الانتاج الزراعي في سورية .. وانهيار منظومة الامن الغذائي
*سامر كعكرلي
في رؤية تحليلية لواقع الإنتاج الزراعي في سوريا خلال سنوات الحرب التي قاربت لستة سنوات، نشرت صحيفة البعث التابعة للنظام السوري في عددها رقم /15656/ الصادر بتاريخ 28/09/2016، مقالاً بعنوان :
(( ولتكن وزارة الزراعة هي القدوة في تنشيط الإنتاج الزراعي)).
ونقلت المقال رؤية جمعية العلوم الإقتصادية السورية على لسان أحد أعضائها، تلك الرؤية التي تسلط الضوء على ما أسمته التراجع المتتابع للإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني في سوريا، والقلق الذي يصيب المستويين الرسمي والشعبي (على حسب وصف الصحيفة) لهذا التراجع الذي سيؤدي حتماً لانعكاسات سلبية في مجال الأمن الغذائي في سوريا.
وألمحت ورقة الجمعية الإقتصادية بأن هذا التراجع ليس مرده الحرب في سوريا فقط، بل يعود لفترة ما قبل الحرب بسنوات، وذلك عندما أتبعت حكومات النظام السوري – ولاسيما في عهد بشار الأسد – سياسة ليبرالية تجاه القطاع الزراعي، واعتبرته قطاعاً لا يستحوذ على الأولوية بالنسبة للاقتصاد السوري، وفتحت الأبواب واسعاً أمام باقي القطاعات من ناحية الاهتمام الحكومي.
ولكن الذي لم تذكره ورقة عمل الجمعية الإقتصادية بأن قطاع الخدمات المالية مثل المصارف وشركات التأمين وقطاع العقارات حظيت بجُّل اهتمامات حكومات النظام السوري وذلك لأن وراء تلك القطاعات رؤوس كبيرة من أزلام النظام من أمثال رامي مخلوف ومحمد حمشو وصائب نحاس وغيرهم. وأدى هذا الاهتمام بتلك القطاعات الريعية لإزاحة باقي القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة وحتى النقل من المشهد الإقتصادي السوري، وما موضوع قوانين الاستثمار سوى نوع من ذر الرماد في العيون لأن تلك القوانين لم تنجح بجذب الاستثمارات الإنتاجية إلى سوريا.
وأيضاً لم تتجرأ ورقة عمل الجمعية الاقتصادية بأن تبين أن حكومات النظام السوري في تلك الفترة قد بدأت بالتصريح علناً وعلى منابر الإعلام الرسمي بأن المؤسسات الإقتصادية الإنتاجية والمملوكة للدولة قد أصبحت عبئاً على الموازنة العامة بسبب التغطية المستمرة لخسائرها المتكررة، وأصبح من الواجب التخلص منها وذلك بحلها أو بيعها للمستثمرين المحليين أو العرب أو الأجانب، والمقصود بالأجانب هنا هم الإيرانيين الذين كانوا يسعون بشكل حثيث لامتلاك تلك المؤسسات. ولعل المرسوم التشريعي رقم /267/ تاريخ 26/07/2004 والقاضي بتعديل مرسوم إحداث المؤسسة العامة للمباقر – وهي مؤسسة ذلت طابع اقتصادي مملوكة للدولة ممثلة بوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي- وذلك بالسماح لها بمشاركة الغير سواء وطني أم عربي أم أجنبي لهو أكبر دليل على تواطؤ النظام السوري على المؤسسات الوطنية السورية.
وبالطبع يمكننا إيجاد العذر لجمعية العلوم الإقتصادية السورية لعدم تطرقها في ورقتها لمثل تلك المواضيع لأن من على منبر تلك الجمعية تم اختطاف وتغييب الدكتور عارف دليلة لمدة عشر سنوات في السجن بسبب محاضرة ألقاها يبين فيها أسباب تداعي وانهيار الاقتصاد السوري.
وبالعودة لورقة الجمعية التي تقترح على أن تعيد وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي التابعة للنظام السوري النظر بدورها الإنتاجي، وتسعى إلى حث كافة المؤسسات التي لم يتم بيعها لزيادة طاقاتها الإنتاجية، كما تقترح الورقة أيضاً بأن يكون لنقابات مهنية مثل نقابة المهندسين الزراعيين ونقابة الأطباء البيطريين، وكافة المدارس والكليات والمعاهد التي تدرس الزراعة بشقيها النباتي و الحيواني، كُل هؤلاء أن يكون لهم مشاريعهم الزراعية الخاصة والتي ترفد القطاع الزراعي السوري بمنتجات نباتية أو حيوانية، وذلك لمواجهة تراجع الإقتصاد الزراعي في سوريا.
من حيث المبدأ والشكل الظاهري فإن مقترح جمعية العلوم الإقتصادية السورية مقترح جيد، ولكن بالإمعان به واسترجاع الأوضاع الاقتصادية في سوريا منذ استلام عائلة الأسد لمقاليد السلطة فيها عام 1970، وكيف تراجع الاقتصاد السوري بكافة قطاعاته، لا بد لنا أن نتساءل: ما هو الجديد الذي طرأ على العقلية الإدارية لدى النظام السوري وطريقة إدارة المؤسسات الإقتصادية ليكون اقتراح الجمعية الاقتصادية ذو قيمة ويمتلك الأسباب التي تجعل هذا المقترح ذو فائدة مرجوة؟
حقيقة لا شيء تغير على عقلية نظام الأسد في إدارته للمرافق الاقتصادية السورية فما زالت الأسس التي أرساها حافظ الأسد في تدمير الاقتصاد السوري راسخة في عقول وأذهان القائمين على الاقتصاد السوري وهم بالتحديد أفرع المخابرات التي تتحكم بكل كبيرة وصغيرة في سوريا وفي كل النواحي، فما زال مبدأ الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب هو المبدأ السائد في إدارات الدولة، وحتى ضمن كيانات ما يسمى المجتمع المدني مثل النقابات والجمعيات والغرف الاقتصادية ما زال الوضع على ما هو عليه منذ عام 1976 عندما حل حافظ الأسد مجلس تلك النقابات وشكل مجالس جديدة تتماشى مع العقلية الأمنية التي سادت في سوريا.
أيضاً والسؤال المشروع هنا هل تم تفكيك منظومة الفساد التي عششت داخل المرافق الاقتصادية السورية على مدار خمسين عاماُ ليكون مقترح الجمعية الاقتصادية فعالاً في درء خطر الإنهيار الكامل للقطاع الزراعي في سوريا.
بالطبع إن كل ذلك لم يحدث لا بل زاد الفساد المالي والإداري في سوريا في ظل سنوات الحرب التي تم تسخير كافة إمكانيات سوريا لتغطية نفقاتها، والأمر الطارئ أيضاً هو الفلتان الأمني الذي تعيشه سوريا والذي سمح بظهور جماعات لا تخضع لأي قانون مثل العصابات الطائفية التي قدمت من خارج الحدود ولدى كلا الطرفين نظام ومعارضة تلك المجموعات التي لا يمكن لأي سلطة قائمة في سوريا سواء من جهة النظام ممثلة بحكومته أم من جهة المعارضة ممثلة بالحكومة المؤقتة أن تفرض شيئاً من الانضباط عليها.
وإن فرضنا جدلاً بأن كل ذلك - من تغير في العقلية الإدارية وتفكيك منظومة الفساد- قد تحقق خلال سنوات الحرب يبقى السؤال الذي لا بد من توجيهه إلى الجمعية الاقتصادية هل الظروف التي تعيشها سوريا من دمار وتخريب ونزوح أغلب المزارعين من أراضيهم وانحسار الأراضي الزراعية وحرق المحاصيل الزراعية وخروج مناطق هامة بالنسبة للإنتاج الزراعي مثل محافظات المنطقة الشرقية والشمالية والجنوبية هل كل ذلك كفيل بأن يوضع المقترح موضع التنفيذ.
طبعاً إلا إذا كانت الجمعية التي تتكون في معظمها من اقتصاديين تابعين للنظام السوري وتم اختيارهم بشكل دقيق حسب ولاءاتهم للنظام السوري تقدم هذا المقترح تماشياً مع مخططات النظام السوري الذي يعتمد على سوريا المفيدة أي أن المقترح تم تقديمه فقط لتلك المناطق التي يراها النظام سوريا المفيدة والتي هي ربما حدوداً لدولة جديدة يسعى النظام السوري بعد فشله في وأد ثورة السوريين أن يخلقها.
.
.