابراهيم وكانت بمثابة رواية حملت اسم اللجنة؟
كانت رواية تقول عن هذا الذي أحكي عنه.. عن الرجل الذي التهم نفسه.
لم لا؟ مادام الكل سيلتهمك.. الأولى بك أن تسبق الجميع إليك، وتلتهم نفسك.. تلتهم نفسك بالانتحار العقلي.. بالانتحار الفلسفي.. بالانتحار العاطفي، وإذا ماواتتك الشجاعة تلتهم نفسك بالانتحار الجسدي ليكون الأخير هو الانتحار بالجملة بعد أن تتالت الانتحارات بـ "المفرّق".
يحدث هذا الآن.. يحدث جماعياً، فالقاسم المشترك الوحيد بيننا هو الانتحار.. وها أنذا أتلقى على بريدي الشخصي، وفي كل لحظة دعوة ما للحياة من ناس يذهبون بأقدامهم إلى إماتة ماتبقى منهم.
هذا الذي يدعوك إلى العيش، هو نصف منتحر، ما يعني نصف حيّ، ما يعني ميتاً مؤجلاً.
هو الحال كذلك.
وكان "الربيع"، الكلمة المنسية، وتعالوا نفنّد كل ربيع، من الربيع الليبي حيث الشيخ القطري يلتهم الزعيم الليبي، إلى الربيع اليمني حيث اليمن يمنين، إلى الربيع المصري وقد تمدّد القرضاوي في ميدان التحرير بكرشه الزاهد بأمور الدنيا.. مروراً بالمقتلة السورية التي لم تبق من الحجر سوى شظايا الحجر ومن البشر سوى تلك البنت التي تكتب على قفاها:
- لطيزي.
تلك هي الآلة التي تصنعنا.. تصنعنا ؟ نعم هو الأمر كذلك، فما بعد إطلاق الآلة البخارية.. ما بعد ثورة الاتصالات.. ما بعد السيد بيل غيتس والشركة الكونية الكبرى بتنا:
- الرجل السوبر مان.
ولتكون كذلك، ليس لك سوى أن تكون: أبو محمد الجولاني أو الآخر المنتحر.
وها هو فقيه ظلامنا يعدنا ببصقة حوريته.. بصقة واحدة ويصبح ماء المتوسط عذباً.
- ابصقي.. أيتها السيدة.. ابصقي.
.
.