تراجع القطاع الزراعي في إدلب: كارثة تنذر بالجوع الجماعيّ

*دارين الحسن
يعتمد معظم أهالي إدلب على الزراعة كمورد أساسيّ للرزق وتحصيل لقمة العيش، لكن سنوات الحرب كانت كفيلة بإلحاق تدهور كبير بهذا القطاع الحيويّ، ويعود ذلك إلى ترك مساحات واسعة من الأراضي الزراعية دون استثمار نتيجة هجرة أصحابها إلى خارج البلاد بسبب تردّي الأوضاع الأمنية، إضافة إلى الغلاء الفاحش في أسعار المبيدات الزراعية والأسمدة والبذار، والظروف المناخية الصعبة المتمثّلة في قلة الأمطار وموجة الصقيع، كل ذلك أدّى إلى تراجع المردود وقلّة إنتاج الأرض، ممّا أثّر سلباً على الأوضاع المعيشية وعلى الفلاحين الذين ينتظرون موسم جني المحصول بفارغ الصبر.
يقول أبو أحمد، وهو أحد المزارعين من ريف إدلب :"لم تعد زراعة الأرض عملاً مناسباً لأنها باتت متعبة وقليلة المردود، وخاصة بعد انقطاع التيار الكهربائي، حيث أضطر لشراء المحروقات لاستخراج المياه الجوفية وسقاية أرضي التي أداوم على زراعتها بالخضروات صيفاً وشتاءً، وأتحمّل أسعار الوقود الباهظة تارة وانقطاعه تارة أخرى، ممّا يجعل زراعة الأرض مغامرة كبيرة قد لا تعود عليّ حتى بالتكاليف، إضافة إلى غلاء أسعار البذار وصعوبة الحصول عليها، ممّا يجعلني أعتمد أحياناً على نوعيّات رديئة وغير جيدة تؤدّي إلى انخفاض كمية الإنتاج، لقد أصبح موسم القطاف مخيّباً للآمال، إلا أنني أنتظره لتسديد الديون المترتّبة عليّ وشراء الحاجيات التي تمّ تأجيلها حتى موعد جني المحصول".
وقد كشفت التقارير المحلّية والدولية مؤخّراً عن التراجع الكبير في إنتاج سوريا من المحاصيل الزراعية الإستراتيجية، وفي مقدّمتها القمح الذي كان من المزروعات الناجحة والمضمونة الربح، وأصبح اليوم يتّجه إلى أقل مستوياته، ليشهد واحداً من أسوأ مواسم الحصاد، وقد أرجع المهندس الزراعي خالد الحسين من معرّة النعمان الأمر إلى الحرب الدائرة التي أدّت إلى خسارة أجزاء كبيرة من الأراضي التي كانت مخصّصة للقمح، ممّا يؤدّي إلى نتائج وخيمة، قد توصل السوريين إلى كارثة مجاعة مستقبلية، لكونه المصدر الأساسي لصناعة الخبز الذي يعدّ القوت اليومي والغذاء الرئيسي .
أمّا الفلاح أبو حازم من قرية جرجناز في ريف إدلب فقد ترك زراعة محصول القمح لينتقل إلى زراعات أخرى تدرّ أرباحاً أكثر كالبطاطا والبقوليات، ويتحدّث عن أسباب ذلك قائلاً :"أصبح الميزان الزراعي لمادّة القمح خاسراً بكل المقاييس، حيث أن الإنتاج لا يتناسب مع المصاريف التي أتكلّفها، بسبب ارتفاع مستلزمات الإنتاج الزراعي وأجور الحراثة والعمالة لأضعاف ما كانت عليه، إضافة إلى أن فقدان الأمان والقصف المتواصل، الأمر الذي لا يجعلنا نضمن أن نجني محصولنا وثمرة تعبنا، فكثيراً ما يستهدف النظام الأراضي الزراعية لإحراقها على سبيل الانتقام من الناس وتجويعهم، ناهيك عن عدم تلقي الدعم والمساعدة من المجالس المحلية، كما أن صعوبة التنقّل بين مناطق النظام والمعارضة تشكّل عقبة أمام تسويق منتوجاتنا، ممّا يضطرّنا لتسويقه بأسعار زهيدة، وبيعه للتجّار بأقل من التكلفة أحياناً".
أمّا الزيتون الذي كان محصولاً هامّاً ويحقّق مردوداً مالياً لا يُستهان به، حيث وصل إنتاج محافظة إدلب من زيت الزيتون إلى 20% من إنتاج سوريا، بمساحة تصل إلى 130 ألف هكتار، أصبح اليوم يواجه صعوبات جمّة، فقد أدّت حركة النزوح المتزايدة إلى إهمال الفلاحين لأشجارهم التي تحتاج إلى سقاية وتقليم ومراقبة نظافة التربة، ما أدّى إلى ضعف مردودها السنوي.
حول ذلك يقول عدنان العمر وهو أحد مالكي أشجار الزيتون في قرية تلمنس: "نعاني في عملنا من قلّة عدد معاصر الزيتون وغلاء أجور العصر وأجور العمال، إضافة إلى انحسار أسواق بيعه، ومع أنه معروف بجودته إلا أنه بات مرهوناً بإيجاد أسواق للتصريف، كما أن الفقر وصعوبة المعيشة يدفعنا لبيع الزيت للتجّار بأسعار رخيصة نسبيّاً قياساً بجودة الزيت المنتج". ويلفت المزارع عدنان النظر إلى أن إدلب كانت تحوي عدداً من الأسواق التجارية الهامة التي يبيع فيها الفلاحون غلالهم، مثل سوق سراقب الشهير والهامّ لوقوعه على الطريق الدولي بين دمشق وحلب، ولكن أعمال العنف والقصف المتزايدة أدّت إلى ضعف الحركة الزراعية وقلّة تسويق البضائع إلى السوق.
أمّا مواسم التين التي كانت رابحة للفلاح الذي يقوم بتيبيس الثمار وتعليبها في قوالب صغيرة، لتصبح جاهزة للتصدير للأسواق الخارجية، باتت اليوم مرهونة بإيجاد سوق خارجي للتصدير.
وفي ظلّ هذه المعطيات حذّرت منظمة الأمم المتّحدة للأغذية والزراعة(FAO) من أن ظروف الجفاف مقرونة بالصراع القائم في سوريا ستفاقم وضع الأمن الغذائي المتردّي أصلاً في البلاد بعد أن انخفض الإنتاج الزراعي إلى النصف تقريباً.
يُذكر أن مشاريع كثيرة قامت في الشمال السوري لدعم المحاصيل الزراعية، وفي مقدّمتها القمح، بهدف رفع إنتاجه إلى مستوى مقبول، وتوفير مادّة الخبز للتخفيف من واقع المعاناة اليومية للأهالي، ومنها المشروع التنمويّ الذي أطلقه الهلال الأحمر القطري الذي ساعد على تشجيع الفلاحين لزراعة أراضيهم المتروكة دون زراعة، وزيادة إنتاج القمح، إلا أن هذه المشاريع تظلّ دون المستوى المطلوب، ممّا يتطلّب تحرّكاً جدّياً من جميع المنظمات الفاعلة على الأرض السورية لوضع دراسات وخطط من شأنها النهوض بهذا القطاع الحيوي الذي بات تراجعه يهدّد الشعب بالحرمان من لقمة عيشه وقوت يومه.
.
.