أيها السيد.. لا تكثر الاغتسال

*نبيل الملحم
لستَ بتهوّر الثائر، ولا أنت بحسابات السياسي.. هو الأمر كذلك.
حين يكون الكلام من وراء الكيبورد فأنت (حماقة الثائر) و (خيال الشاعر)، وحين تكون فوق التراب أو مدعواً إلى أن تكون، فأنت دفتر (الدنكجي)، ستحسب الخسارة والربح، والغرم والغنم، وستستقتل على (السلامة).
غرمك أنت، وغنمك أنت، خسارتك أنت، وربحك أنت، وسلامتك وحدك.. ولاشك بأنك الرابح أيّ كان نوع الجذع الذي تقطعه، أّيّ كان الغصن الذي يسقط من شجرة البلد.
- أنت المنشار، نعم أنت كذلك.
حين كانت السلطة تساوي "الدولة العميقة"، بما يعني أنها المانعة والمانحة، لم تكن (تتعزل) من عتبتها، كنت وسخ العتبة، وحين وقعت في (وهم) غرق زروقها، بتّ تبحث عن نجاتك أنت.. أنت وحدك، ولا بأس من إغراق البلد بالحسابات الخاطئة، والرهانات الخاطئة، والولاءات المنحطّة بدءاً من أمك "قطر" وصولاً إلى سريرها في "أنقرة"، هذا بعد الصلاة والسلام على واشنطن وقد بصقتك لاحقاً لانعدام طاقتك على ترجمتها، ومع كل تطوّر من تطوراتك، كان في ذيل حساباتك "إدارة الممكنات" فيما كان رأس حساباتك "ديمومة القتل"، "ديمومة الاشتباك"، "ديمومة الدم"، كي تعبث ماشئت ببلد لم يعد سوى "هاوية بلد".
الممكنات على التضاد من "نعمتك"، ومن "نعيمك"، نعرف ذلك، والممكنات باتت ضيّقة، نعرفه أيضاً، غير أن ما لا يجوز أن لانعرفه، هو أنك (تحكي) بلا حساب، و(تمارس) بحسابات "الدكنجي"، أتعرف نوع الدكنجي الذي أحكي لك عنه؟
هو ذاك، أبو قلم رصاص وراء أذنه، والفارق بينكما، أنه يحسب لقوت عياله، وأنت تحسب لقتل عياله.
هو يبيعنا البرازق، والحلاوة بالطحينية، والفستق السوداني، وأنت تبيعنا الكلام الرخيص، والسلاح الرخيص، والفيس بوك الرخيص، وتحرّضنا على دمنا، كل هذا بعد أن تأخذ ضمانة بسلامة دمك.
ضمانة من القطري، من التركي، من الفرنساوي من "مكتب العمل" في دولة مضيفة، من مؤتمر مانحين، من سفارة لا تقرأ تقاريرك بالاحترام اللازم، ربما لعدم "كفاية الأدلة"، فقد اعتدت كتابة تقارير رخيصة لسلطة بلدك، وكانت ترتضي بها، تماماً كما ترتضي الدواء الخرب لمشافيها، أو حفر الشارع، أوانعدام كفاءة الصرف الصحي.
- كانت ترتضيك "مجروراً"، خرِباً، أما السفارات فلابد أن لها ما يكفي من المجارير التي "لاتنزطم".
كان هذا حالك وقد انتقلت إلى الحال الجديد، وما أن ينتهي الدور حتى تستكلب لتجدده.
يتجدد بديمومة الموت.. بديمومة الصراع.. بديمومة اللعبة الدولية، ويتجدّد بتدمير سمعة بشر دفعوا أثمان الحرية، العدالة، مواجهة الفساد حين كنت تتمدد على كنبات الفاسدين والمارقين والقتلة، وقد كنت مُحمّلاً بالنكات التي لا تضحك.
- أتحب أن أذكرك؟
- حسناً، من مثلك اعتدى على سمعة الطيب تيزيني.. من مثلك أهان عبد العزيز الخيّر.. من مثلك خطف سميرة.
اسمع أيها الصغير، بالإمكان التسامح، ولكن ليس من الفضيلة النسيان، بالإمكان قبول "وجهة نظر"، ولكن ليس بالوسع قبول "هدر الدم"، بالإمكان القبول بلعبة الحليف أو الصديق، غير أنه ليس بالإمكان الاحتكام إلى لعبة "البزنس" وبيع البلد، وأنت على أطراف مائدتها.
محمد سيّد رصاص لخص بالكثير من اللغة وشرف الكلمة ما أريد قوله، وببعض الرجاء، لنقرأ هذا الرجل مع الالتفات إلى الغسالات والمغتسلين الذين كنت أحكي عنهم:"وكان دخول المنشقّين عن المؤسسة العسكرية ــ وهم الجدد على العمل السياسي ــ و«معارضي ربع الساعة الأخير» وخاصة من المثقفين والإعلاميين و«المنشقين المدنيين عن النظام من أصحاب المناصب السابقة» ــ الذين يستخدمون التطرف المعارض لنظامهم السابق كغسّالة لغسل أوساخهم الماضية ــ بمثابة عوامل إضافية ساعدت على هزيمة «نزعة إدارة الممكنات» في المعارضة السورية".
سأضيف على ما قاله سيد كلمة:
- والله لو اغتسلت بماء النار لن تنظف.
.
.