info@suwar-magazine.org

محمد ملص.. أنا مثلك أيضاً.

محمد ملص.. أنا مثلك أيضاً.
Whatsapp
Facebook Share

 

 

 *نبيل الملحم

 

كدنا نظن أننا حررنا وجوهنا من الجدران، من الأوصياء على الله، أو أولئك الذين حلّوا محله وقد زرعوه في خوذاتهم أو لحاهم، كدنا نظنّ ذلك.. إنها "الثورة" التي ستخرجنا من الثلاجات إلى الربيع العربي.

 

  • ــ لِم لا  ونحن نسكن في حفرة الجغرافية ونتطلع إلى قمم التاريخ؟
  •  

نقول : لِم لا؟ وبعناد، ليس من اليسير استئصاله، كدنا أن نصدّق أننا تناسلنا على هيئة فولتير وجان جاك روسو  وإيمانويل كانط، وفوق ذلك لم نكن لنبالي  برقعة الشطرنج ونتساءل:

 

 

  • ــ هل نحن القلاع أم الخيول أم البيادق؟
  •  
  •  

فوق ذلك حاكيناهم، حتى تسنّى لنا أن نظنّ أننا نستدرج "عيون بهية" من ميدان التحرير، وقصر العيني إلى ساحاتنا.. إلى المرجة والبحرات السبع وشارع الباكستان، لنسقط الطغيان بهتافاتنا.

 

"كدنا"، ولولا تلك اللعبة التي يمكن وصفها بلعبة (ما فوق الأمم)، لا نتزعنا إليزابيث الثانية  من قصر باكنغهام، وأجلسناها إلى جانب "البوعزيزي"  في التحريض على "الثورة" التي تجرّها خيول الملكة.

 

في البدء، كان "الله" يهتف مع المتظاهرين بلغة الحبّ والخبز والحرية، وما أن ارتفع صوته حتى انهالت أسواطهم فيه وعليه ليستنبتوا إلههم.. إلههم هم، ذاك المتجهم، الذي لابد وأن يقود ربيعاً ما، إلى خريف ديني مُتحقق، أبطاله يأتون من الفراغ، ليحال كل ما سواهم إلى فراغ، ويحوّلوننا إلى "غرنيكا"، سواطيرهم مسنونة وأنيابهم كذلك، وكل آمالهم:" بالذبح جئناكم".

 

كدنا نظن أننا تحررنا من الجدران، وإذ بنا نوزّع الحلوى على الجدران ونحن نعيد تشييدها، فـ "الثورة"، كما القطة تاكل أبناءها، ولقد أكلتهم في ميدان التحرير، وأكلتهم في تونس وحمّام الشط، وانتهكت أعراضهم في طرابلس ليبيا، وساقتهم إلى بازار الأمم في سوريا، وما أن ذهب الظن بنا إلى أننا من جنس الملائكة، حتى علمنا أننا من منوعات القرود.. حدث ذلك، وبتنا أمام رصيفين:

 

  • ــ طغيان الأمس وقد خيّم فوقنا خمسين سنة، وطغيان "الثورات" الموؤدة وقد أحيلت إلى نزاع على السلطة.
  •  

وبتنا اثنين:

 

دونكيشوتيون في جانب، وفي الطرف الآخر كل سلالات دراكولا بدءاً من أنظمة لا تعاف امتصاص الدماء، إلى تيارات/ أحزاب/ جماعات/ شخصيات ما من مثال  فيها يرتفع عن مثال "العرعور" وهو يدعونا مع الأوركسترا الإسلامية إلى الرقص على إيقاعات الطناجر، وفي خلفية المشهد، مثقفون ليبراليون، علمانيون، يساريون، يغسلون أقدام شيخهم، وليس من بينهم واحداً تفوّق على هنري برنارد ليفي، وقد حضر إلى ليبيا والقاهرة وتونس، ليسجّل حضوره كـ "قائد لثوراتها"، فيما ذهب زميله باللغة الفرنسية برهان غليون، لالتقاط الصور التذكارية مع جبهة النصرة باعتبارها الحلم اليساري، لليساري صاحب كتاب "نقد السياسية.. الدولة والدين"، وقد اتبعه يساريون أقل شأناً من حجم ميشيل كيلو أو جورج صبرا، وكلاهما صفقا لتدينها في مصر وأسلمتها في تونس، واجتياح شيوخها لسوريا، ومع هؤلاء، وئدت "الثورة"، وبتعبير أدّق "خيال الثورة"، واندلقت الثورات إلى مؤتمرات.. تمويلات.. صفقات، ورهانات على خارج لن يعمل سوى لمصلحة الخارج، ويقولون لنا إن الله خلق السماء والأرض في سبعة أيام، وما علينا سوى الصبر وانتظار اليوم السابع، فالخلق لا يتحقق بإزالة الوقت، أو برمشة العين، ونعلم ذلك، ونتفق على ذلك، ونردد مع المفكّر الفرنسي بوالو :"اللحظة التي أعيشها الآن بعيدة عني".

 

نردد ذلك نعم، فأن تتعثر الثورات أو تتعسكر، فليس هذا مدعاة للصراخ باندثارها، غير أن السؤال اللاحق:

 

  • ــ ما الذي أبقوه لها كي لا تبتعد اللحظة (البعيدة عني)، إلى مسافات لن تطالها يدي ولا خيالي؟
  •  

هو السؤال الذي لا نعرف من إجابته سوى أن مثل هؤلاء لا ينصرون ثورة، ولا يبقون على دولة، ولم يتبق سوى الصفحات السود: (تفريغ المدن من سكّانها، تعديل هوياتها الديمغرافية، استعادة تقاليد الثأر، والاستغراق في أدغال التاريخ)، ولا نعلم بعدها هل هي تراجيديا، أم هي نكتة، وإذا ما كانت نكتة، هل نجهش بالبكاء أم نجهش بالضحك؟

 

  • ــ إنها ميثولوجيا البكاء، واليوم، في وقت متأخر من اليوم، قالها لي محمد ملص:
  •  
  • ــ هل كان لنا أن نتناثر على حواف هذا البلد "المكيدة"؟
  •  
  • ــ مشكلته أنه لا يبكي، يقولها لي محمد ملص وقد تلألأت فيه دمعة من يوسف عبدلكي ودمعتان من الطيب تيزيني.. لم يكن يعلم وهو يحكي أنه حطّني في أعالي الدموع.. في مرتفعات البكاء الشاهقة.
     
  •  - أنا مثلك يا صديقي.. حان لنا أن نبكي.

.

.

اقرأ المزيد للكاتب..

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard