بين أنياب المنفى والحرب.. المرأة السورية تصنع الأمل!
*وسن غزالي
فرضت المأساة السورية المستمرة التي أوشكت على دخول عامها السابع نفسها على السوريين حيثما وجدوا، وطال تأثيرها كل المدن السورية بدرجاتٍ متفاوتة؛ ومع اشتداد قصف النظام على مناطق تمركز المعارضة وتفاقم الأزمات الإنسانية والحياتية في الداخل السوري، أجبر الكثيرون على مغادرة بيوتهم ومدنهم حفاظاً على سلامة أسرهم.. وقد أدّت هذه الظروف مجتمعة إلى أن تدفع المرأة السورية أُمّاً كانت أو زوجةً، ضريبة مضاعفة متمثلةً بغياب الزوج بين معتقلٍ وشهيد أو معاق مع فقدان الشعور بالأمان والاستقرار!. إضافة إلى كافة أشكال القهر والمعاناة، قررت الكثيرات ترك بيوتهنّ والانتقال الى أماكن أكثر أمناً داخل سوريا، بينما فضلت أخريات اللجوء إلى دول الجوار بحثاً عن ظروفٍ حياتية أفضل لهن ولأسرهن، فخاضت المرأة السورية تجربة النزوح القاسية في ظروف معيشية قاهرة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الكريمة.
في رحلة النزوح القسري داخل وخارج سوريا تتشابه الظروف حيناًً وتختلف أحياناً أخرى؛ فالنساء والأطفال وكبار السن هم النسبة الأكبر من النازحين، حيث إن أسرة من كل أربع أسر تخوض فيها المرأة بمفردها تجربة النزوح حسب التقرير الذي أصدرته المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في تموز 2014 بعنوان (نساء بمفردهن، صراع اللاجئات السوريات من أجل البقاء) الذي سلط الضوء على المعاناة اليومية للنساء السوريات من أجل تأمين الاحتياجات الأساسية لهنً ولأسرهن.
إن هذا الظرف الجديد جعل المرأة تقف في مواجهة مباشرة مع مصاعب الحياة ومتطلباتها في بلد غريب عنها، بدءاً من تأمين مكان الإقامة ومستلزماته، وصولاً إلى الطعام والشراب.. مما جعلها في كثير من الأحيان عرضة للمساومات اللا أخلاقية مقابل تلبية بعض الاحتياجات. فتأمين الدخل المادي هو التحدي الأول والأصعب، خاصة للنساء غير المتعلمات القادمات من بيئات بسيطة محافظة؛ وفي رحلة بحثها عن مصادر دخلٍ تساهم في تأمين مستلزمات الحياة، لجأت النسوة لأعمال الخياطة والحياكة والتطريز وغير ذلك من الأعمال اليدوية البسيطة، واعتمدت أخريات على تحضير الأطباق والحلويات السورية المُعدّة منزلياً مستفيدات من شهرة المطبخ السوري وتنوعه.. فعمدن إلى تسويق منتجاتهن عبر وسائل التواصل الاجتماعي من «فيسبوك وواتس آب» وأيضاً عن طريق المحلات والمطاعم مقابل نسبة من الأرباح.
كان العمل في تنظيف المنازل والمكاتب وغيرها من الخدمات المأجورة خياراً متاحاً دائماً لمن أغلقت في وجهها مجالات العمل الأخرى، وغالباً ما استغلت حاجة المرأة لهذا المردود المادي بدءاً من العمل لساعاتٍ طويلة مقابل أجرٍ زهيد وليس انتهاءً بتعرضهن للابتزاز وللتحرش اللفظي والجنسي.
يعد لبنان الدولة الأكثر إساءة في معاملة النازحات السوريات حيث لا تصنفن على أنهن لاجئات باعتبار أن لبنان ليس من الدول الموقعة على اتفاقية 1951 للاجئين، فيحرمن من حقوق اللجوء وحماية القوانين الخاصة به.. ويزداد الأمر سوءاً في ظل عدم امتلاك البعض لأوراق رسمية وتصاريح إقامة؛ ومع ارتفاع تكاليف المعيشة وإيجارات السكن، تصبح المرأة عرضة للابتزاز والاستغلال الماديً والجنسي من قبل أصحاب العمل ومالكي البيوت!، ويتعدى الأمر ذلك ليصل إلى بعض الجمعيات الخيرية التي تعطي هذه، وتحرم تلك لغايات محددة.
الوضع لا يختلف عن ذلك كثيراً في الأردن، حيث تشتكي اللاجئات السوريات من التحرش الجنسي ومن الصفقات التي تتم تحت ستار الزواج بين أولياء الأمور ورجالات أردنيين أو زوار خليجين مقابل مبالغ مالية ولفترات طويلة أو قصيرة الأمد. كما عادت ظاهرة زواج القاصرات إلى الانتشار بشكل واسع بسبب ظروف الحرب واللجوء.
في تركيا تأخذ القضية بُعداً آخرَ وتستغل حاجة الكثير من الفتيات السوريات للحماية وتجنّب الحاجة المادية عن طريق زواجهن من شبان أتراك دون أية اشتراطات أو حقوق، ولاسيما عقود الزواج المبرمة عند رجال الدين دون تسجيل رسمي في المحاكم، حيث يمنع القانون التركي الرجل من الجمع بين زوجتين، فتحرم المرأة السورية من حقوقها كزوجة كما تُحْرم من الإنجاب وتبقى رهينةً لتقلبات مزاج الزوج وأهوائه.
وفي محاولة تهدف للتخفيف من وطأة النزوح وأثره على المرأة أولاً وعلى أطفالها؛ كنتيجةٍ طبيعية قامت بعض المنظمات الدولية والمحلية المختصة بتنظيم دورات تدريبية في مختلف الاختصاصات لتمكين المراة ومساعدتها على التأقلم في هذه المجتمعات الجديدة وزيادة فرص حصولها على عمل. كما ساهمت «منظمة اليونيسيف» وغيرها بتمويل مشاريع صغيرة خاصة بالنساء لحمايتهن من الاستغلال.
على الرغم من أن نشاط هذه المنظمات بقي محدوداً ولم يستطع الوصول إلى كل النساء نظراً للعدد الكبير والانتشار الجغرافي الواسع، إلا أن هنالك نجاحاتٍ تم تحقيقها في هذا المجال داخلياً وخارجياً.
شكلت بعض المنظمات العاملة في الداخل السوري علامة فارقة في تمكين المرأة وتوعيتها حقوقياًً ومعرفياَ كمنظمة «سوريات من أجل التنمية» في ريف دمشق و«لجنة تمكين المرأة» في حلب و»النساء الآن» في معرة النعمان و«بارقة أمل» في إدلب.. وأسهمت إلى حدّ معقول في خلق فرص عمل للكثير من السيدات كمشاغل حياكة الصوف وخياطة الألبسة وتصفيف الشعر وغيرها، كما أنها رفعت من سويّة النساء المتعلمات عن طريق الدورات والورش التدريبية في مجال الكمبيوتر والصحافة وإدارة الأعمال على سبيل المثال لا الحصر.
بينما انتشرت في الدول التي استقبلت النازحين السوريين إضافة لما سبق ذكره ورش تجهيز أطعمة شعبيّة مثل «المكدوس والأجبان والألبان» إضافة إلى أصناف معيّنة من الحلويات كــ» المعمول وأقراص العجوة» وغيرها؛ حيث تقوم السيدات بمبادرات فردية أو برعاية بعض المنظمات بإعداد وتعليب هذه الأصناف تمهيداً لتسويقها.
إن المرأة السورية التي حملت جرحها ومضت في رحلتها إلى المجهول، مازالت تثبت كل يوم لنفسها وللعالم أجمع، أنها قادرة على العطاء والخلق حيثما وجدت رغم كل الظروف القاسية التي تواجهها وغياب العدالة التي لم تنصفها.