السوريون في الأردن

بين سندان البحث عن الحياة وبين قوانين العمل
*عاصم الزعبي
خرج أحمد وزوجته وطفليه من مدينة درعا إلى الأردن، حاله كما هي حالاتٌ كثيرة؛ أُجبروا على ترك كلّ شيءٍ سوى حقيبة ملابسهم، ليحطّ بهم المطاف في إحدى مدن الشمال الأردنيّ القريبة من الحدود السورية. كانوا يعتقدون أن إقامتهم لن تطول؛ ربما شهراً، شهرين، ثلاثةً على الأكثر.
كانوا قد ادّخروا مبلغاً بسيطاً من المال فاستأجروا شقةً مفروشة. مضت ستة أشهرٍ دون أن يتغيّر الوضع في سوريا، لم يتمّ إيجاد حلٍّ للأزمة ولا مجال للعودة. نفد المال الذي كان معهم مع ارتفاع تكاليف الحياة في الأردن، فكان لا بدّ من ترتيب حياتهم بشكلٍ يناسب وضعهم الجديد، فبدأت رحلة البحث عن العمل. ليتمكن أحمد من العمل في سوبر ماركت لمدة 10 ساعاتٍ يومياً بأجرٍ لا يتجاوز 10 دولاراتٍ في اليوم، لا يكفي لسد احتياجات طفله الرضيع وبعض الأمور المنزلية المحدودة جداً.
ولم يخطر لأحمد أنه سيواجَه بقانون عملٍ سيشكل عائقاً أمامه في الاستمرار في عمله لأنه يعمل دون ترخيص. تمّ توقيفه من قبل إحدى الدوريات التابعة لوزارة العمل، واقتيد إلى السجن لساعاتٍ حتى وقّع على تعهدٍ خطيٍّ بأنه لن يعمل في المستقبل دون الحصول على الترخيص اللازم.
في تلك المرحلة كانت رسوم استصدار ترخيص العمل تتراوح بين 450 – 550 دولاراً.
لم تكن تلك مشكلة أحمد وحده، بل كانت مشكلةً عامةً لغالبية اللاجئين السوريين في الأردن. وبدأت تطفو على السطح وتتسع بعد ازدياد عدد السوريين هناك، والذي وصل إلى نحو 1,4 مليون لاجئٍ حسب تقديرات الحكومة الأردنية، منهم حوالي 625 ألفاً مسجلون لدى مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
كان لتعاطف الشعب الأردنيّ، الذي تربطه بالشعب السوريّ صلات قرابةٍ ونسب، وبشكلٍ خاصٍّ مع أبناء محافظة درعا، دورٌ مهمٌّ في تسهيل إيجاد فرص عملٍ للسوريين بعيداً عن التراخيص ذات الرسوم الباهظة، إذ قدّرت العمالة السورية غير المرخصة بحوالي 140 ألف عامل، ولكن من وجهة نظر الحكومة الأردنية كان لا بدّ من إيجاد حلٍّ منطقيٍّ لهذه الأزمة.
فبعد مؤتمر المانحين الذي عقد في العام 2016 تعهدت الحكومة الأردنية بإيجاد فرص عملٍ للاجئين السوريين بشكلٍ مساوٍ -وفق القانون- للعمالة الوافدة من الدول الأخرى.
أولاً: التسهيلات التي قدّمها قانون العمل الأردنيّ للاجئين السوريين
لا بدّ من التمييز بين مرحلتين في هذا الصدد:
المرحلة الأولى: قبل صدور القرار القاضي بمنح تراخيص العمل: إذ لم يكن القانون يسمح لجميع السوريين بالانخراط في سوق العمل. فقد كان ترخيص العمل يتطلب شروطاً معينة؛ فيجب أن يكون السوريّ قد دخل المملكة من أحد المعابر النظامية أو عن طريق المطار، إضافةً إلى التكاليف المرتفعة كرسوم، التي تصل إلى 550 دولاراً.
المرحلة الثانية: بعد صدور قرار تراخيص العمل بتاريخ 7 آذار 2016، والقرار اللاحق بتاريخ 6 نيسان 2016، والذي ينصّ على إعفاء طالبي تصريح العمل من السوريين من التكاليف السابقة، والاقتصار على رسومٍ وطوابع بقيمة 10 دنانير أردنية، أي حوالي 16 دولاراً.
وبناءً على هذا القرار يطبّق على العمالة السورية ما يطبّق على العمالة الوافدة الأخرى من قوانين بعد إعطاء تصريح العمل، ومن ذلك الضمان الصحيّ والاجتماعيّ. ويستطيع السوريون العمل في المهن غير المغلقة أمام العمالة الوافدة، ومنها الأعمال الزراعية وأعمال الإنشاءات وأعمال النظافة العامة.
وفي نهاية شهر حزيران من العام الحاليّ تمّ تمديد العمل بإعفاء السوريين من رسوم استصدار تصاريح العمل لمدة ثلاثة أشهرٍ أخرى ابتداءً من الأول من تموز.
ثانياً: الإجراءات التي يتّبعها السوريّ للحصول على تصريحٍ للعمل في الأردن
يجب عليه التقدّم إلى مكتب وزارة العمل في المدينة التي يقيم فيها -بعد أن كان التقدّم بهذا الطلب سابقاً يتمّ حصراً في وزارة العمل في العاصمة عمان- مصطحباً الوثائق التالية:
1: بطاقة الخدمة الخاصّة بالجالية السورية، أو ما تعرف بالهوية الأمنية الممغنطة.
2: ورقةٌ من الضمان الاجتماعيّ.
3: فحصٌ طبيٌّ مخبريٌّ للأمراض السارية.
كما يجب على صاحب العمل الحضور شخصياً إلى مكتب العمل في المدينة ويقدّم المعاملة، وفيها:
1: رخصة المؤسّسة التي يملكها أو يديرها.
2: السجل التجاريّ لمؤسّسته.
3: إشراك العامل السوريّ في الضمان الاجتماعيّ.
4: إبراز صورةٍ عن بطاقة الهوية الشخصية.
5: دفع الرسوم البالغة 10 دنانير أردنية.
بعد تقديم الأوراق أعلاه من الطرفين يتمّ إعطاء تصريح العمل للعامل السوريّ، الذي يستطيع مباشرة عمله فور أخذه.
ثالثاً: إمكانية الاستثمار في الأردن من قبل المستثمرين السوريين
هناك تسهيلاتٌ مقدمةٌ للمستثمرين السوريين في الأردن، بشرط أن لا يقلّ رأس مال الشركة المسجّلة عن 50 ألف دينارٍ أردنيّ.
وتتركّز الاستثمارات السورية هناك في القطاع الصناعيّ بشكلٍ خاصّ. وبلغ عدد شركات السوريين المسجّلة في الأردن حوالي 500 شركة، منها 340 سُجّلت في العام 2012 فقط. وقد نجحت غالبية الشركات السورية في أعمالها بشكلٍ لافتٍ حتى الآن، وجذبت المواطن الأردنيّ والعربيّ إلى منتجاتها.
وتعكف الحكومة الأردنية حالياً على منح تسهيلاتٍ إضافيةٍ للمستثمرين السوريين، منها إعطاء إقامةٍ واستصدار رخصةٍ لقيادة السيارات وغير ذلك.
رابعاً: أوضاع العامل السوريّ في ظلّ قانون العمل الأردنيّ
كان لصدور القرار بتسهيل منح تراخيص العمل للسوريين في الأردن دورٌ مهمٌّ في حماية العامل السوريّ، الذي أصبح تحت مظلة قانون العمل، من عمليات الابتزاز واقتطاع قسمٍ من الأجور والطرد التعسفيّ من قبل بعض أرباب العمل. إذ يستطيع العامل السوريّ، في حال تعرّض لأيّ نوعٍ من أنواع الظلم المبيّنة أعلاه، التقدّم بشكوى إلى مكتب العمل في المدينة التي يقيم فيها حتى يستوفي حقه بشكلٍ كامل، وهذه من الأمور الإيجابية لهذا القانون.
بلغ عدد التصاريح الممنوحة للعمال السوريين حتى تاريخ 11 تموز حوالي 20282 تصريحاً، من المتوقع أن تتضاعف خلال الأشهر الثلاثة ابتداء من 1 تموز 2016.
منذ بداية الثورة يحاول السوريون التأقلم مع الحياة في بلدان اللجوء ومنها الأردن، رغم التقارب في البيئة والعادات والتقاليد. وجاء قرار وزارة العمل ليسهّل أوضاعهم للعمل في ظلّ القانون الذي يشكل حمايةً وضمانةً لهم. ورغم ذلك يبقى ألم اللجوء هو المسيطر عليهم، ينتظرون تلك اللحظة التي يحزمون فيها أمتعتهم للعودة إلى الديار في بلدٍ لم يعرف بعد طريقاً للاستقرار.
.
.