مازال .. الله أكبر
*نبيل الملحم
مازلنا حائرين فيمن صنّعنا على هذا النحو.. نقول صنّعنا، لأن الأمر هو كذلك، فلابد أننا جزء من منتجات هذا العصر.. عصر أسواق الحروب، لم لا، مادامت الأسواق هي إنجيل هذا العصر، وتوراته، وكذلك قرآنه؟
لقد أنتجت الصيغة النهائية لنا، ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، يوم زال الخطر الأحمر، وكنا (كعالم إسلامي)، جرّافة من جرّافات انهياره، أقله يوم ذهبت طلائع "الله أكبر" إلى أفغانستان، ودمرت "أصناماً"، تراءى لهم أنها تكفر بـ "الأحد" العظيم الذي خلناه ذات يوم "تمراً" وأكلناه، وكنا معاول في لعبة الكبار.. الكبار جداً، وقد أُخِذنا بعدها إلى "11 سبتمبر"، ومنه إلى حيث انهيار بغداد، ومع انهيارها ابتدأ انهيار كل ماحولنا.
كان صنّاع الرأي، وتحديداً الأمريكان، قد صوّروا بشر العالم الإسلامي باعتبارهم "انفعاليون"، "لايقرأون"، وذهبوا أكثر للقول بأن هؤلاء البشر، هم مخلوق جديد، هذا المخلوق ينتمي إلى "الذئاب المنفردة"، الكائن الذي يعيش صراعاً مع مخاوفه وهواجسه، للدرجة التي يخرج فيها للانتقام من العالم أجمع.
هي صناعة فازت بتحقيق الكثير من أهدافها، ساعدها على هذا الفوز، هستريائيون، ربما كان نموذجهم الذروة قد تمثّل في خطاب المقاتل والداعية الإسلامي عبد الله المحيسني وقد أحاط مقاتليه بالأحزمة الناسفة اعتماداً على وعد الله بالجنّة، وأيّة جنّة؟
ليست تلك الجنّة التي تقوم على التصنيع الثقيل والتنمية المستدامة، ولا تلك التي تقوم على العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، كما ليست ذلك التفوّق التكنولوجي الذي تتسابق إليه الأمم، وكذلك ليست هي تلك البقعة التي تحمي عملتها الوطنية وتنافس في أسواق البورصة.. إنها (جنّة الجنس)، بل والجنس حصراً، ففي خطابه إبان معركة جبهة النصرة مع الجيش السوري على أبواب مدينة حلب السورية مطلع شهر آب من 2016، تركّز جلّ خطابه على الوعد الجنسي، فكان على مقاتليه أن يختاروا بين نساء يتبولن، ويتعرقن، ويصبن بآلام الحصّة الشهرية، الجنس معهن محكوم بذروة عابرة مؤقتة ربما تتلوها لحظات اكتئابية ، وبين نساء بصاقهن كـ (العسل)، بصقة واحدتهن واحة من حلاوة كافية لتحلية مياه البحر، ذروتهن دائمة، وفحولة رجالهن لا تتوقف، ولا تقع في حبائل الخيبة والملل، وهن نساء يزددن بمتوالية هندسية لا تنتهي، وبرعشات لا تنتهي.
حدث ذلك في سوريا، على جبهات القتال، ومعه حضر وأد حلم.. حلم "الحريّة" إن شئنا، تلك المفردة السحرية، المنسية في الدولة الأمنية التي خيّمت بكلكلها على دمشق منذ الدولة الأموية، وصولاً للدولة القومية التي أطلق عليها دولة "البعث".
منذ اليوم الأول، كانت الذئاب المنفردة تستفرد بحركة الشباب السوري، أولئك الطامحون لوعد آخر هو غير وعد المرأة التي لا تحيض.. لوعد الموسيقى، الرقص، التعبير عن لون الحياة ولون الخيال ولون القمصان ولون الصوت ولون الهتاف، ومشتقات الحب، وتصميم أثاث بيت الزوجية.
وأخذنا إلى الحرب الملعونة، لنكون الاستثمار الذي لم يُعلَن حصاده بعد، فإعادة الإعمار لم تبدأ، والشركات الكبرى لم تحط آلياتها فوق جثثنا بعد، وبعد البعد، مازال التقسيم الوظيفي لبلادنا لم ينجز، وراسمو الخرائط لم يضعوا النقطة في آخر السطر.
لقد كانت الحرب هي الهدف، وكان إنتاج العجرفة الحربية، قد نال من الجميع، ليندفع الناس إلى التحوّل إلى طارد وطريدة، وكنا بالمحصلة طرائد.. الجميع طرائد، مطرودون من بلدهم، وكل ذلك لأننا "لا نقرأ"، نعم، لأننا "لا نقرأ"، والذين يقرأون منّا، ذهبوا بعيداً في التقاط الصور التذكارية مع مقاتلين، آتون من أدغال التاريخ، ليتساوى أستاذ السوربون، مع عاهرة حطّت بها الدنيا على رصيفها.
كان هذا حالنا، لتكون البلاد يتيمة، بلا أم تبكيها، ولتفوز لعبة أمم على دمنا، ونكون:
- مجرد شهود على موتنا.
هذا حالنا في جنيف، وكذا في أستانة، وسيكون الحال كذلك في أيّة عاصمة يرتحل إليها ملف بلادنا وقد بات بحكم الناجز:
ــ ممنوع انتصار الحريّة.
ــ ممنوع الإبقاء على الدولة.
ــ مسموح هدرنا، كما لو كنا بقايا المائدة ( ونحن بقاياها فعلاً).
ويعتذرون عن سوء الفهم.. (لم نكن نعلم)، باتت هي القاعدة، و(لم نكن نعلم)، نقولها بعد أن أخذنا علماً فضفاضاً بأننا:
غبار الوقت.. سوق الفرجة.. كائنات جديدة نحتار ما بين وحشية الحقائق وزهو الوعد.
بحثنا عن الله، فكفّرناه، ومازلنا ننشد:
ــ الله أكبر.