بصحتك يا رائد..
*نبيل الملحم
يرسم رائد وحش لخريطة الشعر في سوريا.. نقول خريطة الشعر و.. (في سوريا)، وهي خريطة من الصعب، بل من السذاجة تصوّر أن لها خطاً مستقيماً كما حال بلادها سوريا،المرسومة بالقلم والممحاة بأصابع "فرانسوا جورج بيكو، ومخالب مارك سايكس..". خريطة الشعر متهوّرة، نزقة، ومتأرجحة، وليس لها وحدات قياس كما حال صلاحية هذا العنب، لذاك النبيذ.
رائد ككل المجازفين، يرسم خريطتها وفق الخريطة السياسية لسوريا.. بدءاً من جيل الاستقلال الأول، وهو لم يقسّم خارطته إلى أجيال بالمعنى القسري للكلمة، فالمصطلح «الجيلية»، (يفتقر إلى الدقّة)، ولم يستخدمه إلاّ من (باب الاستعانة على رسم خريطة).
الرجل، وهو الشاعر أولاً، اشتغل على جمع (ذواكرنا)، وأظن أنه اشتغل عليها "بنزاهة"، وبقراءة لما لنتجته اللحظة السورية.. بدءاً من سوريا الواضحة مطالع الاستقلال، إلى سوريا زواريب اليوم، ومع اشتغاله، ربما ذكرنا بالمنسي منّا.. ببدوي الجبل، شفيق جبري، محمود السيد، فايز خضور... وسواهم.
ذكّرنا بـ "دعد حدّاد" تلك التي تكاد تلامس الله، وكما كتب فيما كتب"التأنيب" الظل، كتب بكل التهذيب المضاء، ولو كان لي أن انطق باسم نزار قباني، أو ممدوح عدوان، أو محمود السيّد أو حتى الماغوط، لقلت له:
- *يا صبي، لوكان ثمة قراءات للقصيدة في سوريا كما قراءاتك، لما كان حائط الشعر واطئاً.
وبعدها آخذه من يده، صوب أقرب خمّارة ليختار منها النبيذ الذي يشاء.. ومع كل كأس:
- *ألف بـ"صحتك يارائد".
وبعدها إلى شيء من الاسترخاء، فانكشاريو القصيدة، وحصراً "النيو انكشاريين"، مازالوا يعتقدون أن القصيدة تنبثق منهم، لم لا وهم يعومون في فوضى القراءة، وفوضى الكتابة، وفوضى وسائل التواصل الاجتماعي وقد أغرقتنا في (الشعر)، في (اللا شيء)، وهؤلاء.. نعم هؤلاء باتوا يرسمون الخطوط الحمر؟
قرأت الملف.. ملف (طريق أخرى للشعر في سوريا)، وفيه لا مقاربة للبلاهة أو البداوة التي اعتاد عليها النقد، وإذا كان قارئ مثلي، صلته بالقصيدة لا تعدو حدود علاقة محمد الماغوط، بصناعة المعجّنات، قد استعاد التائه منه، فكيف بمن يصنع معجون القصيدة، وصلصالها، ويشويها لتكون اللحظة القصوى للإنسان الأقصى، الذي يطلقون عليه صفة: شاعر؟
هجوم بكل الرماح والسيوف على ماكتبه رائد، و(لأنه لم يحك كل شيء)، وكان على مقال صحفي، أو ملف صحفي، أو بحث أكاديمي أن يحكي كل شيء!!
- كل شيء، يعني ولا شيء.
هوجم رائد، وشتم، والفيس بوك يتسع للجميع.. للناهشين، والنائمين، وعاقدي العزم، وملفقي الاتهامات، والأكثر من ذلك لممارسي الحصار، لتتحد همجية الرايات السود، مع همجية الرايات الحمر، وأيّ اصطفاف؟
رائد كتب، بكل التوازن على حبل مشدود، ولا أشك بأنه يعرف النتائج، غير أن مغامرة الكتابة، هي (المغامرة).. ليس من يحسب لنتائجها، ذلك الذي يرى بالعين التي ترى ما لانراه.
للمرة الثانية.. نحن هنا في برلين.. ليس من خمّارة اسمها فريدي، على طاولة من طاولاتها خسّة وكمشة فستق، وشاعر ثمل يكتب امرأة كعود الخيزران.. هنا نحن، في الشوارع المترفة، والسكيرون الآخرون.
- ـــ تعال يا رائد لنقول لك:
- *شيرز.
وبالعربية:
- *بصحتك.
وبلغة النقد:
- *الفيس بوك، ليس ذلك الحائط المكلف الذي كاد أن يقتلنا ذات يوم.. إنه الحائط المرتاح لبشر يستسهلون الكلام.
.
.