info@suwar-magazine.org

كنّا لعبة.. نعم لعبة

كنّا لعبة.. نعم لعبة
Whatsapp
Facebook Share

 

 

*نبيل الملحم

 

ليس التبغ من يصنع التاريخ، هي السيوف فيما سبق، والقنابل الانشطارية في اللاحق من الوقت، ما يحدث في حلب، ولنقلها كما يستوجب القول، هو استرسال لنا، لذاك التوالد المرعب ما  بين داحس والغبراء، وحين قالها "أمل دنقل" : "لا تصالح" فكأنما قالها والغبار يملأ  رئتيه، فالحرب فيها لم تكن حرباً ما بين زفرات الحريّة وكساد الاستبداد، إنها الحرب ما بين ربّين مزنّرين بالقتل، وما بينهما طفلة تستغيث من الموت بالموت.

 

تعالوا نحكيها كما يجب أن تُحكى، نرويها كما يجب أن تُروى، نتأمّلها كما يتوجّب على الأكتاف المنهكة أن تتأمّلها.

 

هي حرب، نعم هي كذلك، وفيها صفويّ، تركمانيّ، أوزبكيّ، قوقازيّ، أمريكانيّ، روسيّ، وفيها منوّعات تورا بورا بما حملت، وخلفها إدارات تصالح إدارات، غرف عمليات تتقاطع مع غرف عمليات، صفقات تترتّب ما بين الخنادق المكشوفة والأنفاق المستورة، هي الحرب القذرة، لا كما قذارة ما سبقها من حروب، هي الحرب وقد أخذت سبيلها لتكون اختبار القذارة بين أضلاعنا، هي هكذا، لنبعثر أثاث أرواحنا وسمعتنا وجثثنا بما يليق بصعود الإمبراطوريّات الوليدة ربّما كبديل لتلك الإمبراطوريّات البائدة، هي هكذا، ولسنا فيها سوى مُختبَر للدماء، لفصيلة دم جديدة على البشرية، فصيلة دم رخيصة الثمن، وكنّا الأكثر تأهيلاً لدخول المختبَر، دخلناه بخيال الناقة، هذا ما حدث، ولو لم نكن على هذا النحو من الهزال لما كنّا: علويّ/ سنّيّ/ درزيّ/ مسيحيّ وشيعيّ/ ولا حقاً عربيّ وكرديّ، ولو لم نكن لما أطفأنا النار بالأزيديّ لأنه قدّس سرّ النار فكفر بربّ تَمرِنا.

 

كنّا المِخلب واللحم، فأكلت مَخالبنا لحومنا، حدث هذا وتعالوا نعترف بأننا استبدلنا إلهاً بآلهة، وجلّاداً بجلّادِين، وفظاعة البربريّات ببربريّات بالغة الفظاعة، تعالوا نعترف بأن الثورات ليست تبغاً مع مطالع الفجر (فحسب)، كما ليست صلاة في محاريب كنيسة او صومعة، تعالوا نعترف بأن الثورات هي غير ذلك، هي الخيال الخلاّق الذي أنجب مانديلا ورسّم غاندي نبيّ سلام، هي غير المحيسني وبول البعير، وغير العرعور ولعبة الطناجر، هي غير الليبراليين الجُدد وقد مزّقوا كفن كارل ماركس لحساب وجبة هوت دوغ، أو شيء من الهمبرغر.. تعالوا نعترف أن ثمّة معماريّة إستراتيجيّة للمنطقة لعبت بنا، بأحلام انعتاقنا، فبتنا نتنفّس من عتباتها لا من صدورنا، تعالوا نعترف أن حلب بين نارين، نار قهرمانات السلطان، ونار مواشي الديكتاتور، وما بين النارين احترقنا فلم نكن لحلب لتكون حلب لنا.. تعالوا نعترف مادام وقت الإرادة قد مات ولم يتبقَّ سوى وقت الاعتراف، تعالوا لا نعلن اعتذارنا من دمنا، ولا ندمنا من الهاوية، تعالوا لنقول فقط: "هذا ما حدث"، نقولها دون تكحيل عيون الجثث، ودون فائض كذب لم يبقَ من حقائقنا للحقيقة مطرحاً.

 

نعرف باليقين، أنه لا نفع بمعرفة الجاني حين تُغرق الدماء رؤوسنا.. نعرف هذه الحقيقة، غير أنه ما دمنا قد اقترفنا الكثير من متعة الغباء، تعالوا نختبر متعة أن نعرف.. نعرف من أجل المعرفة.. المعرفة وحدها، دون غايات النجاة وقد باتت بعيدة.

 

- لن ننجوَ.. هذا بات مؤكّداً.

 

كلّ ما في الأمر:

 

*علينا أن نأخذ علماً.​

 

لقد كنّا لعبة.. نعم كنّا لعبة.

.

.

اقرأ المزيد للكاتب ..

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard