info@suwar-magazine.org

اقتصاد الإدارة الذاتيّة بـين ازدواجيّة القوانين والضّرائب

اقتصاد الإدارة الذاتيّة بـين ازدواجيّة القوانين والضّرائب
Whatsapp
Facebook Share

 

 

 

 15 ألف موظّفٍ يقبضون رواتب من الإدارة الذّاتيّة

 

*فريد إدوار

 

يبدو أن فصل الشتاء كان  طويلاً ومُتعباً بالنسبة إلى "مصطفى أمين" الموظف لدى إحدى مؤسّسات الإدارة الذاتية في منطقة الجزيرة السورية، /12/ يوماً مضت من هذا الشهر، ولمّا يزل "أمين" يحتاج إلى مبلغٍ إضافيٍّ  فوق راتبه لتأمين متطلّبات عائلته المؤلّفة من /6/ أفراد.

 

 فرغم الزّيادة الأخيرة بنسبةٍ تجاوزت 30% على الرّاتب الأساسي لجميع موظّفي الإدارة الذّاتيّة، إلا أن ما يتقاضاه هؤلاء؛ لا يتجاوز /50/ ألف ليرة سورية أي ما يعادل /100/ دولار شهرياً، ما قد يدفع بغالبيّة الأُسر التي تعتمد على مُعيلٍ واحد، إلى اتّباع سياسة تقشّفٍ تحرم أفرادها من الحصول على أبسط ما يحتاجونه.

 

 

مع ذلك يُقنع موظّف الإدارة الذّاتيّة نفسه بالرّاتب الذي يتقاضاه نهاية كل شهر، مقارنةً بباقي موظّفي الداخل السّوري الذي يشهد وضعاً اقتصادياً سيّئاً في ظل فقدان أغلب المواد الغذائيّة والمحروقات، فضلاً عن انعدام الأمن.

 

15 ألف موظّفٍ مدنيّ يقبضون رواتب شهريّة من الإدارة الذّاتيّة:

 

«يقبض كل موظّف مدنيّ وعسكريّ في الإدارة الذاتية ، شمال شرقي سوريا، راتباً يبلغ /39.200/ ليرة سورية كحدّ أدنى، ورفع سقف الرّواتب إلى /62/ ألف ليرة بعد الزّيادة الأخيرة» بحسب ما يقوله   "ريزان حسن" مدير دائرة الرّواتب في هيئة الماليّة بمقاطعة الجزيرة في حديثٍ لـ (صُوَر).

 

ويؤكّد أن «هيئة الماليّة تدفع نهاية كل شهر رواتب /15/ ألف موظّفٍ مدنيّ من جميع الفئات الوظيفيّة، بما فيه قطاع التربية والتعليم، باستثناء رواتب العسكريين».

 

تأخذ هيئة الشؤون الاجتماعية والعمل التابعة للإدارة الذّاتيّة، على عاتقها مسؤولية تأمين فرص العمل لأكبر عددٍ من طالبي التوظيف من مختلف الاختصاصات العلمية، «وبلغ عدد الموظّفين الذين تمّ تعيينهم عن طريق هيئة الشؤون /7231/ موظف منذ عام /2014-2016/ باستثناء قطاع التربية والتعليم» تقول "آهين حسين" رئيس قسم المشاريع في هيئة الشؤون الاجتماعية والعمل لـ (صُوَر).

 

وترى أن الهيئة «تأخذ بعين الاعتبار تخصيص شواغر لأبناء عوائل الشهداء وذوي الاحتياجات الخاصة، كل بحسب اختصاصه وقدرته على العمل».

 

الفقر والحاجة.. العنوان الأبرز لأبناء الجزيرة منذ 2011:

 

بعد دخولها العام السادس، تسبّبت الأزمة السورية التي بدأت 2011، بتراجع دخل الفرد إلى معدّلاتٍ قياسية، حيث تجاوز معدّل التّضخّم إلى أكثر من 550% في معظم المدن السوريّة، إلا أن مناطق (التي تُديرها الإدارة الذاتية) كانت الأكثر تضرّراً، بعد أن بلغت نسبة التّضخّم معدّلات قياسية فاقت نظيراتها في العمق السوري.

 

 

حيث يعتبر "خورشيد عليكا" الباحث الاقتصادي وعضو جمعية الاقتصاديين الكرد- سوريا في حديثٍ لـ (صُوَر)، أن ذلك كله ناتجٌ عن «الحصار الذي تتعرّض له المنطقة الكُردية من قِبل النظام السوري وداعش وتركيا والفصائل المُسلّحة، إلى جانب  الضرائب التي تفرضها تلك الأطراف على السلع والخدمات التي تصل إلى المنطقة، فضلاً عن  الضرائب التي تفرضها الإدارة الذاتية على التّجار الذين يُدخِلون السلع والخدمات إلى المنطقة».

 

ويعتقد "عليكا" أن دخل الفرد «وصل إلى مستوياتٍ مُتدنّية مع ارتفاعٍ في الأسعار وتوقّف عجلة الإنتاج والصادرات وتدمير البنية التّحتيّة والاقتصاد، وأن نسبة الفقراء في المنطقة الكردية في زيادة وأن أكثر من 80 % من الشعب يعاني الفقر أو بحاجةٍ إلى مساعداتٍ لتأمين حياةٍ كريمة».

 

ويؤكّد أن «العائلة الواحدة المؤلّفة من خمسة أشخاص؛  تحصل وسطياً  على مبلغ /40/ ألف ليرة سورية أي بحدود /78/ دولاراً، وهذا المبلغ يُغطّي نفقات العائلة لأقل من أسبوع، علماً أنه من المفترض أن تحصل  العائلة الواحدة على /226/ ألف ليرة أي ما يعادل تقريباً /450/ دولاراً للعيش بشكلٍ لائق».

 

الإدارة الذاتية أيضاً تعترف بتدنّي مستوى رواتب موظّفيها:

 

يشتكي غالبية موظّفي مؤسّسات الإدارة الذاتية، التي أعلنتها حركة المجتمع الديمقراطي في 21 يناير كانون الثاني 2014 في مناطق شمال شرقي سوريا مع عدة أحزاب وتنظيمات شبابية من مختلف المكوّنات، من تدنّي الرواتب وعدم تناسبها مع القدرة الشّرائية التي أفرزها تدهور قيمة الليرة السورية مقابل الدولار.

 

 

حيث يُبدي "عبد الكريم صاروخان" رئيس المجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية بمقاطعة الجزيرة في حديثٍ لـ (صُوَر)، «عدم رضاه عن حجم الراتب الوظيفي، ويعتبر أن ذلك المبلغ الممنوح لكل موظّف؛ عبارة عن مساعدة لا راتبٍ، لأنه لا يتناسب مع متطلّبات الحياة اليومية».

 

مع ذلك لا يغفل "صاروخان" عن مسألة زيادة تلك الرواتب إلى مستويات عالية في المستقبل، لكن من وجهة نظره فإن «الموضوع مرتبطٌ بتحسّن الوضع الاقتصادي من خلال فتح المعابر وفتح المجال أمام التجارة الحرّة، وقدرة الإدارة الذاتية على تصدير منتجاتها من الزراعة والنفط».

 

الإدارة الذاتية ستزيد عائداتها المالية من خلال ضرائب جديدة:

 

أقرّت الإدارة الذاتية في مقاطعة الجزيرة ميزانيّتها السنوية لعام 2015 بقيمة /2/ مليار و/700/ مليون ليرة سورية ومثلها في عام 2016، حيث تعتمد على عائداتها من مصادر عدّة، أبرزها النفط والغاز، والمحاصيل الزراعية، سواء تلك التي يزرعها أبناء المنطقة، أو من خلال استثمار الإدارة أراضيَ زراعية كانت في السابق تحت سيطرة الحكومة السورية، إلى جانب الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع التي تدخل أراضي الجزيرة من إقليم كردستان العراق.

 

 

ويوضح رئيس المجلس التنفيذي في مقاطعة الجزيرة لـ (صُوَر)، أن الإدارة الذاتية «ستُحدّد ضرائب مختلفة في السنة الجديدة 2017 تكون بمثابة عائدات مالية لها، مثل ضريبة الدخل المحدود، ضرائب على مكاتب الصّرافة والحوالات، رسوم البلديات».

 

بيع النفط للخارج أفضل دعمٍ اقتصادي للإدارة.. والأخيرة تنفي:

 

                     تجني حكومة الإدارة الذاتية مبلغاً مالياً يفوق /5/ ملايين دولار كل شهر، جرّاء بيع النّفط الخام من الحقول التي تُسيطر عليها شمال شرقي البلاد، بواسطة أنابيب تمتد من "الرّميلان" إلى مصفاة "عليوكا" في منطقة "زمار" بأقليم كُردستان ومنها إلى "فيشخابور" ثم إلى ميناء "جيهان" التركي، بحسب تقارير إخبارية سابقة.

 

                     لكن مصادر سورية رسمية كانت قد أكّدت في وقتٍ سابق، أن عمليات بيع البترول للخارج؛ توقّفت نهائيّاّ بعد  توقّف الإنتاج منذ سيطرة وحدات حماية الشعب على حقول (الرّميلان) بموجب اتّفاقٍ مُسبق بينها وبين مديرية النّفط بالحسكة التابعة لوزارة النّفط السورية، حول حماية تلك الآبار، مع اقتراب خطر المجموعات المُسلّحة بعد سيطرتها على بلدة "تل كوجر" و"تل حميس" وريفهما ربيع 2013.

 

                     وهو ما ينفيه "صاروخان" أيضاً، ويؤكّد على عدم وجود سوقٍ خارجية لصرف إنتاج النفط، وأن الكمّية المُستخرجة يتمّ استهلاكها محلّياً، مع وجود نقصٍ في تلبية حاجة السوق المحلية خلال فصل الشتاء.

 

الإدارة الكُردية تشجّع التجارة على أراضيها.. وأصحاب الشركات يشكون الاحتكار

 

يمارس في مناطق الجزيرة نحو /3500/ شخص النشاط التجاري بين مناطق الإدارة الذاتية وإقليم كُردستان العراق، يُضاف إليهم أيضاً /52/ شركة تجارية، وذلك بموجب رخصةٍ تمنحها رسمياً هيئة الاقتصاد التابعة لمقاطعة الجزيرة (مدن وبلدات محافظة الحسكة).

 

وبالرغم من ذلك؛ فإن تجارة بعض المواد مثل (السكر، الحديد، الإسمنت، المواد الطبية، قطع تبديل السيارات.. وغيرها)،  التي تدخل من إقليم كُردستان؛ تكون حكراً لبعض التّجار والشّركات دون غيرهم، فضلاً عن الضرائب التي يفرضها الطرفان والتي تُجبر المستوردين على رفع أسعار تلك البضائع.

 

«شركة (هَفْكرتِن) التّجارية وهي اتّحاد مجموعة شركات مُقرّبة من الإدارة الذاتية، تأخذ على عاتقها مهمّة منع احتكار باقي الشركات والتّجار المواد الأساسية المستوردة من إقليم كُردستان»، هكذا يُعرّفها "ديروك ملا بشير" نائب الرئاسة المشتركة لهيئة الاقتصاد في مقاطعة الجزيرة في حديثٍ لـ (صُوَر).

 

ويعتبر "ملا بشير" أن الفضل يعود لتلك الشركة المُتّحدة خلال أزمة مادّة السكّر، بعد أن وضعت يدها على جميع الكميات التي دخلت أراضي الجزيرة من إقليم كُردستان، ووزّعتها من خلال الكومينات (وهي لجانٌ محلّية تنشط في الأحياء السكنية) بأسعارٍ تلائم القدرة الشرائية للأُسر.

 

غير أن بعض التجّار ممّن رفضوا الكشف عن هويتهم خلال حديثهم لـ (صُوَر)، يعتبرون احتكار شركة (هفكرتن) لتلك البضائع بمثابة احتكارٍ من نوعٍ آخر، كونها تقضي على المنافسة بين الشركات المستوردة، وبالتالي تتحكّم في عمليات التوزيع.

 

نقطةٌ أخرى يُثيرها أصحاب الشركات التجارية، إذ يروْنَ أنه لا فرق بينهم وبين التجار من ناحية التسهيلات والامتيازات التي تُقدّمها الإدارة الذاتية، مع العلم أن رسوم وإجراءات الترخيص مختلفة بينهما.

 

 

ويُضيف هؤلاء «في أي دولة أو لدى أي حكومة ومنها الحكومة السورية، عند ترخيص أي شركة تجارية؛ يحصل أصحابها على بطاقة تاجر وسجل تجاري وصناعي وحساب مصرفي وجواز سفر تجاري  بشكلٍ تلقائي، أمّا لدى الإدارة الذاتية فالأمر مُغاير تماماً، لأن التاجر مضّطر لدفع الرسوم مرتين، مرة من أجل تسجيل الشركة ومرةً أخرى للحصول على بطاقة تاجر».

 

والأهمّ أن صاحب الشركة المُرخّصة لا يحقّ له إدخال البضائع من معبر "سيمالكا" الذي يفصل إقليم كردستان عن مناطق الجزيرة، دون امتلاكه بطاقة تاجر، وهو ما يعتبره أصحاب الشركات عقبة في طريق مزاولة نشاطهم التّجاري.

 

الطرف الكُردستاني أيضاً يساهم في احتكار البضائع لشركات محدّدة:

 

 

يفرض معبر "فِيشخابور" من جهة إقليم كُردستان العراق، ضرائب على جميع سيارات شحن البضائع التي تدخل الجانب السوري بقيمة /105/ دولار ات لكل شاحنة، وعدم السماح بإدخال أي منتجات إلا من قبل تجّارٍ تُحدّدهم إدارة المعبر، وفق ما يقوله "لقمان خليل" وهو تاجرٌ كرديّ سوري لـ (صُوَر).  

 

 

رغم هذا الاحتكار غير المباشر في عمليّات التّجارة من الطرف العراقي، إلا أن ذلك لا يُثير امتعاض الشركات التجارية المُرخّصة من جانب الإدارة الذاتية، بقدر ما تُثيرهم مسألة الضرائب التي تفرضها شركة "ستير كروب" الخاصة التابعة لشخصياتٍ من إقليم كُردستان.

 

فشركة "ستير كروب" تُجبر التّجار على دفع ضرائب إضافية غير الضريبة المفروضة من جانب إدارة معبر "فيشخابور"، وحدّدت قائمةً باسم المواد التابعة لها مع قيمة الضريبة المُستحقّة، إضافةً إلى الضريبة المُحدّدة على كل سيارة شحن. فالأدوية، المنظّفات، أجهزة الموبايل، الدخان، الزجاج، قطع تبديل السيارات، البلاستيك، الألبسة المستعملة، الأقمشة، العلف ومواد كثيرة أخرى، جميعها تخضع لرسومٍ جمركية تفرضها شركة "ستير كروب" بقيمةٍ نقدية تبدأ بـ /5/ دولارات للطن الواحد، وتنتهي بـ /800/ دولار للطن.

 

هيئة الاقتصاد: لا ضرائب باهظة على البضائع المستوردة للجزيرة

 

يؤكّد "ديروك ملا بشير" نائب الرئاسة المشتركة لهيئة الاقتصاد في مقاطعة الجزيرة في حديثٍ لـ  (صُوَر)، أنه لا رسوم جمركيّة باهظة على المواد التي تدخل مناطق الإدارة الذاتية، ويرى أن نسبة تلك الرسوم ضئيلة جداً بالمقارنة مع الضريبة التي يفرضها الجانب العراقيّ.

 

بالمقابل يعتبر "خورشيد عليكا" الباحث الاقتصادي في حديثٍ لـ (صُوَر)، أن الإدارة الذاتية تلعب دوراً سلبياً ولا تُساهم في تعزيز الثقة بينها وبين الشركات التجارية، فضلاً عن التّحكّم بالمعابر الحدوديّة  وفرض ضرائب كبيرة على المواد المستوردة ورفع الأسعار واحتكار بعض المواد الأساسيّة.

 

 

من وجهة  نظر "عليكا"، فإن المنطقة الكردية تحتاج لحلولٍ من شأنها دعم الجانب الاقتصادي لكل أبناء المنطقة، والمُتمثّلة بتخفيض معدل الضرائب المفروضة على السلع المستوردة، وتأمين مستلزمات العملية الإنتاجية للقِطَاع الزراعي من سماد ومبيدات زراعية بأسعارٍ مناسبة ودعم القِطَاع الزراعي، إلى جانب تأمين المحروقات بأسعارٍ مناسبة وتأمين فرص عمل حقيقيّة للراغبين من أجل زيادة العملية الإنتاجية، ومنع احتكار المواد الأساسية من جانب أشخاصٍ مُقرّبين من الإدارة الذاتية، وإعادة تشغيل قِطَاع النفط وآباره بطاقةٍ إنتاجية أعلى وتأمين سوق لتصريف النفط المنتج، ومحاولة إيجاد أسواق لتصريف منتجات المنطقة الكرديّة وخاصة المنتجات الزراعية في أسواق لدول مجاورة أو أسواق في العمق السوريّ.

.

.

اقرأ المزيد للكاتب ..

 

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard