أيها السادة.. لن نكون السادة
*نبيل الملحم
كان علينا أن نبحث عن المنجّمين ليكونوا نجوم وقتنا، على الأقل كي يبوحوا لنا بأسرار ما يحدث في عقولنا العارية، الثملة، وقد حملنا عصيّنا كالعميان ورحنا نبحث فوق الرصيف العربي متسولين إجابة عن سؤال عنوانه:
- ما الذي يحدث؟
بمنتهى السذاجة، وربما بمنتهى التهوّر، نسأل:
كيف تدار رؤوسنا الحافية، ونحن نحملها، فيما أجسادنا مازالت تتمدد في مضارب القبائل، ووسائد نوم مملوءة بأسئلتنا المؤجلة، وهي أسئلة كان عليها أن تنهض لا من اللحظة، حيث (الربيع العربي)، وحروب الطوائف، والشوارع التي استفاقت لتقول كلمتها، ثم أخذتها (كلمتها) إلى كلام آخر، ُسحِبَ كما البساط من تحتها، لتتحول :
"الحريات" إلى سواتر رمل، والهتافات إلى بنادق مشحونة بالسواطير، ورقصات الشباب إلى رقصات سكاكين؟ وكل الأحلام الصغيرة والكبيرة بدءاً من فرصة عمل في مخبز، وصولاً إلى شراكة في إدارة القرار الوطني إلى :"لعبة أمم"؟
كان علينا أن نسأل، لنطرد الهستيريا من حضورنا و (حضراتنا). ومادام الأمر كذلك، كان بالوسع ترتيب الأسئلة، بعدما باتت الفوضى وحدها، ووحدها دون شريك، هي بوصلتنا.
كان علينا إعادة ترتيب الأسئلة، كي نرتب معها شيئاً من مستلزمات (المستقبل) الذي سيبدو وكأنما هو:"هفوة في الزمن"، وربما ليس أكثر من لعبة اصطلاح لغوي تمليها الثرثرة.
مادام الأمر كذلك، بات لزاماً علينا أن نزيح اللغة، لتستوقفنا استحقاقات لم يعد بالوسع القفز فوقها، أو عليها، أو الرقص حولها.
- ما الذي يحدث اليوم، بدءاً من 2011، حيث (الثورات العربية) التي انطلقت من تونس (بو عزيزي)، إلى القاهرة (ميدان التحرير ومن ثم رابعة) إلى ليبيا والسقوط المدوّي للعقيد الذي حمل من الصفات ما يزيد على نياشين صدره، وقد أخذ معها شكل الدمية، إلى البحرين واليمن، وآخر المحطات، وربما أكثرها قابلية لتكون اللاعب واللعبة، دمشق، وقد باتت ملعباً ممتداً من صقيع موسكو، إلى الاسترخاء الأمريكي، فيما حاملات طائراتها تجوب المتوسط، مروراً بإيران (الملالي) وأنقرة أحلام السلطنة، وما بين اللاعبين، ثمة مساحة صغيرة، لم تسعفها الجغرافيا، ولم يعطها التاريخ منه ما يكفيها لتكون ذلك اللاعب الشاهق، وقد انتزعتهما (الجغرافيا والتاريخ) من أفواههما وباتت متكفلة بإدارتهما، ونعني هنا، بالاسم الصريح:
- إمارة قطر.
قطر الدور، أم قطر الوظيفة؟ قطر العائلة الطامحة، أم قطر المؤسسة المُحكَمة؟ قطر المؤقت في الوقت، أم قطر القاعدة الأمريكية؟ قطر المؤجلة وقد حان قطافها؟ أم قطر الحقيقة التي لا رادّ لها؟
اليوم تبدأ الأسئلة من جديد، ثمة ما انتهى من اللعبة.. من لسان القرضاوي، إلى آخر ابتكارات أزياء السيدة موزة، وبتنا في مكان آخر، لزمان قد يكون آخر، ومع كل زمان وكل مكان، سيكون لجماعة الإخوان ما يفيض عن أصابع الدماء نحو برك الدماء، حيث اللغات القاتلة تصفق للأيادي القاتلة.
.
.قطر وقد أغرقت سوريا في أدغال التاريخ، كان عليها أن تغرق الخليج في متاهات الخليج
هذا هو الدور.. ما يختصر بالسؤال:
قطر.. من أين إلى أين؟
ما بين (من) و (إلى)، متوالية من الأسئلة التي لن يجيب كلام عنها، ذلك أن كثيراً من أسرار اللعبة مازالت في الخزائن، والخزائن مازالت محكمة ريثما يأتي وقت فتحها، وعلى الغالب لن تفتح إلا في اللحظة المناسبة، حين يسترخي اللاعبون الكبار الذين يرسمون خرائط عمرنا، ومعها يرسمون جغرافيات جديدة، لبشر جدد ليسوا نحن، على كل الاحتمالات.
- *أيها السادة.. لن نكون السادة.
.
.