info@suwar-magazine.org

المرأة في سوريا بين تناقضات القوانين والدساتير

المرأة في سوريا بين تناقضات القوانين والدساتير
Whatsapp
Facebook Share

 

 

نصّت كلّ الدساتير السوريّة المتعاقبة على الحقوق التي يجب أن تتمتّع بها المرأة السوريّة، من المبدأ القائم على تساوي الأشخاص أمام القانون دون التمييز بينهم من حيث الجنس.

 

ومسؤوليّة الدولة في توفير جميع الفرص للمرأة و التي تتيح لها المساهمة الفعّالة والكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطوّرها ومشاركتها في بناء المجتمع .

 

أوّلاً: المرأة في دساتير مختلفة

 

الدستور السوريّ للعام 1952: هو أوّل دستور رئاسي في سوريا، شبيه بالدستور المعمول به في الولايات المتّحدة الأميريكيّة، وقد مارست المرأة السوريّة حقّها في الاستفتاء على هذا الدستور الذي جرى في 10 تموز 1952، في عهد الرئيس أديب الشيشكلي.

 

 

وقد أكّد هذا الدستور على أهمّية دور المرأة، وتوفير الفرص لها لتكون مساهمتها فعّالة في المجتمع، في معظم النواحي.

 

الدستور السوريّ للعام 2014: أكّد هذا الدستور على أهمّية الزواج والتشجيع عليه، وسعي الدولة لإزالة العقبات المادّية والاجتماعية التي تعوقه، والعمل على حماية الأمومة والطفولة، كما أكّد في المادة 23 منه على دور الدولة في توفير جميع الفرص للمرأة، والتي تتيح لها المساهمة الفعّالة والكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطوّرها ومشاركتها في بناء المجتمع.

 

 

مسوّدة مشروع الدستور السوريّ المقدّمة من روسيا خلال اجتماعات أستانا: توسّع هذا المشروع للدستور في إعطاء المرأة مساحة أكبر؛ ليكون لها فاعليّتها في مختلف المجالات:

 

فأكّد في الفقرة الخامسة من المادّة الثانية عشرة منه على وجوب قيام الدولة بتوفير كافّة الإمكانيّات للمرأة لتتمكّن من المساهمة الفعّالة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعمل على إزالة العوائق أمام تنمية المرأة ومشاركتها في بناء المجتمع.

 

كما حظر، وأخضع للملاحقة القانونية كل من يقوم بالاتّجار بالنساء، وأعطى المرأة في الفصل الثاني من المادّة التاسعة عشرة حقّ المشاركة في شؤون الدولة، والتمتّع بالحقوق السياسية بما فيها حقّ التصويت والانتخاب والترشّح، بالتساوي مع الرجل .

 

ميثاق العقد الاجتماعي للإدارة الذاتيّة لمقاطعة الجزيرة – سوريا، والذي تمّت المصادقة عليه في 6 كانون الثاني / يناير 2014: ركّز الميثاق في مقدّمته على حقوق المرأة بشكل عامّ، وأعطاها الحقّ في ممارسة الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وكافّة مجالات الحياة .

 

كما أعطى العقد للمرأة في مادّته الـ 28 الحقّ في تنظيم نفسها وإزالة كل أشكال التفرقة على أساس الجنس، وأعطاها في المادّة 65، نسبة لا تقلّ عن 40% في التمثيل في كافّة مؤسّسات المجلس القضائيّ، ونسبة 40% في التمثيل في كافّة المؤسّسات والإدارات .

 

ثانياً: التناقض بين الدستور والقوانين من الناحية الإجرائيّة والاجتماعيّة :

 

ينصّ الدستور على أنّ "الدولة تكفل للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعّالة والكاملة في الحياة السياسية، والاجتماعية، والثقافية والاقتصادية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطوّرها ومشاركتها في بناء المجتمع العربيّ الاشتراكيّ .

 

هذا فيما يتعلّق بالدستور، ولكن، وفي الجانب الآخر، فإن القانون السوريّ يتناقض كلّيّاً مع الكثير من المبادئ الدستوريّة وخاصّة قانون الأحوال الشخصيّة وبعض موادّ قانون العقوبات وقانون الجنسيّة وغيرها.

 

فهناك الكثير من المعوّقات التي تعترض الوصول إلى إنصاف المرأة في الدستور السوريّ، و هذه المعوّقات سياسية، وقانونية، واجتماعية واقتصادية، لا يمكن الفصل بينها كونها متداخلة ومترابطة.


وهناك الكثير من الأفكار التي طُرحت سابقاً لتطوير قانون الأحوال الشخصية السوريّ الصادر بالمرسوم التشريعي 59 عام 1963، وكيفيّة ضمّه إلى القانون المدنيّ وتعديله، بحيث يضمن إنصاف المرأة فيما خصّ حقوقها .

 

فأعطى قانون الأحوال الشخصيّة الصادر عام 1963، الحقّ للرجل في بعض الأمور بشكل منفرد ومطلق، دون أن يعطي تلك الحقوق للمرأة، كالطلاق بشكل منفرد .

 

أيضاً قانون الجنسيّة الصادر بالمرسوم التشريعيّ 276 لعام 1969، ينطوي على تمييز ضدّ المرأة على مستويين، الأوّل هو على مستوى التمييز بسبب الجنس، والثاني بسبب الانتماء القوميّ أو العرقي، وبالتالي يمكن القول إنه قانون غير دستوريّ؛ لأنه يتناقض مع أبسط المبادئ التي نصّ عليها الدستور السوريّ .

 

ومن ناحية ثانية، هناك  التمييز القاسي في حقّ المرأة والمتمثّل بجرائم الشرف والتي تعرّف بأنها: (فعل جرمي يفضي إلى الموت، مبرّر ومسبغ عليه مشروعية قانونية تحت دعوى غسل العار)، والقانون السوريّ لم يطلق اسم جرائم الشرف على هذا النوع، ولكنه حصرها بجرائم الاعتداء على العرض وأوردها في الباب السابع من القانون وهي المواد من 489 حتى 507، وكلّها جرائم تتعلّق بالاغتصاب والخطف والفحشاء والإغواء وهتك العرض وخرق حرمة الأماكن الخاصة بالنساء، والجرائم المقصودة هنا هي جرائم الإيذاء المقترفة بدافع الشرف. حيث نصّت المادة 548 من قانون العقوبات السوريّ على ما يلي:

 

"يستفيد من العذر المحلّ من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو قتل أو إيذاء أحدهما بغير قصد"، فيما تنصّ الفقرة الثانية "يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفّف إن فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع شخص آخر، فهنا ترك القانون للشخص المرتكب لهذه الجريمة تقدير حدود هذه الريبة التي تؤدّي إلى إرتكاب الجريمة، وتلك جريمة بحدّ ذاتها تدلّ على الضعف في القانون .

 

ثالثاً: المرأة السوريّة واتّفاقية القضاء على كافة أشكال العنف ضدّ المرأة " سيداو " .

 

بعد سنوات عديدة من المطالبة المستمرّة من قبل النساء وأنصارهنّ بتوقيع سوريا على اتّفاقية سيداو، صدر المرسوم التشريعيّ الذي حمل الرقم 330 بتاريخ 26 أيلول / سبتمبر2002 ليعلن انضمام سوريا إلى هذه الاتّفاقيّة، دون أن تتاح الفرصة للنساء كي تكتمل فرحتهنّ، فقد أتت التحفّظات، التي وضعتها سوريا على هذه الاتّفاقية، لتلغي أيّ أمل للنساء في سوريا بالاستفادة من هذه الاتّفاقية في تحسين أوضاعهنّ، خاصّة على الصعيد القانونيّ.

 

 يرد في المقدّمة: إنّ الدول التي  تصادق عليها ملزمة ليس فقط بشجب جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، وإنما باتّخاذ الإجراءات المختلفة للقضاء على هذا التمييز، وأن عليها كذلك تجسيد مبدأ المساواة في دساتيرها الوطنيّة أو قوانينها الأخرى، وتبنّي التدابير التشريعية بما في ذلك الجزائية منها، والامتناع عن الاضطلاع بأيّ عمل أو ممارسة تمييزية ضدّ المرأة، وكفالة تصرّف السلطات والمؤسّسات العامّة بما يتّفق وهذا الالتزام، واتّخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضدّ المرأة من جانب أيّ شخص أو منظّمة أو مؤسّسة، والعمل على تغيير الأنظمة والأعراف والممارسات القائمة والتي تشكّل تمييزاً ضدّ المرأة .

 

التحفّظات التي أبدتها الحكومة السوريّة على بنود اتّفاقيّة سيداو :

 

المادّة رقم (2) والتي ضمّت خمس فقرات نصّت في مجملها على إلغاء أيّ تمييز دستوريّ أو قانونيّ أو تشريعيّ قد يكرّس أيّ ممارسة تمييزية ضدّ المرأة.

 

المادّة (9) الفقرة الثانية :

 

" تمنح الدول الأطراف المرأة حقّاً مساوياً لحقّ الرجل فيما يتعلّق بجنسيّة أطفالهما "

 

والتي تتعارض مع قانون الجنسيّة لدينا القائم على حقّ الدم والإقليم فيما يتعلّق بمنح الجنسية والذي حصره القانون لدينا بدم الرجل السوريّ فقط .

 

المادّة (15) الفقرة الرابعة:

 

والتي تمّ التحفّظ عليها لأنها تسمح للمرأة باختيار محلّ سكنها وإقامتها على حدّ سواء مع الرجل ، بعكس ما يسمح به شرعنا وقوانيننا التي كرّستها المادّة (70) ضمن قانون الأحوال الشخصيّة، وكذلك أعرافنا الاجتماعية التي تعتبر المرأة تابعاً وظلّاً للرجل، وتأتي دائماً في المرتبة الثانية بعد الرجل .

 

المادّة (16) الفقرات (ج- د - و- ز)

 

والتي أكّدت على المساواة بكل ما يتعلّق بالحقوق والمسؤوليّات في الولاية والقوامة والوصاية على الطفل وكذلك في الحقّ في اختيار اسم الأسرة .

 

والبند الثاني منها المتعلّق بخطوبة الطفل أو زواجه وذلك لتحديد سنّ أدنى للزواج.

 

المادّة (11) الفقرة (ا) والتي نصّت على :

 

"الحقّ في العمل بوصفه حقّاً ثابتاً لجميع البشر"

 

هنا العمل حقّ لكلا الطرفين، بينما في قانون الأحوال الشخصيّة، عمل المرأة هو حقّ للزوج الذي يقرّره لزوجته فيما إذا رغب لها بالعمل أم لا، وفي حال مخالفتها لرأيه في عملها تعتبر امرأة ناشزاً.

 

 

المادّة (13) التي دعت إلى القضاء على التمييز ضدّ المرأة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وخاصّة الفقرة (ا) من المادّة التي أكّدت على الحقّ في الاستحقاقات العائليّة، وخير مثال على التزامنا ببند هذه المادّة.. هو قسائم المازوت التي تجاوزت النساء على اختلاف ظروفهنّ الاجتماعية والاقتصادية من قسائم الدعم، ليشتروا ثمن تدفئتهم بعيداً عن أي دعم من الدولة والمجتمع، فقط لأنهنّ لا يعشنَ في كنف رجل.

 

ورغم التصديق على هذه الاتّفاقية إلا أن هذه التحفّظات أفرغتها من مضمونها من جهة، ومن جهة ثانية لم يتمّ تطبيق بقيّة بنود الاتّفاقية التي لم يتمّ التحفّظ عليها .

 

إذاً: تستمرّ معاناة المرأة السوريّة من جرّاء الكثير من الإجراءات التمييزية المتكرّرة ضدّها على عدّة أصعدة في المجتمع، والقانون، والصحّة، وحتى ضمن الأسرة وفي التعامل الشخصيّ معها. أصبح بحاجة إلى إيجاد حلول تنصفها ممّا يحول ضدّ تطوّرها وتطوّر المجتمع.

 

ودائماً كانت القوانين تخالف عند تطبيقها ما تنصّ عليه الدساتير فيما يتعلّق بالحقوق الخاصّة بالمرأة والمساواة بينها وبين الرجل.

.

.

اقرأ المزيد للكاتب ..

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard