التسوية على الباب.. شعابولا وسيطاً
*نبيل الملحم
هزيمة الـ 1967 أحيلت إلى واحد من سببين:
السبب الأول حسب الإسلاميين، هو الكفر وقد حلّ بالأمة، والسبب الثاني وتبناه اليسار يحيلها إلى سطوة الفكر الديني على الأمة، واستمر التراشق مابين دينيّ ويساري، وما بينهما حلّت أسباب مضافة لفئة ثالثة ليست على أيّ من الرصيفين وقد أحالت الهزيمة إلى "أم كلثوم حصراً"، التي تساوي حشيشة الكيف في تأثيرها على دماغ الأمة.
بالنتيجة، ضاعت سيناء ومعها الجولان والضفة، أما مسببي الهزيمة من جنرالات الحرب الذين لن تتغبّر أقدامهم في المعركة، فقد أكدوا أنهم انتصروا سياسياً، وانهزموا عسكرياً، بما يعني أن نتيجة الحرب لا غالب ولا ومغلوب، و :
- فرحنا.
بعد حرب الـ 1973 اتخذ الصراع العربي الإسرائيلي شكلاً آخر لدى صنّاع المزاج من المثقفين فدخل المتحاربون الجدد في أيّهما يدخل في ضرورات الأمة:
- عبد الحليم حافظ أم الشيخ إمام.
ووصل غبار المعارك مابين "قارئة الفنجان" و"سلامات يانيكسون بابا" حد التراشق باللعاب، وكانت التسوية في تحكيم تحية كاريوكا باعتبارها كبيرة المفكرين العرب وقد حسمت الموقف بالقول:
- دا عين ودا عين ويامحلا البوسة على الخدين.
وفض الاشتباك بين المثقف العربي الراديكالي والمثقف العربي الليبرالي لصالح الأخت المؤمنة كاريوكا.
مع الهزائم اللاحقة وآخرها هزائم الربيع العربي وانتكاسات شوارعه، ليس بيننا عبد الحليم لنتفق أو نحتلف عليه، وما من الشيخ إمام لنتفق أو نحتلف عليه، أما حشيشة الكيف، وكانت ملكية حصرية بأم كلثوم فقد انقلبت إلى منشطات أخرى ليس أرفعها شأناً الكبتاغون، كما أن الحضور الخلاّق لتحية كاريوكا كان قد اختطف بهزة من ردف هيفا وبرمشة من عينها، فدخل الحابل بالنابل، وانسحب حراك الشباب من الشوارع لتحل الخنادق مكان الشوارع في صيغة ليس من العقلاني البحث عن تسمية لها:"نصر أم هزيمة"، فمحصلة القوى كانت صفراً على الدوام، وليس من عاقل يفض الاشتباك مابين الصفر والصفر، وهما من انتاج الخوارزمي، وقد استهلكهما النظام العالمي الجديد، بما جعل السيّدة كونداليزا رايس ملكة أواخر القرن العشرين وقد تجدد شبابها في الواحد والعشرين، وليس منّا من يقرّ بهزيمة، كما ليس منّا من يفاخر بنصر، فلا مهزوم يتواضع، ولا منتصر يتباهى، ومجمل الحكايا باتت قوافل موتى تتنقل من موت إلى موت، وحين يعييها الموت نعيد إماتتها.
نكسة 67 ومن ثم (لا نكسة ولا انتصار 73)، وبعدهما تاتي اللحظة الراهنة لتكون خارج أيّ توصيف حتى ولو سعى مفكر بحجم عبد الرزاق عيد لتوصيفها مستخدماً براعة كرشه في استهلاك الفول والمصطلحات، وها نحن حائرين:
- من المنتصر ومن المهزوم؟
لا الثورة انتصرت، ولا الدولة بقيت، وكل حصادنا:
- أبو بكر البغدادي .. جنتلمان الجنّة ومستهلك حورياتها من جهة، ونظام بائس يضرب باليمين اذا شلّت الشمال، وبتنا أمام جسدين لا ثالث لهما وما بينهما شتات من ناس الشتات.. وجنرالات كلام تركلهم أبواب السفارات، وضاعت البلاد بلا حشيش ولا قارئة فنجان ولا سلامات يانيكسون بابا.
في الهزيمتين الأولى والثانية كنا وبلا شك أمام قيم شاهقة:
- أبو هريرة مقابل كارل ماركس.
- عبد الحليم مقابل الشيخ إمام.
إلى من سنحتكم اليوم وقد احتكمنا بالأمس إلى تحية كاريوكا؟
ربما نحتكم إلى شعبان عبد الرحيم.
لمَ لا؟ ما الذي ينقص شعابولا ليكون حكماً بين الصفرين.
هو زمن شعابولا وقد يكون "شعب الله المختار".
- أيّ إله يلعب ما بين الأصفار؟