info@suwar-magazine.org

السياسات الروسية.. بين عقد الصفقات المشبوهة والتصرّف كدولة عظمى !

السياسات الروسية.. بين عقد الصفقات المشبوهة والتصرّف كدولة عظمى !
Whatsapp
Facebook Share

 

 

 

*لينا الشوفي

 

 

ترك انهيار الاتحاد السوفيتي أثره الكارثي على الدولة الروسية بعد عام 1991 بسبب الاختناق الاقتصادي الناجم عن تدهّور أسعار النفظ في الثمانينات من القرن المنصرم، إضافةً إلى التنافس "الأمريكي ــ الصيني" في مجال التسلّح الذي كان له أثره الكبير على روسيا آنذاك كونها من الدول المصنّعة للسلاح وتعتبر من أهم المصدّرين له في دول الشرق الأوسط. إذ تراجعت مكانتها على الساحة الدولية و دورها في السياسة الخارجية، يرافق كل ذلك تراجع على مستوى التبادل التجاري.  

 

مع وصول بوتين للسلطة سنة2000 عمل جاهداً على إعادة دور روسيا إلى الواجهة سياسياً ودولياً، فهي الوريثة الشرعية  والقانونية للاتحاد السوفيتي  وتتفوّق على باقي دول الفضاء السوفيتي بما لديها من مقومات، حيث تعد من أكبر الدول المنتجة للنفط الخام وتمتلك الاحتياطي الأكبر من الغاز الطبيعي في العالم و لها اسمها  العريق في تصنيع وتصدير الأسلحة. وقد ساعده على ذلك إرث الاتحاد السوفيتي من العلاقات الجيدة والاتفاقيات المبّرمة مع دول شرق المتوسط وأمريكا؛  ما أعاد رسم سياسته الخارجية في التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكيّة بما يتوافق مع وجهة نظره لمصالح روسيا الاتحادية.

 

وجد "بوتين" في "هجمات الحادي عشر من سبتمبر" فرصة للتقرّب من أمريكا، فكان من أوائل المتّصلين ببوش و عرض عليه التعاون في حربه على الإرهاب ووضع القواعد الجوية الروسية في آسيا الوسطى تحت تصرف أمريكا في هجومها على أفغانستان و تعاون معها في تقديم المعلومات الاستخباراتية. وقد عاد بوتين إلى الساحة العالمية باتفاقه مع الرئيس أوباما على عدة ملفات، أهمّها الملف السوري، وبعض صراعات الشرق الأوسط..  رغم  تأزّم الأمور  بين الطرفين بما يخص  "أوكرانيا"  وشبه جزيرة القرم.

 

كانت جزيرة "القرم" تابعة لروسيا  في العهد السوفيتي  وبعد انهياره  تمتعت بحكم ذاتي داخل أوكرانيا.

 

وأهميتها بالنسبة لروسيا تتمثل في كونها مقراً للأسطول الروسي في البحر الأسود الذي يضمن لروسيا المياه الدافئة والكثير من الثروات كالنفط و الغاز.

 

"يتكلم سكان هذه الجزيرة اللغة الروسية ويظهرون ولاءهم لروسيا، وبعد عزل الرئيس الأوكراني  "فيكتور يوشينكو " إثر الاحتجاجات التي قادها أنصار التكامل مع الغرب، رفض سكان الجزيرة السلطة الجديدة في "كييف" و طالبوا بإقامة نظام فيدرالي متكامل مع روسيا بدلاً من الغرب، و أجري إثر ذلك استفتاء صوّت فيه سكان الجزيرة لصالح انضمامهم لروسيا، فنشرت روسيا قواتها لتطويق القوات الأوكرانية في الجزيرة بذريعة حماية سكانها، و أعلنوا عن ضمها لروسيا.

 

اعترض الغرب وأمريكا على التصرّف الروسي وفرضت عليها العقوبات.

 

 ومن ناحية أخرى، أدّى الإخلال الأمريكي بالتزاماته تجاه دول الخليج في عهد "أوباما"، لاسيما بعد الاتفاق النووي الأمريكي الإيراني إلى تراجع ملحوظ في العلاقات، دفع هذه الدول للتقارب مع روسيا متبعين سياسة فصل الملفات؛ فروسيا موجودة في كافة الملفات الإيرانية التي تثير قلق دول الخليج، وتهدد أمنها. فهي شريكة استراتيجية لإيران وداعمه لها في برنامجها النووي، إضافةً لكونها تغضّ النظر عن المشاكل التي تثيرها إيران في مناطق تواجد مكونات تتبع مذهبياً لها في الخليج.

 

إن العلاقة بين روسيا وإيران تاريخياً متوتّرة، بغض النظر عن اتفاق الجانبين على بعض الملفات. فالنزاع على التجارة و الثروات في بحر قزوين، يبيّن أثر الخلاف بين الدوليتن إضافةً لتطلّع كل منهما للعب دور إقليمي في الشرق الأوسط و دول شرق آسيا. إلا أن العقدين الأخيرين شهدا تقارباً ملحوظاً بينهما، سببه المصالح المشتركة في التعامل مع أزمات الشرق الأوسط، وأيضاً المصالح الاقتصادية لروسيا في إيران. إذ تعاقدت روسيا مع إيران لبناء مفاعلات نووية جديدة في 2014  كما وقّعت مذكرة تعزيز التعاون العسكري بينهما في بداية 2015. و تتطلّع موسكو إلى المزيد من المكاسب الاقتصادية و العسكرية بعد الاتفاق النووي.

 

إن اللاعب الخفي في الكارثة السورية المتمثّل بـ"إسرائيل" لم يكن تأثيره خفيّاً.. إنما كان يدير الدفّة عن بُعد ويتحكّم بأغلب قرارات الدول المعنية بالملف السوري. حيث أقلقَ  التدخل العسكري الروسي في سوريا إسرائيل، فسارعت الدولتان إلى عقد اجتماع وأجريت تدريبات جوية مشتركة روسية إسرائيلية لضمان عدم وقوع حوادث احتكاك بين جيشيهما في الأجواء السورية!.

 

يقيم في إسرائيل أكثر من مليون مهاجر من دول الاتحاد السوفيتي السابق، و شهدت العلاقات بينهما تحسّناً في عهد بوتين و تجاوز حجم التعامل الاقتصادي قيمة 3 مليارات دولار في عام 2014.

 

نستطيع القول إن هذا التنسيق الروسي الإسرائيلي، هنالك جزء منه يعود سببه لمتانة العلاقة السورية الروسية التي تعود إلى أربعينات القرن الماضي، وقد تطوّرت هذه العلاقات وأخذت بعداً استراتيجياً بعد (الحركة التصحيحية) المتمثّلة بانقلاب حافظ الأسد على الحكم 1970 . عدا عن تخوّف الإسرائليين من حماقة النظام السوري في فتح جبهة جديدة لخلط الأوراق في الساحة العالمية، وإرباك المشهد وتأزيمه أكثر، حيث إن النظام السوري في مرحلة (خروج الروح) والغريق يتمسّك بقشّة ويفعل أي شيء للنجاة.

 

قدمت القيادة السوفيتية للنظام السوري الباحث عن شرعية دعماً عسكرياً و غطاءً دولياً سياسياً.. وفي الناحية التنموية أسهموا في بعض المشاريع الحيوية كسد الفرات وأوفد الكثير من الطلاب السوريين للدراسة في دول الاتحاد السوفيتي.

 

 

وكان انهيار الاتحاد السوفيتي أدّى إلى تغيّر في طبيعة العلاقة بين الدولتين بحكم انتقال روسيا إلى النظام الرأسمالي الجديد .

 

و مع وصول بشار الأسد للحكم و سعيه( للانفتاح الاقتصادي الكامل و الليبرالية)، أعطى الأهمية الأولى لتحسين علاقاته مع الغرب؛ إلا أن الحصار الأمريكي لسوريا بعد اغتيال رفيق الحريري وانسحاب الشركات النفطية الأمريكيّة العاملة في سوريا أدى إلى الاتفاق مع روسيا لإعادة تشغيل بعضها.

 

مع بداية ثورات الربيع العربي في تونس و مصر، اتسم الموقف الروسي بالعداء الخفي حيناً، والصريح أحياناً  أخرى. فإذا كانت روسيا لم  تبدِ قدراً  كافياً  من الاهتمام بالثورة التونسية، فقد تداركت الأمر مع اندلاع الثورة المصرية وحذّرت مما قد تحمله من تغيرات على مصر و المنطقة العربية.

 

أما في ليبيا، فقد اتخذت روسيا موقفاً أكثر وضوحاً وأعلنت وقوفها إلى جانب نظام القذافي وحاولت منع فرض حظر جوي بامتناعها عن التصويت على قرار مجلس الأمن، و لكنها لم تستطع منع صدوره بسبب الإجماع الدولي عليه.

 

و مع اندلاع الثورة في سوريا، تعاملت روسيا مع الوضع السوري على أنه صراع دولي على سوريا لابد أن يكون دورها دوراً قوياً ومؤثراً فيه، مستفيدة من ضعف السياسة الأمريكيّة وانسحابها من الساحة السورية.  فحشدوا طاقاتهم الدبلوماسية والسياسية لدعم النظام السوري، واستخدموا حق النقض الفيتو 6 مرات لمنع  أي قرار دولي ضده، و لم يترددوا في التدخل عسكرياً بعد سقوط إدلب و ظهور علامات انهيار النظام بحجة منع تنظيم "داعش" المتطرف من التقدم باتجاه دمشق مستفيدين من فشل التحالف الدولي ضد "داعش" في تحقيق أهدافه. فإذا كانت روسيا قد خسرت بسقوط نظام القذافي 4 مليارات دولار قيمة العقود التي كانت مبرمة في مجالات النفط و الأسلحة، فهي لن تساوم على عقودها لاستثمار حقول النفط و الغاز الضخمة مقابل الشواطئ السورية؛ إضافة لكون سوريا مقراً لأسطولها البحري في قاعدة "طرطوس" الذي يعد نافذتها الوحيدة على البحر المتوسط.

 

  إن مقتل مئات الآلاف من السوريين وتهجير الملايين ودمار شبه كامل للمدن السورية، لم يثنِ الروس كي يتراجعوا عن موقفهم وسياساتهم تجاه هذه الكارثة التي حلّت بالشعب السوري بسبب نظام يريد الاستفراد بالسلطة من كل النواحي ومنع الحريات.

 

فهل نستطيع تسمية روسيا (دولة عظمى) أم دولة تجول البلاد لتقتل وتضع شروطها على حساب دماء الأبرياء؟.

 

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
آخر المقالات
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard