info@suwar-magazine.org

الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والتشريعات السورية

الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والتشريعات السورية
Whatsapp
Facebook Share

 

 

 

د. نائل جرجس

 
 

بعد أن عالجنا في مقال سابق منشور في مجلة صور المبادئ الدوليّة الناظمة للعلاقة بين الشّرعة الدوليّة لحقوق الإنسان والتشريعات الداخليّة للدول الأطراف، سنركّز في هذه السطور على مدى تأثير هذه الشرعة الدولية على التشريعات السورية. فإن لم تكن هذه التشريعات السورية مستقاة بشكل كامل من نصوص القانون الدولي، يجب أنّ يكون مضمونها منسجماً وغير متعارضٍ معه، وذلك بمقتضى الالتزام الناجم عن المصادقة على الاتفاقيات الدولية. فقد شاركت سوريا في الأعمال التحضيرية لإعداد المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وقد صوتت وصادقت على أغلبها بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948 والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان لعام 1966 واتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984 واتفاقية حقوق الطفل لعام 1989.

 

لا يعترف الدستور السوري الحالي لعام 2012، بسمو المواثيق الدولية المُصادَق عليها على القوانين الداخلية[1] . هذا وقد جعل المرسوم التشريعي رقم 3، الذي انضمت بموجبه سوريا إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في 1969، هذا العهد بمنزلة التشريع الداخلي. هذا وقد أقرّت الغرفة المدنية في محكمة النقض السورية في أحد قراراتها بأنّ «المحاكم الوطنية لا تطبق المعاهدات تأسيساً على أن الدولة قد التزمت دولياً بتطبيقها، وإنما باعتبارها أصبحت جزءاً من قوانين الدولة الداخلية. وإذا وجد تعارض بين أحكام المعاهدة وأحكام قانون داخلي، فإن على المحكمة الوطنية أن تطبق أحكام المعاهدة الدولية مرجحة حكمها على القانون الداخلي»[2] . لكنّ اعتبار المعاهدة الدولية بمثابة القانون الداخلي أمر غير كافٍ حيث تسمو في هذه الحالة فقط على القوانين السابقة لإقرارها أمّا القوانين اللاحقة؛ فتلغي بنودها عند التعارض بينهما. فتُعدُّ القوانين الصادرة بعد تاريخ إقرار المعاهدات والمتعارضة معها مبرراً لاستبعادها بمقتضى المبدأ القانوني القائل بأنّ أحكام القوانين اللاحقة تلغي القوانين السابقة في حال التعارض بينهما .[3]

 

مع ذلك توجد بعض القوانين السورية التي يُشار فيها صراحة إلى مسألة العلاقة مع المنظومة الدولية كما هو حال القانون المدني السوري الذي تنصّ مادته 25 على عدم سريان أحكام المواد السابقة أوالمخالفة لمعاهدة دولية نافذة في سوريا، إضافة إلى أن قانون أصول المحاكمات المدنية رقم 1 لعام 2016 الذي نصّ في المادة 313 منه على أن: «العمل في القواعد المتقدمة لا يخل بأحكام المعاهدات المعقودة والتي تعقد بين سورية وغيرها من الدول في هذا الشأن»[4].

 

بالإضافة لعدم الوضوح في مبدأ سمو القانون الدولي على الداخلي في سوريا، تخلو التشريعات الداخلية من العديد من الحقوق والحريات المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية. فنذكر على سبيل المثال بعض الفقرات الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كحماية المنتمين إلى أقليات (المادة 27)، وحرّيّة الشخص في أن يدين بدين أو معتقد ما أو اعتناقه دون قيود )المادّة 18)، حقّ المساواة أمام القضاء )المادة 14)، إضافة إلى المساواة بين الزوجين من حيث الحقوق والمسؤوليات في الاقتران وخلال الزواج وعند الطلاق )المادة 23). كما تخلو هذه التشريعات من ضمانات واضحة تتعلق باحترام مبدأ فصل السلطات وترسيخ مبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد وتداول السلطة وحرية التعبير واستقلالية القضاء. يُضاف إلى ذلك التنصيص صراحة في العديد من نصوص القوانين السورية على التمييز بين المرأة والرجل والمسلم وغير المسلم، لاسيما في قانون الأحوال الشخصية السوري[5]، وذلك في انتهاك لبعض بنود الشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي تحظر التمييز على أساس الجنس والدين.

 

وأخيراً تجدر الإشارة بأنّ تطابق بعض نصوص القوانين الداخلية مع أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان لا يجوز أنّ يُفسّر على أنه احترام لمثل هذه الحقوق على أرض الواقع. فانتهاك بنود القانون الدولي، بما فيه حقوق الانسان، ينتج بشكل أساسي عن غياب عنصر حسن النية والإرادة السياسية لدى النظام الحاكم في سوريا.



- يكتفي الدستور السوري بالتطرق في مواده إلى صلاحية مختلف الأجهزة الحكومية في المصادقة وإقرار المعاهدات. انظر المواد 71 و 104 من دستور عام 1971 والمواد 75 و 107 من الدستور الحالي لعام 2012.
- قرار رقم 366/1905، تاريخ 21 كانون الأول/ديسمبر 1980 منشور في مجلة «المحامون» ص 305 لعام 1981. انظر التقرير الدوري الثالث، الجمهورية العربية السورية، اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، CCPR/C/SYR/2004/3، 5 تموز/يوليو 2004، الفقرة 39. كما تؤكّد الحكومة السورية، كغيرها من الحكومات العربية، باستمرار على مبدأ سمو القانون الدولي على القانون الداخلي أمام لجان حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، كما أقرّه صراحة وزير العدل السوري، في الرابع من أيار/مايو 2010، أثناء الجلسة 44 للجنة مناهضة التعذيب. ومع ذلك ينبغي التشكيك بالمصداقية وبعنصر حسن نية في التطبيق على المستوى المحلي، ولاسيما في ظلّ الانتهاكات واسعة النطاق التي يرتكبها النظام السوري.


- جاء في المادة الثانية من القانون المدني السوري رقم 84 بتاريخ 18/5/1949 على أنه: «لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحةً على هذا الإلغاء، أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم، أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع».

 

- وهذا النصّ مماثل تماماً لما جاء في المادة 311 من قانون أصول المحاكمات المدنية السابق والصادر بمقتضى المرسوم التشريعي رقم 84 بتاريخ 28/9/1953.

 

- الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 بتاريخ 7/9/1953.

 

 


[1]- يكتفي الدستور السوري بالتطرق في مواده إلى صلاحية مختلف الأجهزة الحكومية في المصادقة وإقرار المعاهدات. انظر المواد 71 و 104 من دستور عام 1971 والمواد 75 و 107 من الدستور الحالي لعام 2012.

 

[2]- قرار رقم 366/1905، تاريخ 21 كانون الأول/ديسمبر 1980 منشور في مجلة «المحامون» ص 305 لعام 1981. انظر التقرير الدوري الثالث، الجمهورية العربية السورية، اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، CCPR/C/SYR/2004/3، 5 تموز/يوليو 2004، الفقرة 39. كما تؤكّد الحكومة السورية، كغيرها من الحكومات العربية، باستمرار على مبدأ سمو القانون الدولي على القانون الداخلي أمام لجان حقوق النسان التابعة للأمم المتحدة، كما أقرّه صراحة وزير العدل السوري، في الرابع من أيار/مايو 2010، أثناء الجلسة 44 للجنة مناهضة التعذيب. ومع ذلك ينبغي التشكيك بالمصداقية وبعنصر حسن نية في التطبيق على المستوى المحلي، ولاسيما في ظلّ الانتهاكات واسعة النطاق التي يرتكبها النظام السوري.

 

[3]- جاء في المادة الثانية من القانون المدني السوري رقم 84 بتاريخ 18/5/1949 على أنه: «لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحةً على هذا الإلغاء، أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم، أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع».

 

[4]- وهذا النصّ مماثل تماماً لما جاء في المادة 311 من قانون أصول المحاكمات المدنية السابق والصادر بمقتضى المرسوم التشريعي رقم 84 بتاريخ 28/9/1953.

 

[5]- الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 بتاريخ 7/9/1953.

 

.

.

اقرأ المزيد للكاتب ..

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard