نحن مواطنو سوق إسرائيل
*نبيل الملحم
لا أريد لها التقسيم، لا لتكون وطناً واحداً، بحكومة واحدة، وزعيم أوحد، ومصرف وإمام وعَلم واحد.. لا، لا أريده (التقسيم) لأنه غير ممكن، وإذا كان ممكناً، فليس بإمكانه أن يكون سوى على جثث لا تنتهي، في حروب لن تنتهي، بين بشر منتهين.
حدث تسويق الغباء، فائض الغباء، وحدث تسويق الكراهية، ففاضات الكراهية علينا وفينا، وحدث أن انقسمت البلاد إلى عقائد تتحرك داخل الزلزال، لإحداث زلازل جديدة، وكانت الزلازل تتوالد، وسيطول توالدها، وقلّما يصغي أحد للسؤال:
- ــ لماذا كان ما كان؟
لأن القنوط حق إنساني، فالقائد (الأوحد)، المجلّل بحق امتلاك لسانك وقلبك ومدّخراتك، قد أطال مكوثه فوق مصيرك حتى بات مصيرك يشبهه.. خليط من الهذيان، خلائط من الهابطين من السماء، فغدا بخلائطه واحداً من نصوص الله، فيما لصوصه يمضون في تكفينك حتى إماتتك ما بعد الموت.
- *هذا صحيح.
غير أنه ليس وحده الصحيح، فمن دفع النار إلى ستائر منازلنا، ليس هذا وحده.. وليس فينا وحدنا، فالعراقي، والليبي، واليمني، وكذا المصري، كلّهم في القاعات المحترقة، وحين تتفجر الأسرار، سنعلم علم اليقين أن النيران ستطال الربع الخالي حيث النفط والمضائق والمظلات النووية التي نفتح صدورنا مرحبين بها، ولا تستبعدوا ذلك الكلام الذي نسيناه:
- *إنه الهيكل الثالث، ذاك الذي لن يتسع لخيول نبوخذ نصر، المحمي برموش العين وبالنظام الإقليمي.
كان علينا أن نتذكر ما نسيناه، وأعني تلك اللحظة التي تضع فيها إسرائيل يدها على العرب، كل العرب، ولن يكون سوى بالتمزيق، وصولاً حتى إلى تمزيق الجثث.
فليكن التقسيم، إذا كان التقسيم ممكناً، غير أن الممكن فيه مستحيل، وانظروا إلى الخريطة السورية، واسألوا من فيها سيرث من؟ ومن فيها سيقتطع لحم من؟
سيكون التقسيم ممكناً، نعم، حين نعلن مجتمعين:
- *نحن مواطنو سوق إسرائيل.
زقاق هنا، ومزرعة هناك، معصرة زيتون هنا، وحقل حشيش هناك، فندق هنا وعلى الضفة الثانية نبيع البنات.
ولن يكون لسلعتنا مكانها في السوق، فللإسرائيلي معصرة زيتونه وفندقه وحشيشة كيفه وقطعان من البنات، ولن نكون سوى البشر المنقرضين، أو أولئك الذين في طريقهم إلى الانقراض، ذكرى بشر، حملوا المجزرة فوق أكتافهم حتى اتخذوا في اللاحق من الزمن شكل القبور، وها نحن في نهائيات اللعبة.. نقول اللعبة، وهي لعبة إن شئتم، وهي لعبة لن يكون بمقدور أيّ منّا ما بعدها غسل يديه من الدماء، والأيام القليلة القادمة ستكون الساطور الذي يفصل الوقائع عن الخيال، ويومها ستكون ضحكاتنا البلهاء والساخرة.. سنكون عراقاً جديداً بنكهة صومالية:
- إنزال تركي في مكان.
- إنزال أمريكي في مكان.
- والإنزاليون.. الإيراني والروسي، جاهزان للبيع والشراء.
والكل يشتغل عند الإسرائيلي، في بلاد سنعلن وبالصوت الملآن:
- لم تعد هذه البلاد بلادنا.
سارين خان شيخون سيكون راية الانطلاق.. ومنها سيكون انهيار الأنظمة (المقدّسة)، (الأبدية)، أنظمة (القائد الخالد)، والجزمة مرتفعة الساق، نحو (اللا):
- اللا أنظمة، واللا بلاد، واللا مواطن سواه ذاك القابع في السفارات في حضرة السلاطين، تحت الثريّات المضاءة أو في أندية القمار.
لن يكون لنا شموع لتضاء، لن نكون من عشب الأرض، ولا من صخوره.
و... لن يكون التقسيم، واقرأوا الخريطة كما عليكم أن تقرأوا.
سنخرج من سطوة الجلاّد إلى سطوة المستحيل.
سيكون لنا عباءة امرئ القيس (قفا نبكي...)..
سنعلّقها فوق زقاق ما، من دولة إسرائيل.
و.. سنبكي، هذا بما تبقّى من الدموع.
.
.