فيلم النمر والثلج لــ"روبرت بينيني"
مساحة للحب والحلم وسط الحرب
*عمار عكاش
منذ أن انطلق من خشبة المسرحِ،والمخرج والممثّل روبرت بينيني يبحث عن كوميديا مختلفة؛ اشتهر عالمياً بفلمه الحياة جميلة ١٩٩٨،الذي قدّم فيه مأساة المحرقة اليهودية بقالبٍ كوميدي، وأثار حينها جدلاً واسعاً، وفي فلمه النمر والثلج، يواجه أيضاً ويلات الحياة بالسخرية، لكنه يعرّج هذه المرة على العراق زمن الحرب، من خلال حكاية حبّ بطلها شاعر، فيقدم صورة مختلفة عن أرضٍ وُسِمَت بأنها أرض الإرهاب والدكتاتوريات، فهي أرض للحب والجمال وفيها أناس طيبون ينشدون الحياة.
أتيليو شاعر حالم فوضوي(Roberto Benigni)، يعيش مع ابنتيه، يحلم حلماً متكرراً سريالياً، في مكانٍ يشبه مدرجاً رومانياً، يتزوج فيه من امرأة يحبّها. تتغير رموز الحلم، فتتحول المرأة إلى كانغرو. في الحلم نجد خلفية التاريخ الإيطالي، وتصويراً لضغوطات الحياة الحديثة، حين يقاطع شرطيٌّ مراسم الزواج ويطلب من أتيليو تغيير مكان سيارته المركونة في مكانٍ ممنوع. يلتقي أتيليو فيتّورياNicoletta Braschi بطلة منامه في أمسية شعرية لصديقه الشاعر العراقي المنفي فؤاد(Jean Reno)، ويتودّد إليها لكنه يفشل فتقول له: سأتزوجك حين أشاهد نمراً يمشي على الثلج في روما.
بعد الغزو الأمريكي للعراق، يقرر فؤاد العودة إلى العراق، فترافقه فيتّوريا التي تعد كتاباً عن حياته، وهناك تدخل فيتّوريا في غيبوبة جراء إصابتها بسبب القصف، وحين يبلغ الخبر مسامع أتيليو يسافر بالحيلة إلى العراق مع فرق الإغاثة، ويبدأ رحلته لإنقاذ حياتها، وفي محاولته الحصول على الدواء لعلاجها يلتقي صيدلانياً عجوزاً متديّناً كان يركب الأدوية أيام شبابه؛ الصيدلاني كان عاشقاً لزوجته الراحلة التي أصيبت بجدريٍّ شوّه وجهها، فادعى العمى ليصون مشاعرها، هذا الشيخ السمح، يقدم صورة مختلفة عن بشرٍ يجمعون بين حب الله وحب الناس. وفي مشهد آخر يتدبّر أتيليو أنبوبة أوكسجين عن طريق شراء مجموعة مسروقات، تضمنت أيضاً مضرباَ لقتل الذباب، ويقول لفيتوريا: ((إنه من أسلحة الدمار الشامل))، في سخرية من أسباب الحرب في العراق.
يصاب فؤاد لاحقاً بنوبة اكتئاب وهو يشاهد بلاده خرجت من الدكتاتورية إلى الحرب والفوضى، وفي مشهدٍ مؤثر يعثر عليه أتيليو معلقاً على شجرةٍ في باحة داره منتحراً، وتطيّر الريح الأوراق عن طاولته، وتبتلع الزوبعة البلاد. تظلّل الفيلم إدانةٌ هادئة للحرب وانحياز للبشر (ضحايا الحرب)، من خلال قصة الحب الشغوف، ومن خلال تصوير معاناة الجميع حتى الجنود الأمريكيين؛ فحين يبلغ أتيليو الحاجز الأمريكي محملاً بالأدوية يبدو رعب الجنود الذين يرتعشون وهم يصوبون أسلحتهم عليه خوفاً من أن يكون انتحارياً، وبعد أخذٍ وردّ يصيح الضابط: (إنه شاعر ملعون)، في سخرية أخرى من خفوت صوت الكلمة الحالمة أمام صوت السلاح. في نهاية الفيلم تتعافى فيتوريا وتشاهد نمراً يمشي على ثلج روما بعد أن شبّ حريق في سيرك، وتدرك لاحقاً حين يغطيها في حديقة منزلها أتيلو من لمساته أنه هو المنقذ الذي أسعفها، فيتّوريا التي دخلت في غيبوبة طويلة تذكرنا بفلم أضواء المدينة تشارلي شابلن، شابلن الذي تأثر به بينيني أبلغ تأثير إلى جانب تأثره بالكوميديان الإيطالي الشهير Totò توتو.
وهكذا اختار بينيني مرّة أخرى مواجهة الواقع المتردّي بالسخرية والضحك والضرب على وتر أعمق المشاعر الإنسانية للدخول إلى وعي الناس ووجدانهم، ليروي مأساة الشرق الأوسط الذي يحمل منه بينيني تراث الحكايات القديمة وسحره، ويصرّ أن يقول: ثمة مساحة للحلم والحب رغم كابوس الحرب والرحيل.
***
مشاهد من الفيلم؛
.
.